"أقف أمامكم اليوم وأطلب منكم الصفح عن الجرائم التي ارتكبها الألمان هنا"، هكذا قدم الرئيس الألماني شتاينماير اعتذاره في وارسو. ويعد شتاينماير أول رئيس ألماني يُلقي خطاباً بمناسبة الذكرى السنوية لانتفاضة "غيتو وارسو".
يعد شتاينماير أول رئيس ألماني يُلقي خطاباً تذكارياً بمناسبة الذكرى السنوية لانتفاضة غيتو وارسو.صورة من: Kacper Pempel/REUTERS
إعلان
دوّت صفارات الإنذار وقرع أجراء الكنائس في وارسو ظهر الأربعاء (19 أبريل/ نيسان 2023) مع بدء مراسم إحياء الذكرى الثمانين لانتفاضة حي اليهود في العاصمة البولندية في سلسلة من المعارض والحفلات الموسيقية والاجتماعات والاحتفالات الرسمية التي يحضرها رئيسا إسرائيل وألمانيا.
في بداية انتفاضة "غيتو وارسو" التي استمرت من 16 إلى 19 نيسان/أبريل 1943، هاجمت مجموعة صغيرة من المقاتلين اليهود النازيين في أكبر وأشهر عملية مقاومة فعلية لليهود في المدينة ضد النازيين خلال الحرب العالمية الثانية. وقد قتل أو نُفي ما يقرب من 56,000 من اليهود خلال هذه الانتفاضة.
واستهل فرانك فالتر شتاينماير المراسم طالبا الصفح عن جرائم مواطنيه، في أول كلمة يلقيها رئيس ألماني في إطار هذه المراسم أمام نصب أبطال الغيتو الذي حوله النازيون إلى ركام. وقال شتاينماير "أقف أمامكم اليوم وأطلب منكم الصفح عن الجرائم التي ارتكبها الألمان هنا".
وظهر شتاينماير برفقة نظيريه الإسرائيلي إسحق هرتسوغ والبولندي أندريه دودا أمام النصب الواقع في قلب هذا الحي القديم مقابل متحف بولين لتاريخ يهود بولندا، على أن يزوروا معا بعد الظهر كنيسا في وارسو.
وكما في السنوات السابقة، باشر أكثر من ثلاثة آلاف متطوع في جميع أنحاء المدينة توزيع أزهار نرجس مصنوعة من الورق على الناس لتعليقها على ستراتهم ومعاطفهم إحياءً لذكرى ماريك إيدلمان، آخر قائد لانتفاضة اليهود.
وكان إيدلمان الذي توفي في 2009 يضع في الذكرى السنوية للانتفاضة باقة من هذه الزهور الصفراء أمام النصب التذكاري "لأبطال الغيتو". وبلونها وشكلها، تذكّر أزهار النرجس بالنجمة الصفراء التي فرض النازيون على اليهود وضعها. وهذا العام، سيمتد هذا التقليد إلى مدن أخرى في البلاد.
قالت منسقة مشروع "النرجس" صوفيا بويانتشيك للصحافيين "نخطط لتوزيع 450 ألف زهرة من ورق"، مشيرة إلى أن "هذا الرقم يرمز إلى عدد النساء والرجال اليهود الذين احتجزوا في الحي اليهودي بوارسو في ذروته في ربيع 1941".
وبعد عام على غزوهم بولندا في 1939، حدد النازيون منطقة في وارسو لا تتجاوز مساحتها ثلاثة كيلومترات مربعة، حشدوا فيها نحو نصف مليون يهودي لإبادتهم عن طريق الجوع والمرض وترحيل أكثر من 300 ألف منهم إلى معسكر الموت تريبلينكا الواقع على 80 كيلومترا شرق العاصمة.
وكان "غيتو وارسو" أكبر حي يهودي خلال الحرب العالمية الثانية. وعند بدء الانتفاضة التي قام بها بضع مئات من اليهود، كان نحو خمسين ألف مدني لا يزالون يختبئون في أقبية في الحي اليهودي. وقمع الألمان التمرد بالدم وأضرموا النار في الحي بأكمله فاستحال أنقاضا.
ع.ش/ أ.ح (د ب أ)
حياة اليهود في العاصمة الألمانية برلين
رغم محاولات طمس الهوية اليهودية في ألمانيا خلال الفترة النازية، إلا أن الكثير من الآثار والمواقع، التي تؤرخ لدور اليهود في ألمانيا وحياتهم ما تزال قائمة حتى يومنا هذا. جولة مصورة حول التاريخ اليهودي في برلين.
صورة من: Aviv Netter
مطلع القرن الثالث عشر
عاش يهود مدينة برلين، وكان أغلبهم من التجار والصيارفة والمقرضين، خلال العصور الوسطى في الحي اليهودي. وكانت تُفرض عليهم ضرائب عالية جداً. وفي مناسبات الأفراح والمآتم، كان يُطلب منهم دفع أموال إضافية. وفي الحي الذي كان يقطن فيه اليهود في تلك الفترة، يوجد حالياً مبنى البلدية الحمراء التي يوجد بها مكتب عمدة برلين.
صورة من: DW/Nadine Wojcik
القرن السابع عشر
استقبل الأمير فريدريش فيلهيلم اليهود الأغنياء في برلين. ولم يكن ذلك من باب التسامح معهم، فبعد "حرب الثلاثين عاما"، أصبح مرحباً بدافعي الضرائب من كل الديانات. وكان فايتل هاينه إيفرايم من بين اليهود الأغنياء الذين رحب الأمير بهم. ولا يزال القصر الذي تعود ملكيته لهاينه إيفرايم (قصر إيفرايم) حتى اليوم أحد أجمل الشواهد لأثرية على تاريخ برلين.
صورة من: picture-alliance/ZB
سقراط الألماني 1729- 1786
جاء موسى ميندلسزون إلى برلين وعمره 14 ربيعاً، وكان ميندلسزون تلميذاً مجتهداً، يتحدث لغات كثيرة ويهتم بالفلسفة. وتحول ميندلسزون إلى فيلسوف مشهور ذاع صيته عبر العالم وأصبح أحد أكثر اليهود نفوذاً في وقته. وأسس ميندلسزون في برلين حركة التنوير اليهودية (هاسكالا).
صورة من: picture-alliance/akg-images/Erich Lessing
صالونات برلين في القرنين 18 و19
كانت النساء اليهوديات من ذوي النفوذ، مثل راهل فارنهاغن، يدعون ضيوفهن إلى جلسات ثقافية في بيوتهن الخاصة. وكان يدعى لهذه الجلسات التي كان يطلق عليها الصالونات البرلينية، كتاب وفنانون ومفكرون. وكان هاينريش هاينه وهومبولدت وهاينريش كلايست من بين الضيوف، الذين كانوا يترددون على هذه الصالونات، إذ شكلت آنذاك مركز الحياة الثقافية والاجتماعية في برلين.
صورة من: picture-alliance/akg-images
التحرر والنجاح في القرن التاسع عشر
بمرور الوقت تحولت برلين إلى مدينة أوروبية كبرى، ارتفع فيها عدد الجالية اليهودية. ولم يُمنع اليهود من ممارسة بعض المهن كما هو الحال في بعض الأقاليم النائية. وكانوا يمارسون المحاماة والتجارة والصناعة والطب، وأيضاً الصحافة. وفي عام 1866 تم بناء كنيس يهودي جديد، يتسع لثلاثة آلاف شخص، لأكثر من 35 ألف يهودي كانوا يعيشون في برلين. وحضر افتتاح الكنيس رئيس وزراء بروسيا أوتو فون بيسمارك.
صورة من: picture-alliance/ZB
حي شوينن - حي الفقراء
هذا الحي اليهودي يرجع إلى عهد فريدريش فيلهيلم الأول. ففي عام 1737 أمر فيلهيلم الأول اليهود الذين لم يكن لهم مساكن خاصة بهم بالانتقال إلى هذا الحي، الذي كان في بداية القرن العشرين حياً فقيراً، وكان أيضاً ملجأ ليهود أوروبا الشرقية الفارين من المذابح هناك. واليوم ينتمي هذا الحي إلى مقاطعة "وسط برلين"، و"برلين سينبيتسيرك".
صورة من: Bundesarchiv, Bild 183-1987-0413-501/CC-BY-SA/Buch, P.
ازدهار ثقافي
في العقد الثاني من القرن العشرين، كانت برلين حاضرة أوروبية ثقافية تجذب الزوار، نظراً لوجود عدد كبير من المقاهي والحانات والنوادي الليلية وقاعات الرقص فيها. وكان اليهود يساهمون في الحركة الثقافية للمدينة.
صورة من: picture-alliance
هتلر يتسلم الحكم عام 1933
بعد نجاح الحزب النازي في الانتخابات وتسلم أدولف هتلر السلطة، بدأت المداهمات والمضايقات ضد اليهود في حي شوينن. وفي العام نفسه تم إحراق 25 ألف كتاب أمام جامعة هومبولت، كانت من بينها كتب لموسى ميندلسزون وهاينريش هاينه وفرانتس كافكا.
صورة من: Ullstein
مذبحة نوفمبر/ تشرين الثاني 1938
خلال مذبحة نوفمبر/ تشرين الثاني قتل النازيون أربعمئة يهودي ودمروا أكثر من 1400 محل تجاري تعود ملكيتها ليهود ألمان، إضافة إلى المعابد والمقابر. كما طُرد آلاف الموظفين اليهود ومُنع آخرون من ممارسة بعض المهن مثل الطب والفن والصحافة.
صورة من: Bundesarchiv, Bild 146-1970-083-42/CC-BY-SA
مؤتمر فانزيه 1942
خلال مؤتمر فانزيه، تباحث المسؤولون النازيون في النهج الأكثر فعالية "للتخلص من اليهود". هنا تقرر ترحيل عدد منهم إلى معسكرات الاعتقال وتمت مناقشة سبل التخطيط لذلك.
صورة من: DW/N.Wojcik
1945، بعد انتهاء الحرب
قبل الحرب العالمية الثانية كان 160 ألف يهودي، أي قرابة ثلث يهود ألمانيا، يعيشون في برلين. هاجر منهم خلال الحرب وقبيلها قرابة 90 ألف منهم إلى خارج ألمانيا، وقضى 60 ألف في معسكرات الاعتقال أو تعرضوا للقتل، فيما تمكن ألف وخمسمائة يهودي فقط من البقاء على قيد الحياة في برلين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
صورة من: picture-alliance/dpa
تقسيم برلين: اليهود في برلين الشرقية
دعا الزعيم السوفيتي السابق جوزيف ستالين عام 1952 إلى حملة معادية لليهود، قادت إلى أعمال معادية للسامية وتجسدت في اندلاع أعمال شغب في ألمانيا الشرقية آنذاك. وبعد وفاة ستالين "عاد الوضع لطبيعته"، لكن رغم ذلك تقلص عدد اليهود في برلين الشرقية من 1500 شخص إلى 200 شخص فقط.
صورة من: picture-alliance/dpa
تقسيم برلين: اليهود في برلين الغربية
أغلب العائدين من الناجين من مراكز الاعتقال النازية كانوا يريدون مغادرة ألمانيا في أقرب وقت ممكن. لكن البعض الآخر من اليهود قرر البقاء وبدء حياة جديدة في برلين الغربية. وفي شارع "فازاننشتراسه" تم بناء كنيس يهودي جديد محل الكنيس الذي هُدم عام 1958.
صورة من: picture-alliance/dpa
بدايات جديدة في برلين الغربية
فيما كانت حياة الجالية اليهودية في برلين الشرقية تشهد بعض الركود، كانت مثيلتها في برلين الغربية تسجل تدريجياً بعض الازدهار، ففي 1962 تم تأسيس مدرسة يهودية ومن ثم روضة أطفال في 1971، ثم دار للعجزة 1978. واليوم، يوجد في برلين مدرسة ابتدائية يهودية وأخرى ثانوية إضافة إلى جامعة، فضلاً عن مسرح يهودي ومطاعم ومقاهي، كما أن برلين دأبت على الاحتفال بمهرجان الفيلم اليهودي.
صورة من: picture-alliance/dpa
اندماج يهود برلين الغربية والشرقية
بعد توحيد شطري ألمانيا اندمجت الجاليتان اليهوديتان في برلين الغربية والشرقية. وازداد بذلك عدد أعضاء الجالية اليهودية بشكل عام في برلين ليصل إلى 12 ألف شخص، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وتوجد في برلين اليوم 11 كنيسا يهوديا.
صورة من: AP
ثقافة يهودية جديدة في برلين
تجذب برلين اليوم العديد من الشباب الإسرائيليين. كثير منهم يزور برلين لجاذبيتها الفنية والثقافية وآخرون يحطون الرحال فيها لأسباب سياسية. هناك 10 آلاف إسرائيلي يعيشون في برلين، ولا تلعب خلفيتهم الدينية اليهودية أي دور هام بالنسبة للكثيرين. ومع ذلك يحملون معهم ثقافة يهودية جديدة إلى برلين. ويظهر ذلك من خلال المطاعم والمعارض الفنية أو حتى النوادي الليلية مثل مرقص „Meschugge Berlin“.