دول المغرب الـ"آمنة".. لعبة القط والفأر في ألمانيا
١٨ يناير ٢٠١٩
تعيد الحكومة الألمانية الكرّة في محاولتها تصنيف الجزائر والمغرب وتونس دول منشأ "آمنة". وكما في المرة السابقة حققت الحكومة نجاحاً جزئياً متوقعاً بتمرير مشروع القانون في بوندستاغ، ولكن ماذا عن المرحلة الأصعب: بوندسرات.
إعلان
تعيد الحكومة الألمانية الكرّة في محاولتها تصنيف الجزائر والمغرب وتونس دول منشأ "آمنة". وكما في المرة السابقة حققت الحكومة نجاحاً جزئياً متوقعاً بتمرير مشروع القانون في بوندستاغ، ولكن ماذا عن المرحلة الأصعب: بوندسرات.
وافق البرلمان الألماني (بوندستاغ) اليوم الجمعة (18 كانون الثاني/يناير 2018) بأغلبية كبيرة على مشروع قانون تصنيف جورجيا والجزائر وتونس والمغرب على أنها دول منشأ آمنة. ووافق على مشروع القانون 509 نائباً، بينما صوت ضده 138 آخرين، وامتنع أربعة عن التصويت.
تبرر الحكومة الاتحادية سعيها وراء تصنيف الدول الأربعة إلى القائمة بأنها رفضت تقريباً كل طلبات اللجوء من هذه الدول حتى بلغت هذه النسبة أكثر من 99% لجورجيا والجزائر. في المقابل، تلقت 2,7% فقط من طلبات اللجوء من تونس و4,1% من المغرب رداً إيجابياً من السلطات الألمانية في 2017. وقال النائب البرلماني عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، هيلغه لينده، إن هذا القانون مهم حتى لا نثير "آمالا كاذبة" لدى الأفراد المنحدرين من هذه الدول بوجود مستقبل لهم في ألمانيا، واصفاً هذه الخطوة بأنها "تعبير عن برغماتية صحية".
التبعات
يُقصد بدول المنشأ الآمنة الدول التي يُفترض أنه لا يوجد بها ملاحقة سياسية أو معاملة أو عقوبات غير إنسانية أو مهينة. وتسعى الحكومة الألمانية عبر هذا القانون إلى تسريع البت في طلبات اللجوء المقدمة من أفراد منحدرين من هذه الدول، وبالتالي رفض شبه تلقائي دون إعطاء مبررات، وبالنتيجة الإسراع بعملية الترحيل.
وتضم القائمة الحالية، التي يصدرها "المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين" (BAMF)، الدول التالية: دول الاتحاد الأوروبي وألبانيا والبوسنة والهرسك وغانا وكوسوفو ومقدونيا وصربيا والجبل الأسود والسنغال.
وحسب بيانات وزارة الداخلية الألمانية فقد رحلت ألمانيا أكثر من 1500 مهاجر ينحدرون من الدول المغاربية المخالفين للوائح الإقامة خلال الـ 11 شهرا الأولى من عام 2018، وبواقع 534 جزائرياً و665 مغربياً و318 تونسياً.
وتعتبر هذه الأعداد أعلى من عدد المرحلين في كامل عام 2017 والذي بلغ 1389 مهاجراً من بينهم 504 جزائريين و634 مغاربة و251 تونسياً.
كما كشفت البيانات عن أن 386 مهاجراً من تلك الدول اختاروا العودة إلى أوطانهم طوعاً على امتداد عام 2018، من بينهم 266 جزائرياً و53 مغربياً و67 تونسياً.
وتوصلت برلين في وقت سابق إلى حلول مع الدول المغاربية من أجل تعاون أكبر لتسريع عمليات ترحيل مهاجريها من بين المقيمين بغير الصيغ القانونية أو المصنفين "خطرين أمنياً".
"فتح" باب للتلاعب السياسي
لم يصوت ضد مشروع القانون سوى نواب الكتل البرلمانية لحزب الخضر وحزب اليسار. أحد رئيسي حزب الخضر، أنالينا بابوك، قالت قبيل التصويت إن التصنيف بحد ذاته "لا يحل مشكلة في ألمانيا ويناقض معايير المحكمة الدستورية الاتحادية" مشيرة إلى أنه وبالنظر إلى الممارسات الديمقراطية في الدول المغاربية فإن التصنيف "غير بناء".
وبدورها، قالت خبيرة شؤون سياسة اللاجئين في حزب الخضر، لويزه أمتسبرغ، إن مشروع القانون ليس له أهمية، حيث إن أعداد طلبات اللجوء المقدمة من أفراد منحدرين من هذه الدول تراجعت بشدة مؤخراً، بينما ازدادت في المقابل بوضوح حالات الترحيل إلى جورجيا ودول المغرب العربي.
ومن جانبها ناشدت منظمة "برو أزول" المدافعة عن اللاجئين مجلس النواب واصفة التصنيف بأنه "يفتح الباب للتلاعب السياسي" ومنوهة في بيان نُشر قبل جلسة مجلس النواب إلى أنه في الدول الأربعة يتم التميز ضد الأقليات وخاصة المثلية.
الكلمة الفصل في يد "بوندسرات"
أخفق الائتلاف الحاكم، الذي يضم التحالف المسيحي المنتمية إليه المستشارة أنغيلا ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي، في عام 2017 في تمرير مشروع قانون مماثل في مجلس الولايات (بوندسرات) بسبب معارضة عدة ولايات يشارك في قيادتها حزب الخضر أو حزب اليسار. ويجمع الكثير من المراقبين على أن مشروع القانون سيتحطم هذه المرة أيضاً على صخرة إصرار حزبي الخضر واليسار على موقفهما في مجلس الولايات. علما أن الحكومة الألمانية الائتلافية لا تملك أغلبية في البوندسرات.
ومجلس الولايات، الذي يعتبر تجسيداً لفكرة الفيدرالية (الاتحادية)، هو أحد الهيئات الدستورية الخمسة إلى جانب البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) والحكومة الاتحادية والرئيس الاتحادي والمحكمة الدستورية الاتحادية. ويمكن تشبيه، إلى حد ما، بمجلس الشيوخ الأمريكي ومجلس اللوردات البريطاني. ويمثل المجلس الاتحادي، الذي تأسس في الثالث والعشرين من أيار/ مايو عام 1949، الولايات الستة عشرة ويدافع عن مصالحها.
ويختلف هذا المجلس عن البرلمان (بوندستاغ) في أن أعضاءه مبتعثون من الولايات ولا يتم انتخابهم من قبل الشعب، ويضم المجلس 69 مقعداً. ولكل ولاية عدد ممثلين يتناسب مع عدد سكانها بشرط أن لا يقل عن ثلاثة ولا يزيد عن ستة.
ويتمتع بوندسرات بصلاحيات عدة: تشريعية والمشاركة بانتخاب الرئيس الاتحادي وانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية العليا، على سبيل المثال لا الحصر.
ألمانيا و"لاجئوها" ـ أبرز الأحداث منذ اعتداء زولينغن
أحيت ألمانيا الذكرى الـ 25 لاعتداء الحرق بمدينة زولينغن، الذي استهدف منزل عائلة ذات أصول تركية وأسفر عن مقتل خمسة من أفرادها وجرح أربعة. بيد أنه لم يكن الاعتداء الوحيد الذي شهدته ألمانيا في العقود الأخيرة ضد الأجانب.
صورة من: Imago/Tillmann Pressephotos
اعتداء زولينغن الرهيب
بحضور المستشارة ميركل ووزير الخارجية التركي، أحيت ألمانيا الذكرى 25 لاعتداء زولينغن الرهيب الذي راح ضحيته خمسة أشخاص من عائلة ذات أصول تركية وهم امرأتان وثلاث فتيات. ففي 29 من مايو/ أيار أضرم أربعة شبان النيران في منزل العائلة. وتبين فيما بعد أنهم على صلة باليمين المتطرف.
صورة من: dpa
نصب تذكاري
وتمّ تشييد نصب تذكاري في مكان الاعتداء كتبت عليه أسماء الضحايا. وبمنسبة الذكرى الـ25، اعتبر رئيس حكومة ولاية شمال الراين ويستفاليا أرمين لاشيت الاعتداء بأنه الأسوأ في تاريخ المدينة منذ الحرب العالمية الثانية كما حذّر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس من خطر اليمين المتطرف في البلاد، مشددا أن "واجب الابقاء على ذكرى الضحايا (زولينغن) مسؤوليتنا جميعا".
صورة من: picture-alliance/dpa/O. Berg
مقتل شاب جزائري
في نهاية عام 1999 طارد عدد من الشبان المتطرفين أفارقة داخل مركز مدينة غوبين بولاية برادنبورغ بشرق البلاد. وأسفر ذلك عن مقتل شاب جزائري.
صورة من: picture-alliance/dpa/Patrick Pleul
قنبلة مسامير تنفجر في شارع الأتراك بكولونيا
في شارع كويبشتراسه بكولونيا (كولن)، الذي يسكنه عدد كبير من الأتراك، انفجرت قنبلة مسامير شديدة الانفجار أصابت 22 شخصا إصابات خطيرة. واستبعدت التحقيقات التي استمرت أزيد من عشر سنوات، في بادئ الأمر خلفيات عنصرية وراء الاعتداء ليتضح فيما بعد أن خلية "إن إس يو NSU" اليمينية المتطرفة هي من نفذته.
صورة من: DW/A. Grunau
خلية "إن إس يو"
كانت هذه الخلية تضم ثلاثة عناصر نفذوا إلى جانب اعتداء كولونيا اعتداءات أخرى في ألمانيا، ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص (أتراك ويونانيين) إضافة إلى شرطي ألماني. ومنذ خمس سنوات تتواصل جلسات محاكمة "بيآته تشيبه" العنصر الوحيد المتبقي على قيد الحياة ضمن المجموعة المتطرفة، غير أن الأخيرة تلوذ الصمت ولم تدل بأي معلومات حول عمل الخلية.
صورة من: picture-alliance/dpa/P. Kneffel
موظف يضرم النيران من مسكن للاجئين
في فبراير من 2015، قام موظف من مكتب الضرائب بإضرام النيران في منزل كان من المفترض أن يصبح منزلا لعائلة عراقية في مدينة إيشبورغ. وفي ذات السنة دخلت أمواج كبيرة من اللاجئين إلى ألمانيا، ورافق ذلك مجموعة من الاعتداءات على منازل وملاجئ للاجئين. في هذا العام وحده سجلت الشرطة أكثر من 1000 اعتداء بدواعي الكراهية ما بين إحراق واعتداءات جسدية وبمواد متفجرة. وللمقارنة سجل في العام الذي سبقه 200 اعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Heimken
خلية "فرايتال"
بين شهري تموز/ يوليو إلى تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2015، ظهرت خلية "فرايتال" التي ضمت ثمانية عناصر، نفذوا خمسة هجمات بعبوات متفجرة على نزل للاجئين ومعارضين سياسين لهم في مدينتي فرايتال ودريسدن. محكمة دريسدن صنفت الخلية على أنها إرهابية وأصدرت أحكاما تراحت ما بين 10 و11 عاما سجنا على أعضائها.
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Kahnert
أرقام مقلقة في عام 2017
مدن كبامبارغ وغيرها، تحولت إلى مسرح لحلقات جديدة من سلسلة الاعتداءات ضد الأجانب. في عام 2017 سجل نحو 2200 اعتداء من هذا القبيل، وفق بيانات الشرطة غير أن منظمات حقوقية تشدد أن العدد أكبر بكثير من المعلن عنه.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
ظهور حركة "بيغيدا" المعادية للإسلام
في موازاة ذلك ومع موجة اللاجئين التي دخلت ألمانيا، ظهرت حركات اعتبرت نفسها أنها "تدافع" عن قيم المجتمع، فخرجت تظاهرات كل أسبوع في عدد من المدن خاصة شرق البلاد نظمتها حركات كـ"بيغيدا" وغيرها تنادي بـ "حماية البلاد من الأسلمة"، كما اتهمت هذه الحركات المستشارة ميركل بـ "خيانة" البلاد.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي
انبثق هذا الحزب عن حركة مناهضة لسياسية ميركل وأوروبا عموما لانقاذ اليورو واليونان المتخبط في أزمة الديون السيادية، إلا أن "البديل" سريعا ما وجد في موضوع اللاجئين ضالته لحشد الأصوات. ويتهم بأنه يذكي خطاب الكراهية والعنصرية ضد الأجانب، لكنه أيضا استطاع أن يصبح أقوى قوة معارضة في البوندستاغ إثر فوزه في الانتخابات الأخيرة بـ12,6 بالمائة من أصوات الناخبين.
صورة من: Getty Images/C. Koall
أصوات معارضة للبديل
في 27 من الشهر الجاري (أيار/ مايو 2018) نظم الحزب في برلين مظاهرة تطالب بتشديد سياسة اللجوء. وكان حزب البديل يأمل في مشاركة عشرات الآلاف، لكنه لم يحصل سوى على خمسة آلاف فقط. في حين شارك نحو 25 ألف شخص في المظاهرة الموازية والتي خرجت ضد هذا الحزب الشعبوي وأفكاره.
صورة من: DW/W. Glucroft
دريسدن تنتفض ضد التطرف
وكثيرة هي المظاهرات التي خرجت في السنوات الأخيرة ترفض وبوضوح الأفكار اليمينية المتطرفة وتدعم أسس الانفتاح داخل المجتمع. والصورة توثق لأكبر مظاهرة مناهضة للتطرف أقيمت في مدينة دريسدن التي اقترن اسمها مؤخرا باليمين المتطرف والشعبوي. وشارك في هذه المظاهرة المغني الشهير "كامبينو" إضافة إلى نجوم آخرين من عالم الفن والغناء.
صورة من: picture-alliance /dpa/A. Burgi
كراهية الأجانب "تطيح بأسس الدين المسيحي"
الكنيسة سواء الكاتوليكية أو الإنجيلية تبرأت من هذه الحركات واعتبرت أن الأفكار التي تروج لها "بيغيدا" وغيرها تحت ذريعة الحفاظ على الأسس الدينية للدولة، لا علاقة لها إطلاقا بالدين المسيحي الذي يدعو إلى التسامح. وازداد عدد الحالات التي قدمت فيها الكنيسية اللجوء الكنسي إلى لاجئين.