الدبلوماسية الألمانية في أجندة الائتلاف الحكومي المقبل
٤ ديسمبر ٢٠٢١من الصعب على أي حكومة التخطيط بشكل دقيق لسياستها الدولية، حيث أنها مطبوعة بل ومحكومة بأزمات من الصعب توقعها، تتطور في الغالب وفق آلياتها الخاصة يصعب على أي دولة، حتى لوكان اسمها ألمانيا، التحكم فيها لوحدها. ومن قبيل هذه الملفات الحارقة، هناك نزع السلاح النووي أو العلاقة مع القوى العظمى الحليفة منها والمنافسة كالولايات المتحدة أو الصين. لذلك فإن الائتلاف المقبل المسمى بـ "إشارة المرور" وفقا ألوان الأحزاب الثلاثة المشكلة له (الاشتراكي والليبرالي والخضر) اقتصر على بلورة خطوط عريضة للدبلوماسية التي سينتهجها، إذ سطر مبادئ عامة من قبيل اعتبار الولايات المتحدة والغرب عموما شريكا استراتيجيا.
مارك ليونارد، مؤسس ومدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، صرح لـ موقع "تسايت أونلاين" (25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021) معلقا بشأن توجهات السياسة الخارجية لألمانيا بالقول "بدلاً من القلق بشأن العلاقات التقليدية التي تربط ألمانيا بالغرب واستحضار المخاطر المتمثلة في أن ينأى الاتحاد الأوروبي بنفسه عن الولايات المتحدة، فإنه يجب فهم السيادة الأوروبية كأداة لتعزيز القيم الغربية في العالم. يمكن لأوروبا أقل اعتمادًا على واشنطن أن تكون حليفًا أفضل لها". واستطرد ليونارد موضحا أن مفتاح السيادة بهذا المعنى يكمن في تطوير السوق الأوروبية بطريقة تجعل ألمانيا قادرة على الحفاظ على قوتها، حتى لو أصبحت الولايات المتحدة والصين أكثر حمائية. ودعا إلى أنه، بدلاً من شكوى ألمانيا المتواصل من أنها أكبر مساهم مالي في أوروبا، يجب على قادتها السياسيين تعميق وتعزيز السوق الداخلية للتكتل القاري وكذلك الدور الدولي لعملة اليورو، وهذا ما من شأنه أن يجعل ألمانيا أكثر قوة ومرونة.
التعاون الأطلسي .. وتعزيز السيادة الأوروبية
تشكيل الحكومة الألمانية الجديدة يتزامن مع تصاعد حدة التنافس بين واشنطن وبكين على قيادة العالم، إضافة إلى بروز أقطاب صاعدة جديدة تعمل جاهدة لأن يكون لها دور في عالم مُعولم باتت قواعده تتغير بسرعة مطردة. غير أن المعارك الأكثر حدة تدور رحاها في ميادين التكنولوجيا وتقنيات الاتصالات والانترنت ومصادر الطاقة وقضايا الهجرة وغيرها. انطلاقا من هذه المتغيرات تحاول ألمانيا إعادة رسم أولويات سياستها الخارجية دون التفريط بثوابتها. حتى طبيعة الحروب تغيرت وباتت لا تخاض بالدبابات فقط، وإنما في مضمار الاقتصاد والرقمنة والتحكم في البيانات الاستراتيجية أيضا.
ويسعى الائتلاف الحكومي المقبل إلى تقوية التعاون الأطلسي عبر تعزيز "سيادة استراتيجية" لأوروبا والعمل على "مزيد من التوجه نحو دولة أوروبية اتحادية وفيدرالية، وفق ما جاء في اتفاق الأحزاب الثلاثة المكونة للائتلاف، الذي حافظ على ثوابت السياسة الخارجية الألمانية التقليدية، مثل الالتزام بالمشاركة في القوة النوويةلحلف شمال الأطلسي (ناتو). وفي نفس السياق تخلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي عن مواقفه السابقة الرافضة لاقتناء الجيش الألماني لطائرات مسلحة بدون طيار.
وترى خبيرة العلوم السياسية رونيا كيمبين من مؤسسة العلوم والسياسة في برلين أن هناك قدرًا كبيرًا من الاستمرارية في توجهات السياسة الخارجية الألمانية، وترى أن الائتلاف برهن عن قدر كبير من الواقعية والمرونة، وتستطرد موضحة أن أهم شركاء ألمانيا مثل فرنسا والولايات المتحدة سينظرون بلا شك بعين الرضا لهذا التوجه الذي يقوم على "سياسة خارجية وأمنية ودفاعية مشتركة حقيقية في أوروبا". وأوضحت كيمبين أن المهمة ستكون مع ذلك صعبة، خصوصا فيما يتعلق بتغيير قاعدة قرارات السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي التي تُتخذ لحد الآن بالإجماع. وهناك سعي لأن تتخذ في المستقبل بأغلبية مؤهلة، وهو تغيير سيكون في غاية الصعوبة، خصوصا وأن الدول الصغيرة في الاتحاد الأوروبي تشعر بالقلق من أنه قد يتم تجاوزها في المستقبل.
قيم حقوق الإنسان في مقدمة اهتمام الائتلاف
تم التركيز على القيم الغربية وقضايا حقوق الإنسان عند التعامل مع الحكومات "الصعبة" أو "الإشكالية" كروسيا والصين أو تركيا، لكن دون الإعلان عن رؤية سياسية مفصلة لطريقة التعامل مع الديكتاتوريات ونفوذها المتزايد في العالم. ومن المتوقع أن تعطى الأولوية أيضا للمصالح الأمنية لإسرائيل وأوكرانيا، في استمرار لتوجهات الحكومات السابقة.
المثير أيضا هو السعي للترويج لدبلوماسية "نسائية" تعتمد في رمزيتها على وزيرة الخارجية المحتملة أنالينا بيربروك (حزب الخضر)، بمعنى تكليف مزيد من النساء بمهمات في المنظمات الدولية، وبالتالي المساهمة في تعزيز حقوق المرأة في جميع أنحاء العالم، ما يعني السعي على المدى الطويل إلى إحداث تغيير في الذهنيات من شأنه أن يجعل صوت النساء والفئات المهمشة مسموعًا بشكل أكبر على المستوى الدولي.
توجهات لن تروق بالضرورة لبكين وموسكو
بشأن العلاقة مع روسيا دعا الائتلاف إلى ضرورة الشروع في حوار بناء، لكن دون الإشارة مباشرة إلى روسيا. وأكد على ضرورة "الوقف الفوري لمحاولات زعزعة استقرار أوكرانيا والعنف في شرق هذا البلد وكذلك الضم غير القانوني لشبه جزيرة القرم"، فيما لم يتم ذكر خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، الذي رفضه حزب الخضر.
أما الصين، فكانت اللهجة اتجاهها أكثر حدة، بإثارة الانتباه بالتحديد لانتهاكات حقوق الإنسان ضد الأويغور ودعا الائتلاف بكين للعودة إلى سياسة "دولة واحدة ونظامان" فيما يتعلق بهونغ كونغ، وكذلك ضرورة حل النزاع مع تايوان بشكل سلمي. وجاءت ردود الفعل الأولى من الصين التي قالت إنها تتمنى استمرارية في سياسة ألمانيا تجاهها. غير أن راينهارد بوتيكوفر، الزعيم السابق لحزب الخضر وأحد منظري السياسة الخارجية في حزب الخضر رد بالقول "يمكنها أن تتمنى لكنها لن تنجح (..) نحن مستعدون بالتأكيد لمواصلة العمل مع الصين ولكن على أساس حقوق الإنسان والقانون الدولي".
السياسة الجديدة اتجاه الصين قد لا تروق بالضرورة لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي تشارك في مشروع طريق الحرير الصيني. ومع ذلك، فقوة ألمانيا الاقتصاديةستسمح لها في نهاية المطاف بتحديد سياسة التكتل اتجاه الصين. ولا شك أنها في ذلك ستعتمد أيضا على الشراكة الأطلسية مع واشنطن في تدافعها مع الصين.
"إشارة المرور" وسياسة الهجرة واللجوء
يسعى الائتلاف إلى بناء جسر نحو الأجانب الذين يعيشون في ألمانيا في وضع غير واضح قانونيا لسنوات عدة. ويتعلق الأمر بكل شخص عاش في البلاد لمدة لا تقل عن خمس سنوات انطلاقا من الأول من يناير/ كانون الثاني 2022، ولم يتورط في ارتكاب جرائم وملتزم بالنظام الديمقراطي. ويتيح الائتلاف لهؤلاء الأشخاص إمكانية الحصول على تصريح إقامة لمدة عام تحت الاختبار، من أجل تلبية المتطلبات القانونية الإضافية للحصول على حق الإقامة.
وإذا كانت منظمات حقوق الانسان وتلك التي تعنى بالهجرة واللاجئين قد أثنت على تخفيف القيود على شروط الحصول على الإقامة، فإن "إشارة المرور" تخطط أيضا لترحيل المزيد من اللاجئين الذين رفضت طلبات لجوئهم. وجاء تحت بند الهجرة في اتفاق الائتلاف الحكومي ما يلي "نسعى لانطلاقة جديدة في سياسة الهجرة والاندماج التي تليق بدولة هجرة حديثة". وهناك أيضا خطط لجعل هجرة اليد العاملة الماهرة أسهل. الائتلاف اتفق أيضا على تسهيل التجنيس لما يسمى بجيل العمال من المهاجرين "تقديراً لإنجازاتهم طوال حياتهم". وفي الاتفاق أيضا تشجيع على ضرورة توفير دورات اندماج لكل من يصل إلى ألمانيا.
من جهتها رحبت جمعية "برو أزيل" المداقعة عن حقوق اللاجئين، بهذه التحسينات ومن بينها تسهيل لم شمل الأسر بالنسبة للاجئي الحروب على سبيل المثال الذين يتمتعون بما يسمى بالحماية الثانوية، وهي تشمل العديد من السوريين. وهو حق علقته الحكومة السابقة عام 2016، قبل حصره في ألف شخص شهريا منذ عام 2018، وهو قيد تم رفعه الآن بالكامل.
المناخ ـ خطط طموحة للالتزام بالاتفاقيات الدولية
اتفقت أحزاب الائتلاف بالتخلب التدريجي عن الفحم كمصدر للطاقة في أفق عام 2030 أي قبل ثماني سنوات مما كان مخططًا له في الحكومات السابقة. ولتحقيق هذا الهدف يجب تهيئة الظروف لذلك بتطوير هائل للطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية على الأسطح وطاقة الرياح. كما وعد الائتلاف بتخصيص 2 بالمائة من مساحة البلاد لطاقة الرياح. وبحلول عام 2030، يسعى الائتلاف بأن تغطي الرياح والشمس 80 بالمائة من حاجة ألمانيا من الكهرباء. أما الغاز فينظر إليه كطاقة "انتقالية" على أساس أن يتم التخلي عن استعماله نهائيا في محطات توليد الطاقة عام 2040.
في حوار مع إذاعة "دويتشلاندفونك" (الثالث من ديسمبر/ كانون الأول) ترى الخبيرة الاقتصادية فيرونيكا غريم من جامعة إيرلانغن في نورنبرغ أن هذه الخطط "طموحة للغاية". واعتبرت هذه الأهداف جيدة بشأن الطاقات المتجددة، مع التحول الطاقي في الصناعة إلى الهيدروجين الأخضر على سبيل المثال. وذكًرت الخبيرة بتجارب من الماضي حيث عرقلت البيروقراطية أهدافا من هذا النوع. كما رحبت الخبيرة الاقتصادية بالتخلي عن خفض الأهداف الخاصة بالاحتباس الحراري الثابتة حسب القطاعات، وهذا ما يعطي لهذه الخطة الطموحة بعض المرونة، تقول الخبيرة.
حسن زنيند