عايش كثير من أطفال اللاجئين السوريين خلال رحلة فرارهم من الحرب أحداثا تركت بصماتها على نفسياتهم. ولمساعدتهم على تضميد جراحهم، أطلق فنان كردي، كان لاجئا أيضا، مبادرة فنية تجمع أطفالا سوريين في ورشة للرسم بمدينة كولونيا.
إعلان
حفر خلفتها قنابل، منازل مهدّمة، مروحيات بألوان تمويهية – هي بعض الرسوم التي رسمها أطفال اللاجئين في إحدى الورش الفنية في مدينة كولونيا الألمانية. رسوم تعكس ما علق بذاكرة هؤلاء الأولاد والبنات، الذين فروا من الحرب في سوريا.
آفجين ذات الثلاثة عشر ربيعا، رسمت طفلة على طاولة العمليات. وتقول: "قلبها ينزف، وحالتها سيئة." طفلة أخرى رسمت قنابل تنهمر على منزل من الطوب الأحمر. "مروحيات ألقت بالقنابل على مدرستي ودمرتها"، على ما تقول لـوتضيفDW : "بعض الأطفال نجوا لكن البعض الآخر لم ينج."
أطفال النازحين العرب ورسومات من زمن الحرب
عادة ما تكون رسومات الأطفال وليدة البيئة التي ينشأون فيها، وفي زمن الحرب تبدأ أناملهم الصغير برسم كل ما ترصده عيونهم من مأساة ودمار ودماء.
صورة من: DW/S. Soliman
اللون الأحمر يطغى على رسومات الأطفال، ولكنه في هذه اللوحة يُذكر بالدماء، التي شاهدوها في شوارع مدنهم ومازالت عالقة في أذهانهم.
صورة من: DW/S. Soliman
طائرات تحوم في السماء، وتقصف الأحياء السكنية وتتناثر الجثث في الشارع. لوحة للطفل السوري باسم (11 عاماً)، الذي يقول: "لقد رأيت ذلك المشهد بنفسي وكنت خائفاً جداً".
صورة من: DW/S. Soliman
جثث القتلى والمصابون تملأ المكان في لوحة الطفل العراقي سامر، الذي شاهد والده بعد أصابته في انفجار قنبلة بالسوق وبُترت ساقه.
صورة من: DW/S. Soliman
حين تكون المدن وقوداً لنيران الحرب وتختفي معالمها في دمار شامل، تضيع أيضاً حتى معالم ساكنيها ويصبحون جزءا من هذا الدمار.
صورة من: DW/S. Soliman
في زمن الحرب تصبح ألعاب الأطفال أيضاً مرتبطة بمشاهدها المرعبة، كتشييع القتلى أو الاقتتال بالمسدسات والبنادق والدبابات والطائرات. الكاتبة: جواهر الوادعي/ صور: صلاح سليمان.
صورة من: DW/S. Soliman
5 صورة1 | 5
حسن ديفيجي، فنان كردي وإخصائي في العلاج بالفن، يرعى في ورشته 12 طفلا من أبناء اللاجئين السوريين، تتراوح أعمارهم بين ثمانية و14 عاما لمساعدتهم على علاج الصدمات النفسية، التي تسببت فيها الأحداث التي عايشوها خلال الحرب في وطنهم. ويقول ديفيجي إن أغلبية رسوم الأطفال تدور حول موضوعين اثنين: الحرب والموت. "طبعا يحاول الأطفال رسم أشياء جميلة – على الرغم من أنه لا وجود لكلمة جميل في العلاج بالفن."، على ما يقول حسن ديفيجي. "لكن الرسوم التي تحتوي على ورود نادرة بالمقارنة مع الرسوم التي تتضمن مروحيات عسكرية."
"جراح عميقة وحزن في العيون"
جميع الأطفال المشاركين في مشروع ديفيجي يذهبون في ألمانيا إلى المدرسة منذ نحو عام. تعلموا اللغة بسرعة إلى درجة أنه أصبح يصعب تمييزهم عن أقرانهم الألمان خلال اللعب أو الغناء والرقص مع بعضهم البعض. بيد أن هذا الانطباع خادع بعض الشيء بحسب رأي ديفيجي الذي يقول: "أستطيع أن أرى الحزن في عيونهم. الضحك لا يأتي من القلب."
وعلى الرغم من أن الآباء يعرفون تماما ما عاناه أطفالهم، إلا أنهم لا يتمالكون أنفسهم عند رؤية الجراح العميقة التي خلفتها الأحداث في نفوس هؤلاء الأطفال. "لقد أصبت بصدمة عند رؤية الرسوم"، تقول نسرين محمد، أم آفجين وولدين آخرين.
عائلة آفجين قدمت قبل نحو عام ونصف العام إلى ألمانيا. وعلى العكس من أسر سورية أخرى مشاركة في هذا المشروع الفني، فإن العائلة لديها تصريح بإقامة مؤقتة في ألمانيا. كما يتعين عليها العيش في فندق في قلب مدينة كولونيا الألمانية إلى حين صدور قرار من السلطات الألمانية بشأن بقائهم على المدى الطويل في ألمانيا من عدمه.
لاجئ سابق يساعد أبناء اللاجئين
حسن ديفيجي، ذو 43 عاما، يقول إنه يعرف ما يعيشه هؤلاء اللاجئون من قلق حول مصيرهم في بلد أجنبي، موضحا أنه نفسه قدم إلى ألمانيا في تسعينيات القرن الماضي، هاربا من تركيا ومن القمع المسلط فيها آنذاك على الأقلية الكردية. ويضيف إنه تقدم في عام 1994 بطلب للجوء لدى السلطات في مدينة كولونيا واضطر إلى الانتظار أكثر من ثلاثة أعوام ليتم البت في طلبه.
وخلال تلك الأعوام عاش في مأوى للاجئين وفي نزل قبل أن ينتقل إلى سكن مشترك مع لاجئين آخرين إلى أن تم قبول طلبه. ويؤكد ديفيجي أن السنوات الثلاث الأولى التي قضاها في ألمانيا لم تترك لديه ذكريات طيبة، "لم يسمح لنا بفعل الكثير من الأمور. لم يكن لدينا أحد ولم نكن نتكلم اللغة الألمانية. لقد كانت أوقاتا عصيبة فعلا."
وهاهو اليوم يعكف على وجه الخصوص على الفن، الذي يعكس الواقع الاجتماعي. ويؤكد أن ما عايشه من قبل كلاجئ دفعه إلى مساعدة أطفال اللاجئين وأسرهم.
فن وبهجة للأطفال رغم ضيق ذات اليد
ومن الواضح أن الآباء متحمسون للغاية لهذه المبادرة ليس بدافع العاطفة فقط، وإنما لما لها أيضا من فوائد لأطفالهم. "ورش العمل هذه جيدة للغاية لأنها تعلم الأطفال الرسم وكذلك اللغة الألمانية"، على حد تعبير أم آفجين. "لقد تغير الأطفال كثيرا خلال عام واحد"، على ما يقول ديفيجي، ويضيف: "في البداية كان هناك طفلان يواجهان صعوبات كبيرة في التركيز وفي تعلم اللغة الألمانية، لكن الأمر تغير للأفضل بعد ستة أشهر فقط. لقد أصبحا أكثر انفتاحا وثقة بالنفس."
لكن مثل هذه المبادرات الخاصة لا يمكن أن تستمر طويلا، على ما يشدد حسن ديفيجي، الذي يعزو ذلك إلى نفاذ أدوات الرسم والألوان بسبب قلة المال.
الفنان حسن ديفيجي جزء من ثقافة ترحيب منفتحة كان يتمنى أن يجدها في ألمانيا قبل عشرين عاما، عندما أتاها لاجئا وحيدا لا أهل له ولا صديق. آنذاك لم تكن هناك أي مبادرة مثل التي أطلقها هو من أجل أطفال اللاجئين السوريين.