المزيد من الألمان يلجؤون لشراء الأسلحة للدفاع عن أنفسهم، وتأتي هذه الزيادة بعد حوادث التحرش الجنسي التي شهدتها مدينة كولونيا في رأس السنة، إلا أن الشرطة ترى أن الوضع لا زال لا يدعو إلى القلق.
إعلان
تشهد محلات بيع السلاح في ألمانيا إقبالا متزايدا من المواطنين، وهو ما قد يعكس "الشعور بعدم الأمان"، كما يقول أحد أصحاب محلات بيع السلاح في ولاية شمال الراين ويستفاليا. ويوضح التاجر بأنه "لو كان الناس يشعرون بالأمان فعلا، لما جاؤوا لشراء هذه الأسلحة". ومثل العديد من زملائه يشهد هذا التاجر إقبالا على الشراء فاق المتوسط بثلاثة أضعاف، خاصة على مستلزمات الدفاع عن النفس مثل غاز الفلفل وغيرها. حيث إن الاعتداءات على النساء في ليلة رأس السنة الجديدة في كولونيا، كثفت المخاوف في ألمانيا من اللاجئين، ما تسبب في زيادة كبيرة في مبيعات الأسلحة وفق بيانات جمعية تجار السلاح في ألمانيا.
القوانين صارمة في ألمانيا
في ألمانيا تعتبر القوانين صارمة جداً فيما يخص حيازة الأسلحة، حيث لا يسمح بذلك إلا في ظل ظروف معينة. إلا أنه وبوجود ما يسمى "ترخيص الأسلحة الصغيرة"، فإن المسدسات الصوتية على سبيل المثال تعتبر مسموحة، وهي تلقى رواجا كبيرا. وتبلغ تكلفة تقديم طلب للحصول على رخصة بين 50 إلى 60 يورو فقط ، ولا يشترط تقديم أية مبررات لاقتناء سلاح، كما أنه من المسموح حمله خارج المنزل، كما أن التقدم للحصول على هذا السلاح لا يتطلب أية مهارات سابقة بعكس تراخيص الصيد ورياضية الأسلحة مثلا. الشرط الوحيد هو أن يكون مقدم الطلب قد تعدى السن القانونية أي بلغ 18 عاما.
"تقوم الشرطة عادة بإجراء مراجعة شاملة لمقدمي الطلبات، ولا يحصلون على التراخيص إلا إذا كانت أوراقهم سليمة، ولا توجد عليهم أية شبهات" هذا ما قاله أحد باعة الأسلحة لزبونة كانت ترغب في شراء مسدس صوتي. وتقول الزبونة "ابنتي تبلغ من العمر 23 عاما، وهي تدرس في مدينة كولونيا وترغب دائما بالمشاركة في الاحتفالات، إلا أنها الآن لديها بعض المخاوف". وحاليا تشهد السلطات، التي تُصدر التصاريح اللازمة باقتناء السلاح تضاعفَ أعداد الطلبات المقدمة إليها.
التسلح عبر الإنترنت
ووفقا لخبير وسائل الإعلام الاجتماعي فيليكس بايهارتس، فإن إجراءات البحث عن الأسلحة تبدأ من الإنترنت، ويقول بايهارتس إن هناك زيادة كبيرة قدرها "ألف بالمئة فيما يتعلق بالبحث عن الأسلحة في الإنترنت"، وهذا الأمر منذ بداية يناير من هذا العام فقط. مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وغيره ساهمت في التطرف والذعر، لأن عمليات البحث والإظهار فيها تقوم على مبدأ تقديم ما يهم المستخدم، وما يعزز رأيه. وهذا يمكن أن يؤدي إلى "موجة من الذعر والإقبال يشكل أكبر على شراء الأسلحة"، وفقا لأقوال بايهارتس.
الاستفادة من مشاعر الخوف والقلق لدى لدى الألمان تعدت بائعي الأسلحة لتشمل أيضا مقدمي دورات الدفاع عن النفس وغيرهم. حيث العديد من هذه الدورات محجوزة لأسابيع بالكامل، وهو ما لم يكن عليه الحال في السنوات السابقة.
وهنالك العديد من مقاطع الفيديو على الإنترنت تعطي لمحة عن ما يدور في ذهن باعة الأسلحة، حيث يُظهر مقطع رجلاً عجوزاً في غرفة معيشته، ويتحدث عن حرية الحصول على سلاح في الولايات المتحدة الأمريكية، ويضيف بأن "السلاح ضروري أيضا في ألمانيا، لأن الشرطة لا تستطيع حمايتنا من اللصوص".
وفي مقطع فيديو آخر هناك نصائح للدفاع عن النفس عن طريق التسلح، في هذا الفيديو يعرض رجل ثلاثة مسدسات على الطاولة ويشيد بمزاياها والاختلاف بينها. ويقول الرجل "إذا لم تستطع ثماني أو خمس طلقات إيقاف المهاجم، فإن 15 طلقة لن تجلب شيئا أيضا، والهرب هو المخرج الوحيد". وقد شاهد هذا الفيديو أكثر من 175 ألف شخص.
"لا داعي للقلق"
وتفضل الشرطة من جهتها الانتظار قبل أن تحكم على هذا التصاعد في آراء المواطنين الألمان، والذين يبدون عدم ثقتهم بالسلطات الحكومية. ويقول راينر فاندت من نقابة الشرطة الألمانية "بطبيعة الحال، نحن قلقون من الأرقام الكبيرة التي ترد إلينا، ولكن من ناحية أخرى فإن أعداد مقدمي الطلبات للتسلح بأسلحة خفيفة لم يتعدّ 0.2 بالمئة من المواطنين في برلين".
وييقول فاندت بأن الشرطة لن تتدخل في مسألة تشديد الإجراءات بالنسبة لتسلح المواطنين. فهو شيء مسموح به قانونيا، كما أن تشديد القوانين طريقة خاطئة، بحسب فاندت، والأفضل هو الشرح المستفيض للناس عن طبيعة هذا السلاح، وترك الخيار للمواطنين.
إلا أن العديد من دوائر الشرطة، تحذر أيضا من المسدسات الصوتية، فهي تبدوا وكأنها حقيقية، وقد تثير بشكلها استفزاز الآخرين، وقد تسهم في تصاعد المشكلة، وهو ما لا ينصح به من أجل سلامة المواطنين.
تعصب وتطرف أم خوف من الآخر؟ مظاهر العنف في أوروبا
لئن عاشت الأغلبية العظمى في أوروبا من أوروبيين ومن أصول مهاجرة من مختلف الأديان والثقافات في كنف السلام والاحترام، إلا أنها لم تخل أيضا من مظاهر للعنف تحت ذرائع مختلفة: دينية وقومية وغيرها، لكنها مرفوضة من الأغلبية.
صورة من: picture-alliance/dpa/SDMG/Dettenmeyer
مظاهر التطرف والدعوة إلى العنف باسم الدين لم تقتصر على الدول العربية والإسلامية، بل أيضا دول غربية على غرار ألمانيا شهدت بدورها مظاهرات لأقلية سلفية حمل بعض عناصرها الأعلام السوداء ودعا فيها للعنف. الصورة لمظاهرة تعود إلى عام 2012 في مدينة بون الألمانية حيث تظاهر سلفيون ضد يمينيين متطرفين واعتدوا خلالها على رجال شرطة.
صورة من: picture-alliance/dpa
استخدام الدين كذريعة لارتكاب جرائم إرهابية، مثلما حدث خلال الاعتداء على مقر صحيفة شارلي إيبدو مطلع هذا العام وقتل 11 شخصا من طاقمها بدافع الانتقام لصور كاريكاتورية للرسول محمد نشرتها الصحيفة، أثار استهجان الملايين ليس في فرنسا وأوروبا فقط وإنما ايضا في العديد من الدول الإسلامية والعربية.
صورة من: Reuters/Platiau
الإرهابيون لم يستهدفوا مقر صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية فقط وإنما أيضا شرطيا مسلما واسمه أحمد وشرطية أخرى كانت تنظم حركة المرور وكذلك أربعة يهود، بينهم يهودي تونسي، كانوا في أحد المتاجر اليهودية بصدد التبضع لإحياء مراسم السبت. العمليات الإرهابية كانت من توقيع تنظيم "الدولة الإسلامية".
صورة من: AFP/Getty Images/K. Tribouillard
وبعد الهجمات الإرهابية التي طالت باريس واسفرت عن سقوط 18 شخصا، ها هو الإرهاب تحت ذريعة الدين يضرب العاصمة الدنماركية كوبنهاغن ويتسبب في مصرع رجل يهودي كان يحرس كنيسا يهوديا وآخر مخرجا سينمائيا، ذنبه أنه كان حاضرا في ندوة حول حرية التعبير.
صورة من: Reuters/S. Bidstrup
ولكن مساجد المسلمين بدورها تعرضت أيضا للاعتداء بالحرق وتهشيم النوافذ وحتى لهجوم بالمتفجرات. ففي فرنسا مثلا ارتفع عدد الأعمال "المعادية للإسلام" بنسبة 70 بالمائة منذ الاعتداءات التي قام بها جهاديون في باريس في كانون الثاني/ يناير، مقارنة بعام 2014، وفقا لجمعية التصدي لمعاداة الإسلام الفرنسية.
صورة من: Reuters/Y. Boudlal
حتى المقابر اليهودية لم تسلم من اعتداءات بعض المتطرفين إما بدافع العنصرية أو بدافع معاداة السامية. على أحد القبور اليهودية في مقاطعة الآلزاس الفرنسية كتب باللغة الألمانية "أرحلوا أيها اليهود" إلى جانب الصليب المعقوف، رمز النازيين الذين أبادوا ستة ملايين من يهود أوروبا.
صورة من: picture-alliance/dpa
حتى وإن كان هؤلاء لا يمثلون إلا أقلية مطلقة داخل المجتمع الألماني، إلا أن النازيين الجدد، الذين يستلهمون أفكارهم من النازية واليمين المتطرف، يشكلون مصدر قلق في ألمانيا، خاصة وأنهم لا يتوانون عن استخدام العنف ضد الأجانب أو من كان شكله أو مظهره يوحي بأنه ليس ألمانيا. وفي الفترة الأخيرة سجل في عدد من الدول الأوروبية صعود التيارات اليمينية المتطرفة، مستغلة أعمال الإرهابيين للإسلاميين المتطرفين.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Balk
ولازال القضاء الألماني ينظر في قضية خلية تسيفيكاو النازية، والتي سميت نسبة لمدينة تسيفيكاو الواقعة شرقي ألمانيا، في محاكمة تحظى باهتمام دولي الواسع. هذه الخلية متهمة بقتل عشرة أفراد، تسعة أتراك ويوناني في ألمانيا، ذنبهم الوحيد أن أشكالهم توحي بأصولهم الشرقية. في الصورة العضوة الوحيدة المتبقة من الخلية، بعدما انتحر عنصران منها، والتي ترفض الإدلاء بأي تفصيل يساعد في الكشف عن الحقيقة.
صورة من: Reuters/M. Rehle
اليمينيون المتطرفون استغلوا مخاوف البعض في ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية من عدم معرفتهم للإسلام والمسلمين وخلطهم بالتطرف الإسلامي، خاصة بعد الجرائم البشعة التي ارتكبها تنظيم "الدولة الإسلامية" في المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا، للدعوة إلى مظاهرات مناهضة للإسلام. الصورة مظاهرة مناهضة للإسلام في مدينة هانوفر، شمالي ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/J. Stratenschulte
وبعد الانتقادات اللاذعة والرفض الشعبي الألماني الواسع للمظاهرات المناهضة للإسلام، أصبحت هذه الاحتجاجات نقتصر على بعض اليمينيين المتطرفين الذين خرجوا للتظاهر ضد قدوم اللاجئين إلى ألمانيا، معللين رفضهم بأن ثقافة هؤلاء تختلف عن ثقافتهم وأنه لا يمكنهم الاندماج في المجتمع الألماني.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Meyer
بعض المتطرفين اليمينيين أصبح يعمد بدل الاحتجاج إلى إضرام النيران في البنايات والمقرات التي من شأنها أن تأوي اللاجئين. حتى وإن لم تسفر عمليات إحراق المباني عن أي أضرار بشرية، إلا أن تكرارها في عدد من الولايات والمدن الألمانية أثار قلقا وجدلا واسعا في البلاد.