الدب الروسي يلعب أوراق التأثير على الجوار القريب والبعيد
١٨ نوفمبر ٢٠١٤ تحذيرات المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل من أن يؤدي التدخل الروسي في الدول المجاورة إلى "حريق واسع"، يبدو مؤشراً على درجة القلق الذي ينتاب أوروبا والغرب بشكل عام من النهج الذي يعتمده الرئيس فلاديمير بوتين في الأزمة الأوكرانية بالخصوص. وعلى هامش قمة العشرين التي عقدت نهاية الأسبوع في استراليا، أشارت المستشارة الألمانية إلى جمهوريتي مولدافيا وجورجيا اللتين كانتا ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقاً، بالإضافة إلى دول غرب البلقان من الدول التي يحاول الكرملين إظهار اهتمامه بها.
وتنظر مولدوفا بعين القلق إلى الصراع الدموي في شرق أوكرانيا حيث ينتابها خوف كبير من أن روسيا يمكن أن تنقل القلاقل إلى هذا البلد الصغير الذي يقع بين رومانيا وأوكرانيا والذي يعيش فيه نحو 20 بالمائة من السكان الناطقين بالروسية من إجمالي 3.5 مليون نسمة.
ومن جهته دعا وزير الخارجية الألماني فرانك- فالتر شتاينماير الثلاثاء (18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018) في كييف إلى احترام اتفاقيات السلام التي وقعت في مطلع أيلول/ سبتمبر بين أوكرانيا والانفصاليين الموالين لروسيا، في حين حذر حلف الأطلسي من "تصعيد خطير" على حدود أوكرانيا.
وفي محاولة لتهدئة الأوروبيين صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء خلال لقاء مع دبلوماسيين في مينسك عاصمة بيلاروسيا، أن روسيا تأمل في ألا تكون علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي قد بلغت نقطة "اللاعودة" بسبب الأزمة الأوكرانية، في وقت قرر فيه الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة على الانفصاليين الأوكرانيين المدعومين من موسكو.
الأزمة الأوكرانية تشعل الفتيل
منذ اندلاع نيران الأزمة الأوكرانية تتعالى أصوات الانضمام إلى "الإمبراطورية الروسية" في إقليم ترانسنيستريا على الحدود الشرقية لمولدافيا الذي انفصل عنها منذ عام 1990. وقالت وزيرة خارجية ترانسنيستريا، نينا شتانسكي، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): "الاتحاد مع روسيا هو هدف رئيسي لسياستنا الخارجية".
وتشير بعض التقديرات إلى أن نحو ألفي جندي من قوات حفظ السلام الروسية لقوا حتفهم في الصراع الدموي عند منطقة دنيستر الحدودية بين مولداوفيا وروسيا منذ تسعينات القرن الماضي. لذلك فإن كل المعركة الانتخابية الحالية التي تسبق انتخابات يوم 30 تشرين ثان/ نوفمبر الجاري المصيرية في مولدافيا تتركز على روسيا.
وتطمح حكومة العاصمة كيشيناو للانضمام للاتحاد الأوروبي وأبرمت بالفعل اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي في حين ترى المعارضة هناك أن مستقبل البلاد سيكون أفضل من خلال التقارب من الاتحاد الجمركي الذي تسيطر عليه روسيا.
كما أن هناك خلافاً في التوجهات السياسية في جمهورية جورجيا جنوب القوقاز بين معسكر يميل للاتحاد الأوروبي وآخر موال لروسيا. وتتهم المعارضة هناك رئيس الحكومة إيراكلي غاريباشفيلي بأنه يميل لروسيا بشكل مبالغ فيه عند اتخاذ قراراته. وتظاهر الآلاف مطلع الأسبوع الجاري في تبليسي ضد سياسة الحكومة وذلك بعد خلاف داخل مجلس الوزراء بشأن السياسة الموالية للغرب التي تنتهجها الحكومة.
ويزداد النزاع السياسي سخونة على خلفية الانفصال المثير للجدل لإقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية اللذين اعترفت روسيا باستقلالهما عقب حرب قصيرة مع جورجيا عام 2008 وهو ما ينتقده الغرب. غير أن موسكو لا ترى فيما يبدو أن مناطق نفوذها تقتصر فقط على جيرانها المباشرين بل تتدخل في شؤون شبه جزيرة البلقان.
تمدد النفوذ الروسي
وتتمتع طريقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الحكم بإعجاب الكثير من رؤساء حكومات صربيا ومقدونيا ومونتنغرو (الجبل الأسود) حيث يميل أمراء النفط الذين يسيطرون بشكل واسع على وسائل الإعلام والأحزاب المنظمة بشكل صارم طبقا لمبدأ القيادة لاستنساخ النموذج الروسي.
وفي البلقان تعتبر صربيا أكثر شركاء الاتحاد الأوروبي المرشحين للانضمام للاتحاد حيث تخلت حسب وزير الاقتصاد الصربي السابق ملاديان دينكيتش عام 2008 عن صناعة النفط بسعر بخس لصالح روسيا، وذلك لشراء رضا موسكو التي كان يتم مدحها بشكل علني بصفتها "الأخ الأكبر".
وأقامت صربيا قبل شهر استعراضاً عسكرياً كبيراً على شرف الرئيس بوتين احتفالاً بذكرى تحرير أراضيها من النازيين الألمان بمساعدة روسيا. كما أجري الأسبوع الماضي تدريب عسكري لوحدات عسكرية روسية وصربية بالقرب من بلغراد وقام البطريرك الروسي كيريل الأحد بافتتاح تمثال لآخر قيصر روسي، نيقولا الثاني وسط العاصمة الصربية بلغراد وحمل معه أيضاً رسائل سياسية للتضامن بين موسكو وبلغراد في أوقات الأزمات.
وفي البوسنة والهرسك المجاورة تستغل روسيا النصف الصربي للبلاد كمدخل للانقضاض عليها حيث نجحت موسكو في اقتناص مصفاة تكرير النفط الوحيدة في البلاد في مدينة برود بسعر زهيد للغاية. وعلى غرار سياستها تجاه صربيا تستغل موسكو قروضها المالية الكبيرة الميسرة في جذب رضا البوسنة والهرسك.
وغالباً ما يقوم رجال أعمال مريبون بشراء أجزاء واسعة من سواحل البحر الأدرياتيكي، ويبدو أن المال ليس أمراً مهماً في عمليات الشراء هذه وهو ما تسبب في تسابق كبير على هذه الأراضي بسبب الأرباح الهائلة من ورائها، ونشأت العديد من الأحياء السكنية الروسية التي لا تخضع للرقابة العامة وتعيش أسلوب حياتها الخاص.
وماذا عن المصالح الروسية؟ إلى جانب الحرب العلنية على مناطق النفوذ في شرق أوروبا يرى الرئيس بوتين، حسب بعض المراقبين، نفسه في حرب صليبية ضد تراجع في القيم بسبب الليبرالية الغربية، وهو ما يواجهه بوتين بعدة وسائل منها التقارب المعلن مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.
م.س/ ع.غ (د ب أ، آ ف ب، رويترز)