الذكاء الاصطناعي لفك رموز "فصل مظلم" من تاريخ ألمانيا
١٨ أغسطس ٢٠٢٤يحتاج أي باحث يرغب في إجراء دراسة مفصلة حول أرشيف ألمانيا ما قبل الحرب العالمية الثانية، إلى مهارة من نوع خاص؛ إذ سوف يحتاج إلى قراءة رسائل وخطابات مكتوبة بخط يد لم يعد مستخدما في اللغة الألمانية في الوقت الراهن.
ومن أشكال الكتابة التي كانت حاضرة في تلك الحقبة "كورينت" وهي أسلوب للكتابة المِشبكة تطور أواخر العصور الوسطى. وفي إطار ذلك، يأتي نمط كتابي يُطلق عليه اسم "سوترلين" لم يدم طويلا حيث ظهر عام 1911 وجرى تدريسه في المدارس الألمانية من عام 1915 إلى عام 1941 حتى أقدم النظام النازي على حظره. وعقب ذلك، جرى تعليم تلاميذ المدارس أسلوب كتابة خطية تشبه الكتابة الخطية الحالية للغة الإنجليزية.
ورغم أن الألمان الذين عاصروا حقبة "سوترلين" استمروا في استخدام هذا النمط من الكتابة الخطية في أعقاب انتهاء الحرب، إلا أن معظم الألمان في الوقت الراهن لا يستطيعون قراءة الرسائل التي كتبها أسلافهم.
الذكاء الاصطناعي يدخل على خط المساعدة
وفي محاولة لتسليط الضوء على هذه المرحلة الهامة من تاريخ ألمانيا، قام الأرشيف الفيدرالي الألماني (Bundesarchiv) بتطوير أداة جديدة للمساعدة في فك رموز أنماط الكتابة اليدوية التي تعود للحقبة الاستعمارية، لكنها لم تعد تُستخدم في الوقت الراهن.
ويمتلك الأرشيف الفيدرالي الألماني مجموعة كبيرة من الوثائق الهامة تصل إلى 10 آلاف ملف كان بحوزة "مكتب الرايخ للمستعمرات" الذي كان مسؤولا عن السياسة الاستعمارية للإمبراطورية الألمانية.
وفي مقابلة مع DW، قال الناطق باسم الأرشيف الفيدرالي الألماني، إلمار كرامر، إنه جرى اختيار هذه الوثائق لأن جُلها كان مكتوبا بخط اليد". بدورها، أشارت إنغر بانس، المسؤولة عن المشروع، إلى أن هذه الوثائق خضعت للتجربة بسبب أنه جرى رقمنة كافة الملفات الخاصة بالمكتب ولم تعد خاضعة بعد لأي قيود على الاستخدام.
وشددت بانس على أن الأمر يهدف إلى تقبل الألمان لتاريخ بلادهم الاستعماري.
وفي تعليقها، قالت كلوديا روث، وزيرة الدولة والمفوضة الفيدرالية للثقافة والإعلام، إن جرائم الحقبة الاستعمارية الألمانية ظلت "بمثابة نقطة عمياء خارج نطاق ذاكرتنا الثقافية". وأشادت المسؤولة بالمشروع الذي يرمي إلى تسليط الضوء على ذلك "الفصل المظلم من تاريخ ألمانيا ومن ثم تعزيز المساهمة في التصالح مع الماضي".
أول إبادة جماعية في القرن العشرين
يشار إلى أن الحقبة الاستعمارية للإمبراطورية الألمانية بدأت في نهاية القرن التاسع عشر بالتركيز بشكل أساسي على الاستيلاء على أراضي في أفريقيا وأمريكا الشمالية والصين بهدف إنشاء مستعمرات بها.
وامتد عمر الإمبراطورية الاستعمارية الألمانية لثلاثين عاما بداية من عام 1884 وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى، ورغم قصر عمرها إلا أنها أصبحت خلال فترة قصيرة ثالث أكبر إمبراطورية استعمارية بعد المملكة المتحدة وفرنسا.
واتسم نظام الحكم في المستعمرات الألمانية بطابع دموي فيما جرى توثيق فصول تلك الحقبة من قبل الأرشيف الفيدرالي الألماني بما يدخل في إطار ذلك حقبة مظلمة تشمل تمرد دار رحاه بين عامي 1910 و1911 وقام به سكان قرية "سوكيه" قبالة جزيرة بوهنباي الرئيسية فيما كانت تُعرف بــ "جزر كارولين" أو "ولايات ميكرونيسيا المتحدة" في الوقت الراهن.
وفي مسعى لقمع هذا التمرد، عمد حكام الإمبراطورية الاستعمارية الألمانية إلى تطبيق سياسة "الأرض المحروقة" بما يشمل ترحيل قبيلة سوكيه من جزيرتهم.
وخلال تلك الحقبة، جرى إعدام الملك رودولف دوالا مانغا بيل وأدولف نجوسو دين عام 1914 بسبب دورهما في حراك سلمي ضد إجراءات الإدارة الاستعمارية الألمانية التي كانت ترمي إلى نقل وترحيل سكان بلدة "دوالا" الساحلية في الكاميرون.
بيد أن الجانب الأكثر شهرة يتمثل في مسؤولية ارتكاب إبادة جماعية ضدّ شعبي هيريرو وناما في ناميبيا خلال استعمار هذا البلد الأفريقي قبل أكثر من قرن من الزمن فيما عُرف لاحقا بأول إبادة جماعية في القرن العشرين بين عامي 1904 و1908 بعد تمرد شعبي هيريرو وناما ضد النظام الاستعماري الألماني.
ولم تعترف ألمانيا رسميا بارتكاب جريمة إبادة جماعية أثناء احتلالها ناميبيا إلا في عام 2021.
أول استخدام للذكاء الاصطناعي
وفي عام 2021، بدء الأرشيف الفيدرالي الألماني في تطوير أداة للذكاء الاصطناعي تسهل الوصول إلى سجلات الحقبة الاستعمارية وذلك قبل بدء أن يخرج روبوت المحادثة "شات جي بي تي" إلى النور.
وفي تعليقها، قال الناطق باسم الأرشيف الفيدرالي الألماني، إلمار كرامر، "كان من المهم أن نكون جزءا من هذه التطورات، لذا كان الذكاء الاصطناعي موضوع اهتمامنا منذ سنوات. وفي ضوء ذلك، يمكننا القول بأننا تمكنا من جمع واحد من أقدم مقتنياتنا بواحد من أحدث تقنياتنا. يمكننا القول بأننا استطعنا الجمع بين الذكاء الاصطناعي والاستعمار ".
بدورها، قالت إنغر بانس إن القائمين على المشروع قد وصلوا إلى نقطة مكنت الذكاء الاصطناعي من تقديم نسخ تتسم بقدر مقبول من الدقة لأكثر المواد تعقيدا.
وأضافت أن الوصول إلى درجة الكمال في النسخ كان يتطلب تخصيص الكثير من الوقت بشكل غير متناسب، لافتة في ذلك إلى مبدأ قام بترسيخه الاقتصادي الإيطالي فيلفريدو باريتو في مطلع القرن التاسع عشر عُرف باسم "نظرية 20/80" بمعنى أن 20 بالمئة من الأداء الأمثل يتطلب 80 بالمئة من الإنتاجية.
وقالت "استنادا على ذلك، كان يتعين علينا في مرحلة ما رسم الخط الفاصل". وقد تمكن القائمون على المشروع من تطوير خوارزميات محركات البحث سهلة الاستخدام تسمح بالحصول على نطاق أوسع من النتائج.
ويطمح الخبراء في أن يفتح هذا المجال الباب أمام استخدام الذكاء الاصطناعي لفك شفرة مواد مهمة أخرى من تاريخ ألمانيا، رغم أن المشروع الحالي مازال في مرحلة الاختبار ومخصصا لوثائق تعود للحقبة الاستعمارية يمكن الاطلاع عليها بزيارة قاعة الأبحاث بمقر الأرشيف الفيدرالي الألماني في العاصمة برلين. ويجرى العمل على إتاحتها قريبا على شبكة الإنترنت.
أعده للعربية: محمد فرحان