يؤكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه يمكن للرئيس الأوكراني زيلينسكي إنهاء الحرب مع روسيا بسرعة. لكن بأي شروط؟ وما هي التنازلات التي ينبغي أن تدفعها أوكرانيا من أراضيها؟
النقاش حول التنازل عن الأراضي يضعه في مأزق: الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (في الخلفية مدير مكتبه أندري ييرماك)صورة من: Ukrainian Presidency/Anadolu/picture alliance
إعلان
تبلغ مساحة أوكرانيا أكثر من 600 ألف كيلومتر مربع، لكن من وجهة نظر موسكو، فإن مساحتها أقل من ذلك بنحو الخمس لأن روسيا تعتبر شرق أوكرانيا جزءا من أراضيها. في ظل هذه الأوضاع المتشابكة يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الآن التوصل إلى اتفاق سلام. بعد اجتماعه مع الرئيس الر وسي فلاديمير بوتينفي ألاسكا يستقبل الرئيس الأمريكي نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعددا من كبار الساسة الأوروبيين في واشنطن.
وكان ترامب قد أوضح مسبقا على منصته "تروث سوشيال" أنه لا يدعم موقف كييف إلا بشكل محدود، وكتب يقول: "يمكن للرئيس الأوكراني زيلينسكي إنهاء الحرب مع روسيا على الفور إذا أراد ذلك، أو يمكنه مواصلة القتال"، مضيفا: "لن تنضم أوكرانيا إلى حلف الناتو. بعض الأشياء لا تتغير أبدا!!!". وبذلك أوضح الرئيس الأمريكي أنه يستبعد عودة شبه جزيرة القرم وانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو.
وحسب معلومات مختلف وسائل الإعلام الدولية اتفق ترامب وبوتين في قمة ألاسكا على أن أوكرانيا يجب أن تتنازل عن منطقتي دونيتسك ولوهانسك بالكامل لروسيا. وقد رفض الرئيس زيلينسكي هذا الحل بشكل قاطع حتى الآن. وبدلا من ذلك يدعو الحلفاء الأوروبيون إلى وقف إطلاق النار على طول خط الجبهة الحالي.
"نحن دونباس الروسية" كان هذا الشعار في دونيتسك في 21 فبراير 2022، الصورة من وكالة الأنباء الروسية تاسصورة من: Alexander Ryumin/Tass/dpa/picture alliance
ما هي المناطق الأوكرانية التي تسيطر عليها روسيا؟
تركز روسيا منذ سنوات بشكل خاص على شرق أوكرانيا، بعد أن أدت ثورة "الميدان الأوروبي - أوروميدان" إلى الإطاحة بالحكومة الموالية لروسيا في كييف، احتلت القوات الروسية شبه جزيرة القرم في مارس/ آذار 2014 في انتهاك للقانون الدولي.
وفي 18 مارس/ آذار ضمت روسيا المنطقة رسميا بعد إجراء استفتاء صوري فيها. وفي أعقاب ذلك زعزع المقاتلون الروس استقرار المنطقتين الشرقية في أوكرانيا اللتين يطلق عليهما في اللهجة المحلية "أوبلاست": دونيتسك ولوهانسك. وهنا تقع أيضا منطقة دونباس، حوض نهر دونيتس الذي يصب في نهر الدون في روسيا.
وفي 21 فبراير/ شباط 2022 اعترفت روسيا بـ "جمهوريتين شعبيتين" في أراضي المناطق الأوكرانية كدولتين مستقلتين. وبعد ثلاثة أيام بدأت موسكو غزوها الواسع النطاق. وفي حين تمكنت أوكرانيا في الأشهر الأولى من الحرب من صد الغزاة في الشمال إلى حد كبير، استطاعت روسيا بفضل استخدامها المكثف للقوة العسكرية السيطرة على مناطق أخرى في الشرق.
وفي جميع المناطق الأربع نظمت روسيا في سبتمبر/ أيلول 2022 استفتاءات صورية أخرى بهدف إثبات رغبة السكان المزعومة في الانضمام إلى الاتحاد الروسي.
في المقابل يشير تقرير صدر مؤخرا عن مجلس أوروبا إلى أعمال عنف وإجراءات قسرية ضد المدنيين. وحسب التقرير فإن من يرفض الحصول على الجنسية الروسية لن يحصل على الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية.
كان مصنع أزوف للصلب في مدينة ماريوبول الواقعة على ساحل بحر آزوف مسرحا لقتال عنيف في مايو 2022صورة من: Alexander Garmayev/TASS/dpa/picture alliance
أهمية الدونباس
تعتبر هذه المناطق مهمة لروسيا من الناحية الجيوسياسية، فمنطقة الدونباس غنية بالفحم والمعادن مما يجعلها مركزا مهما لصناعة الصلب والكيماويات. ومن المتوقع أن تكون المعادن النادرة الموجودة في باطن الأرض ضرورية لتصنيع العديد من السلع التكنولوجية، وتلعب دورا مهما في المستقبل. كما تشكل هذه المناطق جسرا بريا يربط شبه جزيرة القرم، في الوقت الذي لا تتمتع فيه أوكرانيا حاليا بأي منفذ إلى بحر آزوف.
وبالنسبة لأوكرانيا اكتسبت منطقة دونباس التي تشهد قتالا عنيفا منذ عام 2014 أهمية عسكرية أيضا، فقد أُقيمت فيها ما يُعرف باسم "حزام الحصون" الذي يُعد حتى الآن أهم خط دفاعي. ورغم أن روسيا تسيطر على أجزاء كبيرة من دونباس إلا أنها لم تتمكن حتى الآن من اختراق حزام الحصون.
وحسب التقارير تكرر في المحادثات الأخيرة بين الولايات المتحدة وروسيا الحديث عن تنازلات إقليمية حيث طالبت روسيا بالسيطرة الكاملة على دونيتسك ولوهانسك مقابل إعادة خيرسون وزاباروجيا. وكتب معهد الدراسات الحربية الأمريكي في تحليل له: "ستضطر أوكرانيا إلى التخلي عن حزام الحصون دون ضمانات بعدم استئناف القتال".
إعلان
دستوران.. وقانون دولي واحد
بعد الاستفتاءات الصورية أعلنت روسيا في دستورها أن الأراضي الأوكرانية المضمومة أصبحت جزءا من أراضيها. وإلغاء هذه الخطوة سيكون محفوفا بالعقبات القانونية والسياسية ومن المرجح أن يُنظر إليه على أنه هزيمة من قبل الشعب الروسي.
في الوقت نفسه لا يمكن للحكومة الأوكرانية أن توافق بسهولة على التخلي عن هذه المناطق، فقد استشهد الرئيس فولوديمير زيلينسكي مرارا بالمادة 133 من الدستور الأوكراني التي تنص صراحة على أن المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية هي جزء من الدولة.
وهناك فقرة خاصة بالقرم تمنحها حق الحكم الذاتي الجزئي، كما أن المادة 2 تستبعد أي تنازل عن الأراضي حيث تنص على أن "أراضي أوكرانيا غير قابلة للتقسيم أو الانتهاك في حدودها الحالية". ولا يمكن إقرار أي تغييرات في الأراضي إلا من خلال استفتاء وطني لكن التعديلات الدستورية لن تكون مسموحة على أي حال إلا بعد رفع الأحكام العرفية.
وبالتالي فإن دستوري روسيا وأوكرانيا يتعارضان بشكل مباشر فيما يتعلق بالأراضي محل النزاع. لكن الأمر واضح من الناحية القانونية الدولية، إذ يعتبر الخبراء القانونيون أن الغزو الروسي وجميع الاستفتاءات الصورية مخالفة للقانون الدولي.
تواصل روسيا مهاجمة المدنيين في المناطق التي تعتبرها جزءا من أراضيها. تظهر الصورة مسعفين في سابورششياصورة من: Stringer/REUTERS
ماذا يعني الناتو بالاعتراف؟
في هذه الأجواء المضطربة أثار الأمين العام لحلف الناتو مارك روته ضجة كبيرة عندما قال في التلفزيون الأمريكي قبل اجتماع بوتين وترامب في ألاسكا إنه يمكن "على سبيل المثال في اتفاق مستقبلي" الاعتراف بأن "روسيا تسيطر فعليا على جزء من أراضي أوكرانيا".
هل يعني ذلك أن الناتو سيقبل بتنازل أوكرانيا عن جزء من أراضيها وبتحول للحدود بالقوة على تخوم منطقة نفوذه المباشر؟
وقال روته إن الغرب "لا يمكنه أبدا قبول ذلك من الناحية القانونية". وبالنسبة له فإن "الاعتراف الفعلي" هو وحده المقبول. وللمقارنة أشار روته إلى موقف الولايات المتحدة تجاه دول البلطيق في الفترة من 1940 إلى 1991: في ذلك الوقت كانت إستونيا ولاتفيا وليتوانيا تحت الاحتلال السوفييتي. ورغم أن الولايات المتحدة قبلت ذلك فعليا إلا أنها حافظت على علاقات دبلوماسية مع معارضي الاحتلال.
حرب أوكرانيا ـ 3 سنوات من الدمار والقتل والتشريد.. والنتيجة؟
مرّت ثلاث سنوات منذ شنّت روسيا هجومها الشامل على أوكرانيا، مما أسفر عن مقتل الآلاف وتشريد ملايين الأشخاص، بالإضافة إلى دمار واسع النطاق. واليوم، يساور الأوكرانيين القلق بشأن كيفية نهاية هذه الحرب.
صورة من: Serhii Chuzavkov/Avalon/Photoshot/picture alliance
تهديد متزايد
في أواخر 2021، أظهرت صور الأقمار الصناعية تجمع القوات الروسية والأسلحة الثقيلة بالقرب من بلدة يلنيا على حدود بيلاروسيا. وفي 11 نوفمبر من نفس العام، حذر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، الرئيس الروسي بوتن من غزو أوكرانيا. لكن رغم هذا التحذير، قرر بوتن في 24 فبراير 2022 شن غزو واسع النطاق لأوكرانيا
صورة من: Maxar Technologies/AFP
بداية الحربـ هجوم شامل
في 24 فبراير، سقطت صواريخ على عدد من المدن الأوكرانية، مثل كييف وأوديسا وخاركوف. في كييف، أُضرمت النيران في مبنى عسكري أثناء الهجمات. وبدأت الحرب التي أصرت موسكو على تسميتها "عملية خاصة"
صورة من: Efrem Lukatsky/AP Photo/picture alliance
العنف في بوتشا
في غضون أسابيع، تمكّن الأوكرانيون من طرد القوات الروسية من المدن الشمالية. وبعد ذلك، ظهرت جرائم الحرب إلى العلن، وانتشرت صور لمدنيين تعرضوا للتعذيب والقتل في بوتشا، قرب كييف. وأعلنت السلطات أن أكثر من 1100 مدني قُتلوا في المنطقة. وأظهرت تحقيقات استقضائية أن العنف كان ممنهجا ومخططاً.
صورة من: Serhii Nuzhnenko/AP Photo/picture alliance
الحياة وسط الدمار
وفقًا لموسكو، كان من المفترض أن تستمر "العملية الخاصة" في أوكرانيا لمدة ثلاثة أيام فقط. لكن بعد ثلاث سنوات، لا تزال الحرب مستمرة. وتشير أحدث التقارير الصادرة عن معهد دراسات الحرب إلى أن روسيا تسيطر حاليًا على حوالي 20% من الأراضي الأوكرانية، معظمها في الشرق. تم التقاط هذه الصورة في دونيتسك، شرق أوكرانيا، في مايو/أيار 2023.
صورة من: Sofiia Gatilova/REUTERS
ضم مناطق أوكرانية إلى روسيا
في سبتمبر/أيلول 2022، ضمت روسيا أربع مناطق أوكرانية — لوغانسك، ودونيتسك، وزابوروجيا، وخيرسون — بمساحة تقدر بحوالي 90,000 كيلومتر مربع. وبعد عام، إجراء انتخابات في هذه المناطق في تصويت وصف بـ "الانتهاك الصارخ للقانون الدولي". فاز حزب روسيا الموحدة بقيادة بوتين في جميع المناطق بأكثر من 70% من الأصوات.
صورة من: Alexander Ermochenko/REUTERS
فرار الملايين من الحرب
أجبرت الحرب في أوكرانيا الملايين على الفرار، مما أدى إلى موجة هجرة كبيرة لم تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وفقًا للأمم المتحدة، نزح 3.7 مليون شخص داخل أوكرانيا بسبب القتال. وغادر البلاد أكثر من 6 ملايين شخص أوكرانيا وتوجهوا إلى أوروبا، خاصة إلى بولندا وألمانيا.
صورة من: Filip Singer/EPA-EFE
ماريوبول، مدينة المقاومة الأوكرانية
في عام 2022، استمر حصار روسيا لمدينة ماريوبول الجنوبية لمدة 82 يومًا. تعرضت المدينة لقصف كثيف وتحصن آخر المقاتلين الأوكرانيين في مصنع للصلب. وبعد أن قصفت روسيا مستشفى، انتشرت صورة لامرأة حامل يتم إجلاؤها حول العالم. التقط صحفيون أوكرانيون الصورة، وفازوا لاحقًا بجائزة الأوسكار عن فيلمهم الوثائقي "20 يومًا في ماريوبول".
صورة من: Evgeniy Maloletka/AP/dpa/picture alliance
قصف طريق الاتصال الوحيد بشبه جزيرة القرم.
يُعد جسر القرم، الذي يمتد بطول 19 كيلومترًا (حوالي 12 ميلًا)، الأطول في أوروبا، ويربط جنوب روسيا بشبه جزيرة القرم. في أكتوبر\تشرين الأول 2022، تعرض الجسر لأضرار نتيجة قنبلة زرعها الأوكرانيون، مما جعله قابلاً للاستخدام جزئيًا. وفي يوليو/تموز2023، تعرض الجسر لأضرار أخرى بسبب القوات الأوكرانية.
صورة من: Alyona Popova/TASS/dpa/picture alliance
كارثة بيئية
في 6 يونيو/حزيران 2023، أدى انفجار إلى تدمير سد كاخوفكا وتفريغ نهر دنيبرو. وبينما تبادلت أوكرانيا وروسيا الاتهامات بشأن المسؤولية عن الحادث، كانت روسيا تسيطر على السد في ذلك الوقت. أسفر الفيضان الناتج عن الانفجار عن كارثة بيئية واسعة النطاق، دمرت آلاف المنازل وأدت إلى سقوط مئات القتلى.
صورة من: Libkos/AP Photo/picture alliance
استهداف البنية التحتية للطاقة
استهدفت روسيا بشكل منهجي البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا. بعد عام من الغزو، دُمرت 76% من محطات الطاقة الحرارية، وبحلول سبتمبر/أيلول 2024، ارتفع هذا الرقم إلى 95%. أدى ذلك إلى إضعاف شبكة الكهرباء في أوكرانيا، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي وتفاقم الوضع الإنساني، خصوصًا خلال فصل الشتاء.
صورة من: Sergey Bobok/AFP
أوكرانيا تهاجم الأراضي الروسية
في أغسطس/آب 2024، شنت القوات المسلحة الأوكرانية هجومًا على الأراضي الروسية لأول مرة. وفي مواجهة مقاومة ضئيلة على الحدود، تمكنت في البداية من السيطرة على نحو 1400 كيلومتر مربع (حوالي 540 ميلاً مربعاً) في منطقة كورسك. لكنها فقدت منذ ذلك الحين ثلثي الأراضي التي كانت قد احتلتها
صورة من: Roman Pilipey/AFP/Getty Images
حرب الدرون
تستخدم كل من روسيا وأوكرانيا الطائرات بدون طيار للاستطلاع والمراقبة، وكذلك لشن هجمات مستهدفة. ويقول الخبراء إن هناك حوالي 100 نوع مختلف من الطائرات بدون طيار قيد الاستخدام في أوكرانيا. وفي مارس/أذار 2024، قالت أوكرانيا إنها قادرة على تصنيع ما يصل إلى 4 ملايين طائرة بدون طيار سنويًا.
صورة من: Serhii Nuzhnenko/Radio Free Europe/Radio Liberty/REUTERS
تدمير هائل
خلفت ثلاث سنوات من الحرب آثارًا عميقة في أوكرانيا. في الشرق والجنوب، تحولت العديد من البلدات والقرى، التي دمرتها الهجمات الروسية، إلى مدن مهجورة. بلدة بوغوروديتشني في منطقة دونيتسك، التي تعرضت لهجوم مكثف من روسيا في يونيو/حزيران 2022، أصبحت الآن شبه خالية.
صورة من: Mykhaylo Palinchak/SOPA Images/ZUMA Press Wire/picture alliance
الحياة بعيدًا عن القتال
رغم استمرار الحرب، لا تقتصر كافة مناطق أوكرانيا على خط المواجهة، حيث تدور المعارك المباشرة. بعيدًا عن هذه المناطق، تستمر الحياة بشكل طبيعي. المحلات والمقاهي والمطاعم تواصل عملها، فيما يستعد السكان لانقطاع التيار الكهربائي بتركيب مولدات كهربائية.
صورة من: YURIY DYACHYSHYN/AFP
مستقبل مجهول للدعم الأمريكا
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحدث عن رغبته في إنهاء الحرب في أوكرانيا خلال "24 ساعة"، لكنه لم يحقق ذلك بعد. ومع ذلك، تثير علاقته الظاهرة مع روسيا ورغبته في الضغط على أوكرانيا للتنازل عن ثرواتها المعدنية لصالح الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تبادل التصريحات القوية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، القلق في أوكرانيا وبين حلفائها.