"الربيع العربي".. هل انطفأت جذوة الموجة الثانية أيضا؟
١٩ ديسمبر ٢٠٢٠هل انتهى "الربيع العربي" بانكسار الموجة الأولى التي انطلقت أواخر 2010 وبدايات 2011؟ هذا السؤال الذي رافق الكثير من المتطلعين للتغيير في العالم العربي، بعد انكسار أحلامهم في الموجة الأولى، جاءت الإجابة عليه في 2019، عندما خرجت انتفاضات جديدة في الجزائر والسودان والعراق ولبنان، القاسم المشترك بينها هو التطلع لتغيير سياسي حقيقي بعد سنوات من ذات الطريقة في تسيير أمور البلاد، والفساد الذي يقول المحتجون إن دولهم تعاني منه بششكل كبير.
ويقول الأستاذ في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية التابعة لجامعة لندن أرشين أديب مقدم لفرانس برس: "المحرك الرئيسي للربيع العربي لا يزال يغلي تحت السياسات العربية". ويضيف "2011 أودت الى 2019، و2019 ستؤدي إلى موجة جديدة من التظاهرات".
مآلات الانتفاضات الشعبية التي خرجت في 2019 امتدت إلى عام 2020، الذي كان عاما سلبيا بالنسبة للمحتجين، بسبب تفشي وباء كورونا. ولكن رغم ذلك شهد 2020 بعض المحطات اللافتة في هذه البلدان الأربع.
الجزائر
أن يكسر الجزائريون "عقدة العشرية السوداء" ويخرجون للتظاهر والمطالبة بالتغيير، هو بحد ذاته حدث كبير، وهذا ما شهده عام 2019. ولكن لنعد إلى بدايات الموجة الأولى للربيع العربي في 2011، حينها خرجت مظاهرات، تخللتها اشتباكات مع قوى الأمن. السلطات الجزائرية قامت برفع الأجور وتقيدم دعم مالي لوأد التظاهرات والسيطرة على الموقف.
حراك ضعيف، كما يقول الناشط الجزائري زكي حناش (33 عاماً)، الذي يشير إلى أن صدمة الحرب الأهلية (بين 1992 و2002) "منعت الجزائريين" في 2011 من النزول إلى الشارع بالحجم نفسه كما في دول أخرى، لكن ذلك لم يمنعهم "من متابعة ما يجري في تونس ومصر وسوريا بحماسة يختلط بها الخوف".
لكن شباط/فبراير 2019 كان مختلفا، خصوصا مع تراجع أسعار النفط وعجز الدولة عن تقديم دعم مالي سخي. الحراك الحاشد أجبر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة. وتم تنظيم انتخابات ووصل إلى سدة الحكم عبد المجيد تبون. وبقي السخط الشعبي موجودا، لأن المعارضين يرون في السلطة الجديدة امتدادا للنظام السابق.
عام 2020 لم يشهد الكثير من الاحتجاجات، ولكن أبرز أشكال الاحتجاج في 2020، برأي مراقبين، تمثلت في المقاطعة الواسعة للاستفتاء على تعديل الدستور، الذي أجري في نوفمبر 2020، حيث بلغت نسبة المشاركة 23.7 في المئة فقط.
تفشي وباء كورونا أرغم المحتجين على ترك الساحات وإيقاف الحراك. فهل سيعود الجزائريون إلى حراكهم، في حال زال خطر كورونا مستقبلا؟
السودان
لم تنجح المحاولات الخجولة في 2011 في خلق حالة ثورية شاملة تؤدي للتغيير، حيث نجح نظام الرئيس السابق عمر البشير في السيطرة على تلك التحركات. وتكررت المحاولة في 2013، احتجاجا على رفع الدعم عن المحروقات، ما أدى لسقوط عشرات الضحايا. قمعت مظاهرات 2013، ولكنها خلقت جذوة، كما يقول الناشط السوداني محمد العمر: "منذ أيلول/سبتمبر 2013، بدأت دائرة معارضة النظام تتسع وتتغلغل في الأوساط الشعبية، وبدأت حركات شبابية تطالب بإسقاط النظام".
في نهاية 2018 خرجت الاحتجاجات هذه المرة ضد رفع أسعار الخبز، ولكن سرعان ما تشكل حراك واسع منظم ومستدام أدى في النهاية إلى تدخل الجيش، حيث تم في أبريل/نيسان 2020 عزل البشير واستلم السلطة مجلس عسكري انتقالي.
وفي أواخر 2019 تم تشكيل مجلس السيادة الانتقالي، وهو أعلى هيئة تنفيذية في السودان، مؤلفة من مدنيين وعسكريين ومهمتها إدارة البلاد في الفترة الانتقالية التي تلت إطاحة عمر البشير في نيسان/أبريل 2019.
ومن أبرز ما شهده السودان في 2020 هو توقيع الحكومة السودانية اتفاق سلام تاريخياً في جوبا مع تحالف من خمس مجموعات متمردة وأربع حركات سياسية، من إقليم دارفور (غرب) وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. كما شهد العام انقساما شعبيا حول الإعلان عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ولكن بعد عام من تشكيل المجلس السيادي والحكومة الانتقالية يعاني المواطنون السودانيون من تردي الأوضاع الاقتصادية، إذ ينتظرون في طوابير لساعات للحصول على رغيف الخبز ووقود السيارات. كما بلغ معدل التضخم وفق إحصاءات رسمية 230%. كما ينتظر السودانيون تشكيل المجلس التشريعي الذي يفترض أن يكون ممثلا للشعب ومعبرا عن تطلعاته.
العراق
الحراك الذي انطلق في خريف 2019 في العراق أجبر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على الاستقالة. وتحقق لهم جزء مما أرادوا، لكن مطالبهم بإنهاء المحاصصة الطائفية وتغيير النظام السياسي، وشعارهم الذي رفعوه وهو "شلع قلع" أي كل الطبقة السياسية يجب أن تستقيل وتترك الساحة، اصطدمت بعدة عقبات، منها القمع الشديد من قبل القوى الأمنية أحيانا وميليشيات محسوبة على أطراق سياسية معينة أحيانا أخرى.
وعموما كان عام 2020 عدة عمليات اغتيال لناشطين وشخصيات وطنية عراقية، كالمؤرخ والباحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية والجماعات المتطرفة، هشام الهاشمي، الذي شكل اغتياله صدمة كبيرة في العراق.
وأيضا اغتيال الناشطة البصراوية، رهام شاكر يعقوب، الطبيبة المتخصصة في مجال التغذية. وهي من الوجوه البارزة في المظاهرات المطالبة بالتغيير السياسي.
وكما هو االحال في بلدان أخرى، أثر فيروس كورونا كثيرا على العراق، وتسبب في إيقاف التظاهرات في البلد الغني بالنفط. ولكن هذا التوقف قد يكون مؤقتا، كما يرى علي عبد الخالق، الناشط والصحافي:"أسباب اندلاع الثورة الجديدة لا تزال قائمة، والخطر لا يزال يلاحق السلطة.. ومن الممكن أن تندلع انتفاضة اخرى العام المقبل وقد تكون أشد".
لبنان
وإن كان الوضع في العراق معقدا بسبب المحاصصة الطائفية، فيمكن القول إن المحاصصة في لبنان أشد تجذرا على الصعيد السياسي. لأن الأمر مستقر على هذا المنوال، على الأقل منذ اتفاق الطائف 1989. كما أن الطائفية متجسدة في أحزاب تتقاسم كل شيء ولها قاعدة شعبية تدعمها في الانتخابات.
وبالتالي لم يكن سهلا على اللبنانين أن يجدوا منفذا للتغيير السياسي. الموجة الأولى للربيع العربي حفزت بعض اللبنانين للحلم بالتغيير، برأي الناشط عماد بزي: "الربيع العربي منحنا الأمل.. حين رأيت التغيير في تونس ومصر، سألت نفسي، لماذا لا يكون هناك تغيير في لبنان أيضاً؟".
أزمة النفايات في 2015 خلقت حالة من الحراك الشعبي، وتشكل حراك عابر للطوائف. ثم جاءت الأزمة الاقتصادية لتفجر مظاهرات غاضبة كبيرة في 2019، وطالبت باستقالة جميع السياسيين وتركهم للعمل السياسي من أجل إفساح المجال لحياة سياسية جديدة. استقالت حكومة سعد الحريري. ولكن التعثر الاقتصادي استمر بعدها. وإن اضطر المتظاهرون للبقاء بعيدا عن الشارع بسبب وباء كورونا.
لكن انفجار مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020 شكل حالة غضب كبيرة لدى الناس، وعادوا للتظاهر، إلا أن التظاهرات اختفت من جديد، بسبب الفيروس، وبسبب حالة الإحباط وانشغال الناس بتدبير شرونها المعيشية مع استمرار الأزمة الخانقة وهبوط سعر صرف الليرة المتواصل.
الناشط بزي يرى أن التظاهرات وإن توقفت، فإنها لم تنته. ويقول "إنه أمر مستمر.. موجة تأتي بعد الأخرى وكلها مترابطة".
ف.ي/ ع.ج.م