الخدمة العامة الإجبارية للاجئين ..استغلال أم منفعة متبادلة؟
٢٨ أغسطس ٢٠١٨
أثار مقترح الأمينة العامة للحزب المسيحي الديمقراطي بإلحاق اللاجئين وطالبي اللجوء بخدمة اجتماعية إجبارية لمدة عام ردود فعل تباينت بين الرفض المطلق والتحفظ والدعم الكامل. ما مدى واقعية المقترح؟ وفي مصلحة من يصب؟
إعلان
لا يمر يوم في ألمانيا إلا ويتصدر خبر ما يتناول اللاجئين وطالبي اللجوء اهتمامات وسائل الإعلام وبالتالي الرأي العام. قبل أمس السبت (25 أب/أغسطس 2018) نقلت صحف مجموعة "فونكه" الألمانية الإعلامية تصريحاً للأمينة العامة للحزب المسيحي الديمقراطي، أنغريت كرامب - كارنباور، يطالب بإلحاق اللاجئين وطالبي اللجوء بخدمة اجتماعية أو بخدمة عامة، إجبارية لمدة سنة. وقد بررت السياسية مقترحها بأنه "سيسهم في اندماج (اللاجئين) في الدولة والمجتمع وسيزيد هذا أيضاً من قبول المواطنين للاجئين بيننا"، حسب قولها. ويشمل مقترح كرامب- كارنباور الشباب والشابات من اللاجئين وطالبي اللجوء.
يأتي كلام الأمينة العامة في وقت يثير الحزب المسيحي الديمقراطي نقاشاً حول إعادة فرض خدمة عامة إلزامية للشباب من الجنسين في الجيش الألماني، وكذلك في القطاع الاجتماعي، وذلك بعد سبع سنوات من إلغائها.
"مجافاة" للواقع
ردود الفعل على كلام الأمينة العامة لحزب ميركل لم تتأخر وجاءت من عدة جهات وتباينت في مضمونها، وإن كانت معظمها ناقدة. وزيرة العمل، المنتمية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، فرانسيسكا غيفي، قالت أمس الأحد بأن المقترح "يجافي" الواقع، مضيفة: "لدينا الخدمة التطوعية الاتحادية، ويشارك بها آلاف اللاجئين"، مطالبة بالعمل على توسيع دائرة تلك الخدمة التطوعية لكل الشباب في ألمانيا، سواء كانوا لاجئين أم لا.
وأشار كريم الواسطي عضو مجلس شؤون اللاجئين في ولاية سكسونيا السفلى، هو أيضاً، إلى "الخدمة التطوعية الاتحادية"، مشدداً، في حوار مع "مهاجر نيوز"، على ضرورة توفير "الشروط الموضوعية" على الأرض لمقترح السيدةأنغريت كرامب-كارنباور قبل الحديث عنها: "أولاً وقبل كل شيء يجب إتاحة الفرصة للاجئين بأن يصبحوا جزءاً من المجتمع عن طريق منحهم الفرصة لتعلم اللغة والدراسة والتدريب المهني والعمل، ومن ثم مطالبتهم بما يترتب على باقي أفراد المجتمع".
ويشار إلى أن "الخدمة التطوعية الاتحادية" BFD تم تبنيها بعد إلغاء الخدمة العسكرية والمدنية الإجبارية عام 2011، ويمكن للراغبين من الشباب والشابات الانخراط بكل ما قد يعود بالخير على المجتمع، وخاصة في المجالات المجتمعية والبيئية والثقافية والرياضية والمساعدة في حالات الكوارث الطبيعية والمدنية.
يد عاملة مجانية؟
من جانبه، اتهم الرئيس التنفيذي الأول لكتلة الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) في البرلمان الألماني (بوندستاغ)، ماركو بوشمن، الحزب المسيحي الديمقراطي بأنه يسعى فقط "لمصادرة" الأيدي العاملة. ووصف بوشمن في تصريح لصحيفة "فرانكفورتر ألغماينه زونتاغ تسايتونغ" الصادرة يوم أمس الأحد المقترح بأنه "قنبلة اجتماعية موقوتة"، وليس مساهمة في تهدئة الصراع الاجتماعي بخصوص الاندماج، مردفاً أنه يجب إدماج اللاجئين في سوق العمل العادي.
كريم الواسطي يعتقدبأن اقتراح سد الثغرة في بعض القطاعات كرعايا المسنين "غير منطقي وغير مقبول" وفيه "استغلال" لطالبي اللجوء واللاجئين كأيدي عاملة مجانية.
وفي انتقاد أكثر حدة وصف رئيس "الاتحاد الألماني للمساواة في الرفاهية"Der Deutsche Paritätischer Wohlfahrtsverband أولرش شنايدر المقترح بأنه "عبثي بالكامل". وأضاف رئيس الاتحاد الألماني الذي يدافع عن حقوق المرضى والضعفاء اجتماعياً والذي يقال بأنه قريب من حزب اليسار الألماني: "من جهة يريد الحزب المسيحي الديمقراطي إبقاء اللاجئين بعيدين عن سوق العمل وترحيلهم، ومن جهة أخرى يقترح جعل طالبي اللجوء الذين ليس لديهم إلمام لغوي بالعمل في دور رعاية المسنين ورياض الأطفال".
متى يكون الاندماج مجديا؟
02:07
"تسابق" مع الشعبويين
وبدوره اتهم الأمين العامة للحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك مع حزب ميركل في الائتلاف الحاكم،لارس كلينغ بايل، نظيرته في المسيحي الديمقراطي بـ"الشعبوية"، مردفاً أن حزب ميركل يخاف من خوض نقاش في قضايا أكثر أهمية كالتقاعد ويحاول الهرب عن طريق التحريض الشعبوي في قضايا اللاجئين. غير أنه في الوقت نفسه عبر عن دعمه لتعزيز الانخراط في "الخدمة التطوعية الاتحادية".
ويرى الواسطي أن الرد على الشعبويين يكون بإجراءات على الأرض ترحب وتحتضن اللاجئين وليس بالتسابق معهم في التصريحات "الشعبوية".
ميركل وحزبها.. تقاسم أدوار؟
على الجهة المقابلة، قوبل مقترح الأمينة العامة للحزب المسيحي الديمقراطي بالتأييد في أوساط الحزب؛ فقد عبر رئيس وزراء ولاية سكسونيا ميشائيل كريتشمار عن دعمه الكامل، وبالمثل فعل وزير العمل السابق نوربرت بلوم، الذي كتب في مقال في صحيفة "فيلت أم زونتاغ" الأحد بأن ذلك سيؤدي إلى "إحياء حب العمل للمصلحة العامة".
المستشارة، كعادتها في إبقاء الباب موارباً، أشارت في مقابلة مع القناة الأولى في التلفزيون الألماني ARD إلى وجود "الخدمة التطوعية الاتحادية، غير أنها أضافت أنها ستدع مجالاً لنقاش مقترح أنغريت كرامب- كارنباور دون أن يكون اللاجئين "بديلاً مؤقتاً" لنقص اليد العاملة في قطاع خدمة كبار السن والمرضى.
ألمانيا و"لاجئوها" ـ أبرز الأحداث منذ اعتداء زولينغن
أحيت ألمانيا الذكرى الـ 25 لاعتداء الحرق بمدينة زولينغن، الذي استهدف منزل عائلة ذات أصول تركية وأسفر عن مقتل خمسة من أفرادها وجرح أربعة. بيد أنه لم يكن الاعتداء الوحيد الذي شهدته ألمانيا في العقود الأخيرة ضد الأجانب.
صورة من: Imago/Tillmann Pressephotos
اعتداء زولينغن الرهيب
بحضور المستشارة ميركل ووزير الخارجية التركي، أحيت ألمانيا الذكرى 25 لاعتداء زولينغن الرهيب الذي راح ضحيته خمسة أشخاص من عائلة ذات أصول تركية وهم امرأتان وثلاث فتيات. ففي 29 من مايو/ أيار أضرم أربعة شبان النيران في منزل العائلة. وتبين فيما بعد أنهم على صلة باليمين المتطرف.
صورة من: dpa
نصب تذكاري
وتمّ تشييد نصب تذكاري في مكان الاعتداء كتبت عليه أسماء الضحايا. وبمنسبة الذكرى الـ25، اعتبر رئيس حكومة ولاية شمال الراين ويستفاليا أرمين لاشيت الاعتداء بأنه الأسوأ في تاريخ المدينة منذ الحرب العالمية الثانية كما حذّر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس من خطر اليمين المتطرف في البلاد، مشددا أن "واجب الابقاء على ذكرى الضحايا (زولينغن) مسؤوليتنا جميعا".
صورة من: picture-alliance/dpa/O. Berg
مقتل شاب جزائري
في نهاية عام 1999 طارد عدد من الشبان المتطرفين أفارقة داخل مركز مدينة غوبين بولاية برادنبورغ بشرق البلاد. وأسفر ذلك عن مقتل شاب جزائري.
صورة من: picture-alliance/dpa/Patrick Pleul
قنبلة مسامير تنفجر في شارع الأتراك بكولونيا
في شارع كويبشتراسه بكولونيا (كولن)، الذي يسكنه عدد كبير من الأتراك، انفجرت قنبلة مسامير شديدة الانفجار أصابت 22 شخصا إصابات خطيرة. واستبعدت التحقيقات التي استمرت أزيد من عشر سنوات، في بادئ الأمر خلفيات عنصرية وراء الاعتداء ليتضح فيما بعد أن خلية "إن إس يو NSU" اليمينية المتطرفة هي من نفذته.
صورة من: DW/A. Grunau
خلية "إن إس يو"
كانت هذه الخلية تضم ثلاثة عناصر نفذوا إلى جانب اعتداء كولونيا اعتداءات أخرى في ألمانيا، ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص (أتراك ويونانيين) إضافة إلى شرطي ألماني. ومنذ خمس سنوات تتواصل جلسات محاكمة "بيآته تشيبه" العنصر الوحيد المتبقي على قيد الحياة ضمن المجموعة المتطرفة، غير أن الأخيرة تلوذ الصمت ولم تدل بأي معلومات حول عمل الخلية.
صورة من: picture-alliance/dpa/P. Kneffel
موظف يضرم النيران من مسكن للاجئين
في فبراير من 2015، قام موظف من مكتب الضرائب بإضرام النيران في منزل كان من المفترض أن يصبح منزلا لعائلة عراقية في مدينة إيشبورغ. وفي ذات السنة دخلت أمواج كبيرة من اللاجئين إلى ألمانيا، ورافق ذلك مجموعة من الاعتداءات على منازل وملاجئ للاجئين. في هذا العام وحده سجلت الشرطة أكثر من 1000 اعتداء بدواعي الكراهية ما بين إحراق واعتداءات جسدية وبمواد متفجرة. وللمقارنة سجل في العام الذي سبقه 200 اعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Heimken
خلية "فرايتال"
بين شهري تموز/ يوليو إلى تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2015، ظهرت خلية "فرايتال" التي ضمت ثمانية عناصر، نفذوا خمسة هجمات بعبوات متفجرة على نزل للاجئين ومعارضين سياسين لهم في مدينتي فرايتال ودريسدن. محكمة دريسدن صنفت الخلية على أنها إرهابية وأصدرت أحكاما تراحت ما بين 10 و11 عاما سجنا على أعضائها.
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Kahnert
أرقام مقلقة في عام 2017
مدن كبامبارغ وغيرها، تحولت إلى مسرح لحلقات جديدة من سلسلة الاعتداءات ضد الأجانب. في عام 2017 سجل نحو 2200 اعتداء من هذا القبيل، وفق بيانات الشرطة غير أن منظمات حقوقية تشدد أن العدد أكبر بكثير من المعلن عنه.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
ظهور حركة "بيغيدا" المعادية للإسلام
في موازاة ذلك ومع موجة اللاجئين التي دخلت ألمانيا، ظهرت حركات اعتبرت نفسها أنها "تدافع" عن قيم المجتمع، فخرجت تظاهرات كل أسبوع في عدد من المدن خاصة شرق البلاد نظمتها حركات كـ"بيغيدا" وغيرها تنادي بـ "حماية البلاد من الأسلمة"، كما اتهمت هذه الحركات المستشارة ميركل بـ "خيانة" البلاد.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي
انبثق هذا الحزب عن حركة مناهضة لسياسية ميركل وأوروبا عموما لانقاذ اليورو واليونان المتخبط في أزمة الديون السيادية، إلا أن "البديل" سريعا ما وجد في موضوع اللاجئين ضالته لحشد الأصوات. ويتهم بأنه يذكي خطاب الكراهية والعنصرية ضد الأجانب، لكنه أيضا استطاع أن يصبح أقوى قوة معارضة في البوندستاغ إثر فوزه في الانتخابات الأخيرة بـ12,6 بالمائة من أصوات الناخبين.
صورة من: Getty Images/C. Koall
أصوات معارضة للبديل
في 27 من الشهر الجاري (أيار/ مايو 2018) نظم الحزب في برلين مظاهرة تطالب بتشديد سياسة اللجوء. وكان حزب البديل يأمل في مشاركة عشرات الآلاف، لكنه لم يحصل سوى على خمسة آلاف فقط. في حين شارك نحو 25 ألف شخص في المظاهرة الموازية والتي خرجت ضد هذا الحزب الشعبوي وأفكاره.
صورة من: DW/W. Glucroft
دريسدن تنتفض ضد التطرف
وكثيرة هي المظاهرات التي خرجت في السنوات الأخيرة ترفض وبوضوح الأفكار اليمينية المتطرفة وتدعم أسس الانفتاح داخل المجتمع. والصورة توثق لأكبر مظاهرة مناهضة للتطرف أقيمت في مدينة دريسدن التي اقترن اسمها مؤخرا باليمين المتطرف والشعبوي. وشارك في هذه المظاهرة المغني الشهير "كامبينو" إضافة إلى نجوم آخرين من عالم الفن والغناء.
صورة من: picture-alliance /dpa/A. Burgi
كراهية الأجانب "تطيح بأسس الدين المسيحي"
الكنيسة سواء الكاتوليكية أو الإنجيلية تبرأت من هذه الحركات واعتبرت أن الأفكار التي تروج لها "بيغيدا" وغيرها تحت ذريعة الحفاظ على الأسس الدينية للدولة، لا علاقة لها إطلاقا بالدين المسيحي الذي يدعو إلى التسامح. وازداد عدد الحالات التي قدمت فيها الكنيسية اللجوء الكنسي إلى لاجئين.