الدفع بالدولار.. كابوس يهدد مستقبل طلبة الجامعات في لبنان!
١٧ يوليو ٢٠٢٢
تفاقمت معاناة الطلاب في لبنان بعد فرض الجامعات تسديد الأقساط والرسوم بالدولار وليس بالليرة اللبنانية. وتصر الجامعات على أن القرار يعد الخيار الوحيد لاستمرارية العملية التعليمية في ظل تردي الوضع الاقتصادي في البلاد.
إعلان
كانت السعادة تغمر الطالبة اللبنانية منار سليمان في عام 2018 لانتقالها من بعلبك إلى بيروت لدراسة الهندسة المعمارية في جامعة سيدة اللويزة بعد أن حصلت على منحة دراسية كانت تغطي 85 بالمائة من النفقات.
بيد أن الأزمة الاقتصادية الحادة التي بدأت أواخر عام 2019 أثقلت كاهلها رغم أن جامعتها لا تعد من أغلى المؤسسات التعليمية الجامعية في البلاد؛ وباتت منار (22 عاما) تجد صعوبة في تدبير باقي النفقات. وقالت في مقابلة مع DW"عانيت كثيرا لدفع رسوم الدراسة والنفقات، خاصة وأني أعيش في السكن الجامعي".
ومع تفاقم الوضع الاقتصادي وما تلا ذلك من جائحة كورونا وانفجار ميناء بيروت، باتت حياة منار الجامعية وإتمام دراستها في خطر، وهو ما ألقى بظلاله سلبا عليها، "إذ أن صحتي النفسية ساءت بسبب هذه الأحداث المتتابعة. أشعر وزملائي بالإرهاق. فلا يوجد ما يشجعنا على مواصلة التعليم، ولا أحضر كافة المحاضرات. نشعر بأننا فقدنا الرغبة ولم نعد نهتم بالدراسة".
وكانت منار قبل الأزمة الاقتصادية تدفع 5600 ليرة لبنانية لكل ساعة معتمدة في الفصل الدراسي الأول في الجامعة، لكنها تدفع الآن قرابة 3,5 مليون ونصف ليرة لكل ساعة معتمدة، ومن أجل إكمال برنامجها يتعين عليها تسجيل 172 ساعة معتمدة.
وتعد هذه الزيادة الكبيرة انعكاسا للمتغيرات الحياتية اليومية في لبنان، مع ارتفاع كبير التكاليف في كافة مناحي الحياة. فيما ذكرت إدارة الإحصاء المركزي اللبناني أن معدل التضخم ارتفع بنسبة 211 بالمائة في مايو/ أيار الماضي، في حين لم يطرأ أي تغير على رواتب اللبنانيين في الغالب، وهو ما ضاعف من معاناتهم اليومية.
وعلى وقع ذلك، يمر الاقتصاد اللبناني بعملية "دولرة/ تحول إلى الدولار" كبيرة وسط تهاوي قيمة الليرة، حيث وصل سعر صرف الدولار إلى 29 ألف ليرة، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع جنوني للأسعار. فقبل الأزمة الاقتصادية كان يُمكن شراء ثلاثة لترات من زيت عباد الشمس مقابل قرابة 5 آلاف ليرة، أما الآن فقد وصل السعر إلى 300 ألف ليرة.
الطلاب وكابوس بالدولار
يشار إلى أن كافة الجامعات وعددها 32 جامعة هي خاصة، باستثناء الجامعة اللبنانية فهي حكومية. ورغم أن الجامعات تستخدم سعر صرف أقل لضمان استمرار العملية التعليمية في ظل تفاقم الوضع الاقتصادي، إلا أن بعض الجامعات تطالب بتسديد رسوم الدارسة بالدولار. إذ أعلنت الجامعة اللبنانية الأمريكية والجامعة الأمريكية في بيروت، وكلاهما من أفضل الجامعات في لبنان، بين مارس/ آذار ومايو/ أيار أن دفع المصاريف سيكون بالدولار فقط ابتداء من الخريف المقبل.
وذكرت وسائل إعلام أن الجامعة اللبنانية الحكومية قررت دفع تكاليف الماجستير في قسم الهندسة المتخصصة بالدولار.
وتقول الجامعات إن قرار "الدولرة/ التحول إلى الدولار" يعد الحل الوحيد لاستمرار العملية التعليمية والحفاظ على جودة التعليم الجامعي. لكن في المقابل فإن هذا القرار سيُضاعف أعباء الطلاب وقد يدفعهم إلى ترك الجامعة وعدم إتمام تحصيلهم العلمي.
وفي ظل هذه الأزمة، باتت الطالبة مايا حمادة، التي تدرس في الجامعة اللبنانية الأمريكية في وضع صعب للغاية. فرغم أنها حصلت على منحة دراسية وتعمل أيضا، إلا أنه لن يكون بمقدورها دفع باقي رسوم الجامعة بالدولار.
وتقول "أعيش في قضاء الشوف في محافظة جبل لبنان وتزداد تكاليف المواصلات إلى جامعتي في بيروت منذ بداية العام الدراسي، وتزداد أيضا تكاليف نُزل الطلاب والمطاعم وغيرها لدرجة أن بعض المتاجر والمطاعم قامت بزيادة الأسعار بالدولار وليس بالليرة".
وتؤكد مايا على أن قرار دفع رسوم الجامعة بالدولار ليس "عادلا" لأنه سيعرض مستقبل العديد من الطلاب للخطر، وتضيف أنها تبحث "عن متبرعين فيما أحاول أن أطلب من جامعتي زيادة المساعدات المالية التي أحصل عليها." وتتابع "من دون ذلك، لن أتمكن من مواصلة دراستي وحتى إذا واصلت الدراسة، فسوف تتراكم الديون ولن تستطيع عائلتي سدادها".
"إننا مثل المحاربينالأبطال"
بدورها، تؤكد سارة الأسمر، التي تدرس العلوم السياسية والشؤون الدولية في الجامعة اللبنانية الأمريكية وهي عضو في المجلس الطلابي، على أن الأزمة الاقتصادية أثرت على معظم الطلاب والطالبات لأن الآباء لا يحصلون على رواتبهم بالدولار.
وقالت في مقابلة مع DW"أدفع حوالي 20 ألف دولار سنويا، لذا فإن الدولرة ستمثل تحديا لي. ومع ذلك، فقد وعدت الجامعة بتقديم مساعدات مالية حتى لا نضطر إلى ترك الدراسة".
وتتفق في هذا الرأي تيا أبو زور، رئيسة مجلس طلبة الجامعة اللبنانية الأمريكية، حيث أكدت أنها تعاني كثيرا في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف بالبلاد في الوقت الراهن. وقالت في مقابلة مع DW"نواجه تحديات كثيرة ولا يمكننا تفادي تداعيات ذلك؛ فالدراسة وسط جائحة كورونا وفي ظل أزمة اقتصادية تعد تجربة صعبة. إننا مثل المحاربين الأبطال، ونعلم أن التعليم يمثل السبيل الوحيد للخروج من كل هذا".
ورغم وعود بعض الجامعات بمساعدة الطلاب ماليا، إلا أن كثيرين منهم قد لا يجدون بديلا سوى ترك الدراسة لعدم قدرتهم على سداد تكاليف الدراسة.
فعلى سبيل المثال، فقدت منار سليمان المنحة الدراسية التي سمحت لها بالدراسة، مضيفة "لم أتمكن من الحفاظ على متوسط الدرجات لأن دراستي صعبة وتتطلب الكثير. وكان العام الماضي مليئا بالتحديات بسبب زيادة الرسوم الدراسية ولم تكن المنحة كافية لتغطية نفقاتي".
وتفاديا لسيناريو ترك الدراسة الجامعية، يحاول بعض الطلاب الالتحاق بجامعات أخرى أقل تكلفة وسط مخاوف من أن تُقدم الجامعات الأخرى على خطوة دفع التكاليف بالدولار. وفي ذلك، قالت تيا أبو زور "لا شيء مضمون هنا، وأصبح الطلاب في حالة خوف شديد حول مستقبلهم الجامعي".
داريو صباغي/ م ع
في صور.. عام على جراح لم تندمل لدى اللبنانيين!
تحل الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت المروع وجراح اللبنانيين لم تندمل. انهيار اقتصادي متسارع فاقمته تداعيات مأساة المرفأ وتفشي فيروس كورونا، فيما تعجز القوى السياسية على التوافق وتشكيل حكومة تضمد جراح لبنان.
صورة من: Reuters/A. Taher
شرارة الاحتجاجات
إعلان الحكومة اللبنانية أواخر عام 2019 عزمها فرض رسم مالي على الاتصالات المجانية عبر تطبيقات المراسلة الإلكترونية مثل واتساب، فجّرغضب لبنانيين لمسوا قبل أسابيع مؤشرات أزمة اقتصادية حادة، أبرز ملامحها كان انهيار سعر الليرة وأزمة الخبز فنزلوا إلى الشوارع تعبيراً عن رفضهم القرار ورغبتهم في إسقاط النظام. من هنا انطلقت شرارة الإحتجاجات مع توالي الأزمات على اللبنانيين، أسوؤها انفجار مرفأ بيروت.
صورة من: Marwan Bou Haidar/Zuma/picture alliance
استقالة حكومة الحريري
على الرغم من تراجع حكومة سعد الحريري عن فرض الرسم المالي، استمرت الاحتجاجات الشعبية. وخلال أيام بلغ الحراك الشعبي ذروته مع تظاهر مئات الآلاف في كل أنحاء البلاد مطالبين برحيل الطبقة الحاكمة التي لم يمسها تغيير جوهري منذ عقود والمتهمة بالفساد وبعدم الكفاءة. على وقع غضب الشارع، استقالت حكومة سعد الحريري في 2019.
صورة من: Imago-Images/ITAR-TASS
أزمة كورونا
في فبراير/ شباط 2020، سجل لبنان أول إصابة بفيروس كورونا. وتراكمت الأعباء تدريجياً على القطاع الصحي الذي أنهكه الوضع الاقتصادي المزري الذي تعيشه البلاد. وفي طل غياب الخطط الحكومية للتعامل مع الفيروس وتوالي الأزمات الاقتصادية والسياسية بدأ الوضع الوبائي للبلاد يتخذ منحنى أكثر سوءاً مع تفشي المتحور دلتا.
صورة من: Emma Freiha/Reuters
فشل حكومة دياب
في السابع من مارس/ آذار 2020 أعلنت الحكومة الجديدة برئاسة حسان دياب عن خطة إنعاش اقتصادي في لبنان وطلبت مساعدة صندوق النقد الدولي. بعد نحو أسبوعين انطلقت المفاوضات بين الطرفين، إلا أنها توقفت في صيف 2020 بعد عدة جلسات جراء خلافات بين الفرقاء اللبنانيين أنفسهم.
صورة من: Getty Images/AFP
انفجار مرفأ بيروت
في الرابع من أغسطس / آب 2020، دوى انفجار ضخم في بيروت دمر أحياء فيها وقتل أكثر من مئتي شخص. بعد ساعات قليلة على وقوعه، عزت السلطات الانفجار إلى كميات ضخمة من مادة نترات الأمونيوم مخزنة في العنبر رقم 12 بمرفأ بيروت منذ عام 2014. ألحق الانفجار، الذي يعد أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، دماراً ضخماً في المرفأ والأحياء القريبة منه، وأسفر عن مقتل 214 شخصاً وإصابة 6500 آخرين.
صورة من: Ahmad Terro/picture alliance
الانفجار يفاقم مآسي لبنان!
شكل الانفجار صدمة غير مسبوقة لللبنانيين، الذين أنهكتهم الأزمات المتتالية. بدأ سكان بيروت في اليوم التالي يبحثون عن المفقودين ويتفقدون منازلهم وأبنيتهم المتضررة، فيما انهمك عمال الإغاثة بالبحث عن ناجين محتملين تحت الأنقاض. ووصف محافظ بيروت مروان عبود وقتها الوقع بأنه "كارثي". وأعلنت حالة الطوارئ وبدأت المساعدة الدولية تتدفق إلى البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Naamani
ماكرون يمدّ يد الإنقاذ
في السادس من أغسطس/ آب زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيروت حيث تفقد المرفأ والأحياء المتضررة وسط حشد من اللبنانيين الغاضبين على طبقة سياسية متهمة بالفساد وسوء الإدارة. في ختام زيارته، دعا إلى "تغيير" في النظام. ثم رعى مؤتمراً دولياً لدعم لبنان، تعهد خلاله المجتمع الدولي بتقديم مساعدة طارئة بقيمة نحو 300 مليون دولار، على ألا تمر عبر مؤسسات الدولة.
صورة من: Reuters/G. Fuentes
استقالة حكومة دياب
في الثامن من أغسطس/ آب، تظاهر آلاف اللبنانيين ضد المسؤولين السياسيين الذين حمّلوهم مسؤولية مأساة انفجار مرفأ بيروت. وشهدت التظاهرات مواجهات عنيفة بين محتجين غاضبين والقوى الأمنية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة والرصاص المطاطي. وأعلن عدة وزراء تباعاً استقالتهم، إلى أن أعلن رئيس الحكومة حسان دياب في العاشر من آب/أغسطس استقالة حكومته.
صورة من: Reuters/H. Mckay
أزمة تليها أخرى!
على وقع الانهيار الاقتصادي المتسارع، بات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة. كما فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار في السوق السوداء، فيما ارتفعت أسعار المواد والبضائع كافة، حتى أن أسعار مواد غذائية أساسية ارتفعت بأكثر من 70 في المئة خلال عامين. كما تشهد البلاد منذ أسابيع أزمة وقود وشحاً في الدواء وتقنيناً شديداً في الكهرباء يصل الى 22 ساعة.
صورة من: Reuters/A. Konstantinidis
إجهاض تشكيل حكومة جديدة
بعد تسعة اشهر من تكليفه، اعتذر سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة بعدما حالت الخلافات السياسية الحادة مع رئيس الجمهورية دون إتمامه المهمة وتم تكليف نجيب ميقاتي الذي ترأس حكومتين في 2005 و2011، بتشكيل حكومة جديدة. عادة ما يستغرق تشكيل الحكومات في لبنان أشهراً طويلة جراء الانقسامات السياسية. لكن الانهيار الاقتصادي، الذي فاقمه انفجار المرفأ وتفشي فيروس كورونا، عوامل تجعل تشكيلها أمراً ملحاً.
صورة من: Dalati Nohra/Lebanese Official Government/AP Photo/picture alliance
الدعم مقابل الاستقرار السياسي
منذ عام كامل، لم يعلن القضاء اللبناني عن تحقيق أي تقدّم في التحقيق بشأن انفجار مئات الأطنان من مادة نترات الأمونيوم المخزنة منذ سنوات في مرفأ بيروت من دون أي إجراءات وقاية. كما لا تلوح في الأفق أي حلول جذرية لإنقاذ البلاد، فيما يشترط المجتمع الدولي تسريع تشكيل حكومة تباشر بتنفيذ إصلاحات ملحة، مقابل تقديم الدعم المالي للبنان.
صورة من: Aziz Taher/REUTERS
لبنان في ذكرى أسوأ أزماته
في الذكرى الأولى لإنفجار مرفأ بيروت، ينظم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤتمرا دوليا من أجل مساعدة لبنان، وهو الثالث بالتعاون مع الأمم المتحدة. تسعى باريس من خلال هذا المؤتمر إلى جمع مساعدات إنسانية عاجلة بقيمة 350 مليون دولار من أجل شعب لبنان، الغارق في أزماته الاقتصادية والأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي، كما صنفها البنك الدولي. فهل تندمل جراح لبنان قريباً؟ إعداد: إيمان ملوك