الدب الروسي في ضيافة أهل النيل – من يحتاج من؟
١٤ نوفمبر ٢٠١٣ أنهى وزيرا الدفاع والخارجية الروسيان زيارة وصفت بـ"التاريخية" إلى مصر بحثا خلالها الطرفان "التعاون العسكري" بين موسكو والقاهرة، بالإضافة إلى جملة من المواضيع الاقتصادية والسياسية الأخرى. وقبل أن يصل الوزيران إلى القاهرة سبقهما الطراد الصاروخي الروسي "فارياغ" إلى ميناء الإسكندرية ما وصفته صحف غربية بأنه استعراض روسي للقوة في تلك المنطقة الحساسة من العالم.
وأجرى الوزيران الروسيان مباحثات مع الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور ثم شاركا في الاجتماع الرباعي مع وزيري خارجية ودفاع مصر نبيل فهمي والفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي أشاد بـ"عهد جديد للتعاون مع روسيا"، في إشارة إلى الجهود المصرية لإحياء العلاقات مع حليف قديم، باعثاَ بذلك رسالة إلى واشنطن التي جمدت المساعدات العسكرية التي تقدمها إلى مصر. لكن ما هي خلفيات هذه "الزيارة التاريخية"؟ ومن يحتاج من في هذه الظروف؟
"البحث عن التوازن"
ارتبطت مصر وروسيا بعلاقات وثيقة في خمسينات وستينات القرن الماضي، وذلك قبل أن يوقع الرئيس المصري الأسبق أنور السادات اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، وهي الاتفاقية التي جعلت المساعدات العسكرية الأمريكية تنهمر على مصر منذ ذلك التاريخ و إلى غاية عزل الجيش المصري للرئيس الإسلامي محمد مرسي، حيث أعادت واشنطن حساباتها بشأن تلك المساعدات التي تصل إلى 1.3 مليار دولار. الأمر الذي جعل القيادة المصرية الحالية تفكر في توسيع خياراتها، كما جاء ذلك على لسان وزير الخارجية المصري في تصريح لوكالة فرانس برس، حيث أكد أن مصر ستوسع تعاونها مع روسيا وستتبنى مسارا أكثر "استقلالية". وأضاف أن "هدف هذه السياسة الخارجية هو توفير مزيد من الخيارات لمصر".
وتقول المستشارة تهاني الجبالي رئيسة حركة الدفاع عن الجمهورية، ونائبة رئيس المحكمة الدستورية المصرية سابقا، في حديث لـ DW أن "مصر تحاول في الوقت الحالي استعادة التوازن في علاقتها الخارجية، وذلك بعد فترة طويلة من الارتباط الشديد بالولايات المتحدة"، وتربط السيدة الجبالي الرغبة المصرية الحالية بما وصفته "بالسياسة الأمريكية شديدة العداء لثورة الشعب المصري، خاصة بعد الثلاثين من يونيو، حيث ساهمت واشنطن في تشويهها وعدم الاعتراف بأنها ثورة شعبية".
ضغط أم توجه جديد؟
وتصاعد التوتر بين القاهرة وواشنطن منذ أن عزل الجيش الرئيس الإسلامي محمد مرسي في الثالث من يوليو/ تموز عقب احتجاجات شعبية مطالبة بتنحيته. وفي الشهر الماضي أعلنت واشنطن أنها ستجمد تسليم بعض المساعدات العسكرية والاقتصادية في انتظار إحراز تقدم على مسار الديمقراطية. ومن هنا يطرح السؤال: ألا يعني سعي القيادة المصرية الحالية لإحداث "التوازن" في علاقاتها الخارجية مع الولايات المتحدة نوعا من الضغط على واشنطن لتغيير موقفها من التطورات السياسية التي أعقبت مظاهرات الثلاثين من يونيو/ حزيران؟
المستشارة تهاني الجبالي رئيسة حركة الدفاع عن الجمهورية، في تعليق على هذا السؤال، لا تتفق مع استخدام مصطلح "الضغط، لكنها قالت: "إن كانت الإدارة الأمريكية تصف ما حدث في مصر بأنه انقلاب، فإن الشعب المصري يدرك أن ما حدث هو جزء من ثورته، لكن بعض القوى الخارجية خسرت الكثير من صداقة الشعب المصري وإرادته التي عبر عنها في الشوارع". في إشارة إلى مظاهرات الثلاثين يونيو/ حزيران.
وفي تصريح له من القاهرة قال وزير الخارجية الروسي "إن من مصلحة موسكو أن تبقى مصر دولة مستقرة ذات اقتصاد متطور وأداء حكومي فعال"، موضحا أن التحضير لمشروع الدستور والاستفتاء سيسمح لمصر بالتقدم نحو الأهداف المنشودة. ويرى الخبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية، اللواء طلعت مسلم في تصريح لـ DW عربية أن " مصر لا تسعى أن تكون روسيا بديلاً للولايات المتحدة، فهي تريد الاحتفاظ بعلاقاتها مع واشنطن، وتنشئ علاقات مع روسيا ودول أخرى".
"موسكو تتصيد أخطاء واشنطن"
لكن، ماذا تريد روسيا من مصر في هذا الوقت بالذات؟ بالرغم من حجم هذه الزيارة إلا أن الجانبين الروسي والمصري لم يعلنا عن إبرام أي اتفاقيات كبيرة أثناء المؤتمر الصحفي المشترك لوزيري خارجية البلدين. وكانت صحيفة الديلي التلغراف قد كشفت عن صفقات سلاح يجري التفاوض بشأنها حاليا، قائلة إنها "ستكون الأكبر من نوعها منذ عقود". وشكك محللون في الكيفية التي يمكن بها للدولة المصرية المثقلة بالديون أن تسدد تكاليف مشتريات أسلحة جديدة قائلين إنه من المرجح أن يحتاج ذلك إلى مزيد من الدعم المالي من الحلفاء الخليجيين الذين تعهدوا بتقديم 12 مليار دولار دعما للقاهرة منذ عزل مرسي. وتوجد علامة استفهام أخرى بشأن كيفية تكامل الأسلحة الروسية مع نظم الأسلحة التي حصلت عليها مصر من الولايات المتحدة.
ويرى الخبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية، اللواء طلعت مسلم، "أن الجيش المصري كان له علاقات وطيدة بالاتحاد السوفيتي سابقا، وإستراتيجيته العسكرية بنيت أساسا على مبادئ المدرسة الحربية السوفيتية".
ويربط طلعت مسلم هذه الزيارة بالتحولات التي تجري في العالم عموما والمنطقة خصوصا، إذ يقول:"إن هذه الزيارة تعكس التغييرات التي يعيشها العالم، وتحول موازين القوى فيه، فروسيا التي تتقدم بثبات في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، تستغل أخطاء الغرب، خاصة أخطاء الولايات المتحدة، في المنطقة برمتها، فهي تريد تحقيق مصالحها الإستراتيجية في المنطقة أي من إيران وصولا إلى المغرب، وها هي الآن روسيا تتقدم إلى مصر لتعطيها أملا في التعاون الذي تحتاجه (مصر)".