1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"الدولة تستخدم الملف الطائفي لإلهاء المصريين عن واقعهم"

١٢ أكتوبر ٢٠١٠

تزايدت مؤخراً حمى الاضطرابات الطائفية في مصر، من تلاسن بين النخب الدينية إلى أحداث ذات صبغة طائفية، وصولاً إلى زيادة خطاب التحريض بين عنصري الأمة المصرية. دويتشه فيله حققت في ملف الأقباط واستطلعت آراء مواطنين ومتخصصين.

من الصدامات الطائفية التي وقعت في الإسكندرية 2006صورة من: AP

يؤكد الصديقان كرم كامل وعبد التواب رمضان (حارسي عقار في منطقة هضبة الأهرام بالجيزة) أن المسؤولية في تصاعد الخطاب الطائفي تقع على عاتق الإعلام. ويرى الصديقان، وكلاهما من أصل صعيدي (الأول من محافظة المنيا والثاني من محافظة بني سويف)، أن علاقتهما قائمة على نمط تربيتهما القديمة التي علمتهما أن الدين شأن شخصي. ويري عبد التواب (35 عاما) أن صعود الأئمة إلى المنابر للحديث عما يفرق الناس لا بد أن يتوقف، وهو يعزي ذلك إلى إهمال وزارة الأوقاف في الإشراف على نص الخطب الدينية التي تلقى في المساجد. على الجانب الآخر ينفي كرم أن يكون خطاب الكنيسة تحريضيا أو مشككا في عقائد المسلمين، وإنْ لا يخلو الأمر في الفترة الأخيرة من تنبيه على ضرورة عدم الاختلاط بغير المسيحيين.

"جزء من المؤامرة على مصر"؟

الصديقان يؤمنان بأن الدين لله والوطن للجميعصورة من: DW

ويُجمع كرم وعبد التواب على عدم اهتمامهما بهذه "الأفكار المستوردة" التي هي جزء من "المؤامرة على مصر"، خاصة وأنهما سوياً يدفعان ثمن تردي الأوضاع التي تصيب الفقراء جميعاً، أما الأغنياء من الطرفين – يقول عبد التواب – فهم يستطيعون شراء كيلو الطماطم الذي وصل إلى 15 جنيه. ويلفت كرم إلى أن التمييز يقع من جانب الطرفين، فعديد من الشركات المسلمة تمنع تعيين المسيحيين، والعكس صحيح أيضاً. عن نفسه، يقول كرم، فهو يقنع بالآية الكريمة التي تقول إن " لكم دينكم ولي دين". ويذكر كرم أن خطيباً جديداً جاء ليخطب في مسجد قريته التابعة لمركز سمالوط (التي يشكل المسيحيون 40 % من سكانها)، وفي خطبته تحدث بآيات تكفر المسيحيين، فطرده المسلمون قبل المسيحيين، ولم يخطب مرة أخرى. ويفرّق كرم بين المسلمين عموماً وبين المتشددين، "السنية". المتشددون، كما ابن لادن، لا علاقة لهم بالإسلام. أما عبد التواب فيصب جام غضبه على الأحوال المعيشية التي "وقفت الحال"، فلا زواج ولا عمل، ومن ثم يهتم الناس بهذا الكلام "الفارغ".

الطائفية تكافئ اللصوص

د. محمد مجاهد: خطاب التمييز أصبح خطاب قطاعات واسعة من الدولةصورة من: DW

على عكس هذا التصور المبسط للخلاف يرى د. محمد منير مجاهد، المنسق العام لمؤسسة "مصريون ضد التمييز الديني" (MARED)، أن مصر دخلت مرحلة خطيرة من اللعب بالملف الطائفي. فبعد أن لعب الإعلام دوراً في تكريس خطاب التنابذ العقائدي، انتقلت كرة النار إلى مستوى التناحر، حيث يمارس عامة المواطنين اعتداءات ضد بعضهم البعض.

ويلمح مؤلف كتاب "مصر لكل المصريين" في حديثه لدويتشه فيله إلى دور الجهاز الأمني في إطلاق الغضب السلفي الموجه ضد الأقباط، ويرى أن خطاب التمييز أصبح خطاب قطاعات واسعة من الدولة المصرية، مستشهداً بالحادثة التالية التي وردت إلى مؤسسته: اتصل بعض الجيران بمواطن مسيحي يبلغونه بأن لصاً سطا على منزله، وتصادف أثناء وصول المواطن قيام اللص بمحاولة الهرب قفزاً من طابق مرتفع، مما أدى إلى إصابته. وصلت قوات الشرطة إلى المكان وتم اصطحاب اللص ومعه الغنيمة إلى قسم الشرطة، وهناك قال له الضابط إن السارق مسلم ومصاب مما يرفع القضية إلى مصاف القضية الطائفية. وخيّر الضابط المواطن المسيحي بين التصالح مع اللص أو تصعيد القضية. وافق المواطن المسيحي على التصالح خوفاً من الدخول في متاهات، فنصحه الضابط بتعويض اللص عن إصاباته مالياً حتى لا يطالبه الأخير بتعويض، ورضخ الرجل!

إلهاء المواطنين عبر الطائفية

ويلفت مجاهد إلى أن انفراد الأمن بالقضية الطائفية هو تكنيك سيطرة دولة، حيث يتم عبره ابتزاز الغرب، وبنفس درجة تخويف الطائفة المسيحية على نفسها، كما أن لجوء الدولة لتسخين الأجواء من فترة لأخرى تكنيك لإشغال المواطنين عن تغيرات عنيفة أخرى تحدث على المستوى السياسي. ويعتقد مجاهد أن التمييز ممنهج في سياسيات الدولة، حيث يجري تحويل المواطنين إلى طائفة مسؤول عنها سياسياً البابا شنودة، ويتم تمثيلها في الحياة العامة عبر "كوتة" يوافق على أشخاصها البابا، وهذا يعني تحول المسيحيين إلى رعايا بمفهوم القرون الوسطى.

أزمة الغلاء الطاحنة لا تفرق بين مسلم ومسيحي، والدولة، يقول د. مجاهد، تستخدم الملف الطائفي لإشغال المواطنين عن التغيرات العنيفة التي تحدث على المستوى السياسيصورة من: picture alliance/dpa

الدولة المدنية الديمقراطية هي الحل

من جانبه يرى د. سامر سليمان، المدرس المساعد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن سؤال التمييز واضطهاد الأقباط في مصر مدخله الأساسي هو السياسة، فإقامة دولة مدنية ديمقراطية هو ما سيضمن للمسيحيين حلاً تاريخياً لأزمتهم. وأشار في لقائه مع دويتشه فيله إلى أن تعبير "الكنسية أصبحت دولة داخل الدولة" هو تعبير مجازي، فالكنيسة دولة متفق عليها مع الدولة الأكبر، وبذلك تتنصل الدولة المصرية الحديثة من مسؤولياتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ويرى صاحب كتاب "النظام القوي والدولة الضعيفة في مصر" أن تأسيس الوطنية المصرية تاريخياً على تسوية شعارها "عاش الهلال مع الصليب" في ظل الفترة الليبرالية أوائل القرن الماضي كان تأسيساً مؤقتاً، وأن تلك التسوية لم تتحول يوماً إلي تسوية دائمة تنادي بأن "الدين لله والوطن للجميع".

ويرى سامر سليمان إيجابية في هزيمة "المؤسسة الكنسية" نسبياً أمام جمهورها (خاصة بعد الاعتذار الأخير للبابا شنودة عن تصريحات الأنبا بيشوي)، بل ويرى على العكس، أن البابا شنودة لا يمثل إجماعاً كما يتخيل البعض، فهناك قطاعات من الرأسمالية المسيحية انتقدت أن تتعطل أعمالها نتيجة "خناقة على زوجة قسيس". ويختتم سليمان مداخلته قائلاً إن "آلية استبداد الحكم تتطلب وجود الطائفية، فإن لم تكن موجودة جرى اختراعها". إن وصفة علاج أزمة الأقباط معروفة، لكن الأطراف التي ستجلس على منضدة للاتفاق على عقد اجتماعي جديد لا ترغب في ذلك، إذ أن "الدولة والكنيسة والنخب جميعها"، يضيف سليمان، "تستفيد من إبقاء النيران مشتعلة".

هاني درويش – القاهرة

مراجعة: سمير جريس

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW