1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الديمقراطية الألمانية وتحدي النازية الجديدة

الأعوام الماضية شهدت عودة النازيين إلى المشهد السياسي الألماني. الفضيحة التي حدثت يوم الجمعة الماضي في برلمان مقاطعة سكسونيا تكشف القناع عن حقيقتهم.

النازيون الجدد في مظاهرة لهم في مدينة لايبزغصورة من: AP

تسبب نواب الحزب القومي الديموقراطي الألماني (الحزب النازي الجديد/ NPD) في إثارة ضجة كبيرة ببرلمان مقاطعة سكسونيا الواقعة شرق ألمانيا، فقد انسحب نواب الحزب معلنين رفضهم المشاركة في الوقوف دقيقة حداداً على أرواح ضحايا الحكم النازي، الأمر الذي شكل صدمة للشارع السياسي الألماني. وفي ضوء ذلك تجددت الدعوات المطالبة بحظر نشاط الحزب من قبل مختلف الأحزاب السياسية الأخرى. ومن المعروف أن الحكومة الألمانية بدأت محاولة لتمرير قرار بحظر هذا النشاط عام 2001، لكنها فشلت بسبب قرار من المحكمة الدستورية.

وصول النازيين المفاجيء إلى برلمانات محلية

وصل النازيون إلى مقاعد البرلمان بعد انتخابات محلية خلال العام الماضي. وشهدت ولاية سكسونيا الشرقية مفاجأة كبيرة بنجاح الحزب القومي الديموقراطي الألماني في الحصول على نسبة تقترب من 10 بالمائة من الأصوات، أي 12 مقعداً في برلمان الولاية. وأثارت نتيجة الانتخابات سجالاً واسعاً في الحياة السياسية الألمانية كونها المرة الأولى التي يجلس فيها نواب نازيون في برلمان ألماني منذ عام 1968. كما جددت المخاوف من الأخطار التي قد تتهدد العملية الديموقراطية.

هولجر ابفل زعيم الكتلة البرلمانية للحزب النازي في سكسونياصورة من: AP

أرجع المراقبون نجاح الحزب النازي في انتخابات ولاية سكسونيا آنذاك إلى الإفادة من تذمر المواطنين من سياسة الإصلاح والتقشف التي تتبعها الحكومة. فالولاية كانت جزءاً من ألمانيا الشرقية سابقاً، وهي كغيرها من الولايات الشرقية الأخرى لا تزال تعاني من ضعف البنية التحتية وقلة الموارد والدخول رغم الجهود الحكومية المبذولة في هذا المجال. لذلك تجد المقولات العنصرية المتعلقة بقلة فرص العمل بسبب وجود الأجانب صدى في هذه المناطق.

وسبق لموجة الاعتداءات العنصرية على الأجانب وعلى ممتلكاتهم الشخصية أن تصاعدت نهاية التسعينيات، وقد قام بها النازيون والمتعاطفون معهم وسقط أثناءها الكثير من الضحايا. وعلى إثر ذلك قامت الحكومة الألمانية بمحاولة لحظر الأحزاب النازية. واتخذت المحاولة منحى أكثر جدية بعد أن تأكد أن تبعات تلك الاعتداءات ليست داخلية فحسب ولكنها خارجية أيضاً. فقد تأثرت سمعة ألمانيا كبلد آمن ديموقراطي، ونصحت وكالات السياحة والسفر بعدم زيارة بعض المدن الألمانية لخطورتها. وقد استمرت الإجراءات القانونية نحو عامين إلى أن تعثرت بشكل نهائي عام 2003 بسبب الفشل في تقديم شهود يعتد بهم في طلب الحظر، فقد كان معظم الشهود الذين قدمتهم إلى المحكمة الدستورية عملاء لجهاز الشرطة، وبالتالي لا يمكن قانونياً الاعتماد على شهادتهم.

ردود أفعال غاضبة

يتبنى الحزب النازي أفكاراً صريحة في عنصريتها كالإيمان بتفوق الجنس الأبيض وكراهية الأجانب عامةً واليهود خاصةً إضافة لتبرير جرائم الحكم النازي. وهي أفكار وشت بها كلمة هولجر أبفل زعيم الكتلة البرلمانية للحزب النازي والتي أعقبت عودته إلى قاعة البرلمان بعد مقاطعته دقيقة الحداد. فقد اعتبر في كلمته القصف المدمر لمدينة دريسدن (عاصمة الولاية) من قبل قوات الحلفاء خلال الحرب العالمية نوعاً من القتل المنظم والمتعمد. كما وصفه بأنه محرقة قنابل على غرار محرقة اليهود، منتقداً إهمال ذكرى الضحايا الألمان. يُذكر أن مدينة دريسدن من أكثر المدن التي لحقها الدمار أثناء الحرب العالمية الثانية إذ يُقدر عدد ضحاياها بـنحو 400 ألف شخص.

اوتو شيلي وزير الداخلية الألمانيصورة من: AP

ويدل مضمون كلمة أبفل على أن محرقة اليهود ليست فريدة في بشاعتها، فهناك محرقة شبيهة أوقدها الحلفاء ضد المواطنين الألمان. وقد قام بذلك على طريقة دس السم في العسل وهي الطريقة التي انتهجها الحزب النازي. فما يرمي إليه ليس إحياء ذكرى الضحايا الألمان الأبرياء، وإنما التقليل من بشاعة الجرائم النازية. وقد تبع تصريحات أبفل ردود أفعال غاضبة من مختلف الاتجاهات، فقد قدم نواب كافة الأحزاب الأخرى الجالسين في برلمان المقاطعة طلباً إلى النائب العام لفتح تحقيق فوري في ما قاله نائب الحزب النازي باعتباره يثير مشاعر العداء والكراهية. وصرح وزير الداخلية الألماني اوتو شيلي أن ما حدث يسيء إلى سمعة ألمانيا في العالم، وأضاف لن نقف مكتوفي الأيدي ونحن نرى شبابنا يتعرضون إلى دعايات عنصرية وفاشية صريحة. أما السياسي المختص بالشؤون الداخلية ديتر فيفيلسبوتز من الحزب الاشتراكي الديموقراطي الحاكم فدعا مواطني المقاطعة إلى القيام بانتفاضة سلمية للإعراب بوضوح عن رفضهم لما يقوم به الحزب النازي على أساس أن ولاية سكسونيا لا تمت بصلة إلى ممارسات الحزب النازي. وقالت رئيسة حزب الخضر "كلاوديا روت" أن أركان جريمة إثارة مشاعر العداء قائمة ومتحققة في ما قاله أبفل، فهي تقليل مقزز من حجم جريمة محرقة اليهود، ودعوة صريحة لعداء السامية. أما باول شبيغل رئيس المجلس المركزي للطائفة اليهودية في ألمانيا فصرح بأن مقارنة دمار دريسدن بمحرقة اليهود هو تقليل خبيث من حجم الجريمة على حساب آلاف الضحايا. وأعرب عن خيبة أمله في نجاح جهود السياسيين لمحاربة المد اليميني المتطرف، وحذر من النمو المتزايد لعداء السامية.

محاولات جديدة لحظر نشاط الحزب النازي

كرستيان شتروبله نائب حزب الخضرصورة من: AP

أدت الضجة التي أثارها الحزب النازي إلى تجديد النقاش والعمل حول حظره، فقد تقدم الحزب المسيحي الديمقراطي وحزب الديمقراطية الاشتراكية (الحزب الشيوعي سابقاً) بطلب لإعادة محاولة حظره. أما الهدف من ذلك فهو وقف الدعاية العنصرية التي ينشرها وقطع الطريق على أي مكاسب سياسية يسعى إلى تحقيقها. في هذه الأثناء عارض النائب كرستيان شتروبله من حزب الخضر هذا التوجه، فهو يجادل أن الحل ليس الحظر والمنع ولكن المواجهة السياسية مع النازيين. فالحظر لن ينهي الخطر اليميني المتطرف بل قد يزيد منه حسب قوله. كما أن محاولة أخرى فاشلة للحظر كالتي حدثت عام 2001 لن تتمخض سوى عن زيادة أكيدة في شعبية الحزب. ويرى وزير الداخلية الألماني شيلي كذلك أن فرص نجاح محاولة جديدة لحظر الحزب النازي قليلة. لذلك ينصح باللجوء إلى المواجهة السياسية المفتوحة مع أكاذيبه.

عودة النازيين إلى الحياة السياسية الألمانية يطرح تحدياً هائلاً على العملية الديمقراطية الألمانية، فالدستور الألماني يكفل حرية الرأي للجميع طالما لم يُساء استخدامها في التحريض على الكراهية والعداء. أما الرهان الأكبر فهو أن تنجح الديموقراطية في تصفية خطورة اليمين المتطرف دون اللجوء إلى إجراءات غير قانونية.

هيثم الورداني

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW