تشارك أفلام عربية خارج المسابقة الرسمية لمهرجان البرليناله في فقرة "بانوراما". ويعالج المخرجون المشاركون قضايا سياسية واجتماعية ودينية. في هذا الحوار مع DW عربية يقيم الناقد السينمائي أحمد شوقي المشاركة العربية.
إعلان
تعالج الأفلام العربية المشاركة في الدورة الثامنة والستين للبرليناله قضايا سياسية ودينية واجتماعية. وبينما يتحلى بعض المخرجين بالجرأة في المعالجة، يميل آخرون إلى نوع من "الحشمة" وفرض رقابة ذاتية خوفا من العواقب. في هذا الحوار يكشف الناقد السينمائي المصري أحمد شوقي أسباب غياب أو حضور الجرأة في الأفلام العربية المشاركة.
DW عربية: السيد أحمد شوقي، تابعت الأفلام العربية المشاركة في الدورة الحالية من البرليناله. ماهو تقييمك لها بشكل عام؟ أحمد شوقي: الحضور العربي هذه السنة في مهرجان برلين أقل وأضعف من السنوات الماضية. فعندما انطلق ما يسمى "بالربيع العربي" أواخر 2010 والمهرجان له بعد اجتماعي وسياسي واضح كما أعلن المدير الفني أكثر من مرة، أبدى حينها لمهرجان اهتماماً كبيراً بالأفلام القادمة من المنطقة العربية. وحسب متابعتي وحضوري لآخر خمس دورات، فكان معدل الأفلام المعروضة حوالي 20 فيلماً عربياً في كل دورة. في هذه الدورة هناك 12 فيلما منها فيلم جزائري قديم تم ترميمه وعرضه من جديد.
في نظرك ما هو سبب تراجع عدد الأفلام العربية المشاركة؟
أعتقد أن المنطقة العربية لم تعد قضية الساعة سينمائيا، لأن برمجة المهرجانات للأفلام لها أكثر من بعد. لها بعد فني يرتبط بالمستوى الفني للعمل وله بعد يتعلق بصانع العمل؛ حيث نجد مثلا المخرج المغربي هشام العسري أصبحت له علاقة وطيدة بالمهرجان ويعرض كل أفلامه الجديدة، بغض النظر عن قيمتها. والشق الثاني له علاقة بالموضوع الذي يطغى على المشهد العالمي. هذه السنة وبشكل معلن هو حملة "أنا أيضا" (مي تو) وقضايا التحرش الجنسي في هوليوود وغيرها. وقبل سنتين كان موضوع اللاجئين والهجرة الغير مقننة هو الموضوع الرئيسي للأفلام سواء العربية أو الأجنبية التي كانت تتنافس آنذاك.
فأظن أن الرقم الحالي 12 فيلماً هو الرقم المنطقي أكثر والذي يلائم حجم إنتاج السينما العربية. رقم 20 كان إلى حد ما مرتبطا بالحدث؛ لأن المنطقة العربية كانت هي محور اهتمام العالم في ذلك الوقت. وبالتأكيد انعكس هذا على ألمانيا مع تدفق اللاجئين والمهاجرين.
الناقد أحمد شوقي: السينما العربية بشكل عام محتشمة في تناول الطابوهات
00:39
الكثير من الأفلام العربية المشاركة تطرقت لقضايا سياسية واجتماعية في البلدان العربية. هل ترى أن المخرجين تحلوا بالجرأة الكافية لمعالجة تلك المواضيع أم أن المقاربة كانت محتشمة؟
بالتأكيد من الصعب أخذ رأي قاطع عن كل المخرجين، لأن المواضيع تختلف من مخرج لآخر، لأنه أحيانا الجرأة ومقارعة الطابوهات تكون هي المطلوبة وأحيانا يكون العكس هو المطلوب. على سبيل المثال فيلم "هشام العسري" المعروض في فقرة "الفوروم" هذه السنة والذي يحمل عنوان "الجاهلية" وحتى الفيلم الذي كان قبله "ضربة في الراس" وقبله "جوع كلبك"، كلها أفلام جريئة. فهشام العسري لديه هذا الإهتمام الشديد بتاريخ السلطة السياسية المغربية وعلاقتها بالشعب تاريخيا حتى منذ عهد الحسن الثاني.
هذه الموضوعات تحتاج بطبيعتها إلى جرأة شديدة، ومن شاهد أفلامه مثلا "ضربة في الرأس" أو "جوع كلبك" سيلاحظ حضور الجرأة المفرطة وحتى للحماس الشديد لمقارعة الطابوهات لأن هذا ما يحتاجه الموضوع. في المقابل مثلا فيلم "الجمعية" لريم صالح المخرجة اللبنانية المعروض الآن في البانوراما فهو في رأيي كان خياراً واعياً من المخرجة عدم التطرق للسياسة إطلاقا بالرغم من أنها حسب ما قالته في العرض وفي حوارات مختلفة إنها كانت تمتلك من المادة ما يكفي لتحويل الفيلم إلى فيلم سياسي صور في حي مصري شعبي على مدار ست سنوات حيث كانت كل التقلبات والأحداث السياسية؛ لكنها اتخذت قراراً واعيا ليكون فيلمها إنسانياً ـ وليس سياسيا ـ عن الشخصيات التي تعيش في ذلك الحي.
الناقد أحمد شوقي: سبب الرقابة الذاتية هو الرغبة في عرض الأفلام محليا
00:38
This browser does not support the video element.
لكن ألا ترى أن المخرجين العرب يقومون بنوع من الرقابة الذاتية إما خوفا من مقص الرقيب أو من ردة فعل الجمهور؟
رأيي هو أن الرقابة موجودة في كل مكان في العالم وعند كل مخرج في العالم. لكن فيما يتعلق بمنطقتنا العربية، المخرج يحاول أن يطرح موضوعات مهمة ويطرح ما يشغله، لكنه يعمل أيضا في سياق اجتماعي وثقافي وسياسي مختلف بحيث ينبغي أن يكون واعيا به جدا. وحتى ولو قرر ألا يقيد نفسه بأي قيود أو رقابة ذاتية أظن أن هذا يحدث بشكل غير واع لسبب بسيط وهو أن كل مخرج يرغب في عرض أفلامه لجمهوره خصوصا الجمهور المحلي. أنا لا أصدق أن مخرجا مصريا أو تونسيا أو لبنانيا يود أن يعرض فيلمه في برلين فقط دون بلده. فعقلي يرفض قبول هذا التبرير. ولذلك فإن المخرجين تلقائيا وحتى بشكل غير واع لا يصورون أحيانا بعض المشاهد خوفا من تعرضها لاحقا لمقص الرقيب.
دعني أقول لك قصة واقعية عن بعض "الألاعيب" التي تعلمها المخرجون: لي صديق مخرج مصري دون ذكر الأسماء، كان يتعمد كلما كان عنده مشهد جريء في السيناريو أن يكتب في السيناريو مشهدا أكثر جرأة وهو يعلم أنه من المستحيل أن يقبلوه رقابيا، لكن عندما يمر من لجنة رقابة السيناريو ويعترضون عليه فإنه يتفاوض معهم فيحذف المشهد الذي هو في الأساس لم يقرر أن يصوروه ويحتفظ بالمشهد الذي يريده. لأن المسألة في النهاية مسألة تفاوض. عندما تأمر لجنة الرقابة بحذف خمسة مشاهد مثلا يقول لهم سأحذف ثلاثة مشاهد أو مشهدين وهذا ما يحصل في أغلب الأحيان.
ماذا يفترض القيام به في هذه الحالة لتجاوز هذا التخوف من ردة فعل الجمهور؟
أعتقد أن تأهيل الجمهور موضوع رئيسي ولا يجب أن تشتغل عليه فقط الحكومات العربية ووزارة الثقافة والأجهزة المنوط بها التوعية والوضع الثقافي، لكنه أيضا مسؤوليتنا كمخرجين ونقاد ومثقفين سينمائيين. وهذا أحاول شخصيا التطرق له في كتاباتي وأقول للناس إنه لا توجد أسطورة تسمى منظومة القيم والأخلاق المحلية. تم تخويف الناس دائما بالقول إن هذا أو ذاك لا يناسب التقاليد المغربية أو العادات المصرية، والحقيقة أنه لا يوجد شيء اسمه الأخلاق والعادات المصرية، لأنها مختلفة أيضا حتى داخل نفس البلد. إذ من الممكن أن تجد ثلاث بيوت مجاورة لكل منها منظومتها القيمية وقناعاتها الدينية والاجتماعية. وفكرة قيام أي سلطة مهما كانت بافتراض أن هذه أخلاقنا وتجاوزها ممنوع، هي بالتأكيد فكرة تنتمي للعصور الماضية. ودور المثقفين السينمائيين والنقاد والصحافيين وصناع الأفلام هو أن يذكروا الناس بأنه توجد أفكار مختلفة وأيضا أفلام مختلفة.
حاوره: عبد الرحمان عمار. برلين
أحمد شوقي. ناقد سينمائي مصري درس السينما في القاهرة. ألف خمسة كتب حول السينما. كما أخرج أفلاما قصيرة وفيلما تسجيليا. يشارك منذ خمس سنوات في مهرجان البرليناله. وسبق له أن أدار مسابقة "آفاق السينما العربية" ضمن فعاليات الدورة التاسعة والثلاثين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
في صور- الرقابة على السينما في أوروبا
مارست جهات الحكومية ودينية الرقابة على الأفلام منذ انطلاق السينما. ويتناول معرض "ممنوع! الرقابة على السينما في أوروبا" في في فيزبادن الألمانية هذا الموضوع. وبإمكان الزوار التعرف عن كثب على مظاهر الرقابة إلى مطلع مايو.
صورة من: Bernd Sobolla
من المحظورات: الجنس
يعد فيلم "النشوة" التشيكي من عام 1933 من أوائل الأفلام التي تعرضت للحجب، إذ تناول الفيلم قصة امرأة، لعبت دورها هيدي لامار، طلبت الطلاق من زوجها لأنه لم ينجح في تلبية شهواتها الجنسية لتبدأ علاقة جنسية مع رجل غريب عنها. وقد منع الفيلم في ألمانيا بسبب"تلميحات فادحة لغرائز هابطة".
صورة من: Národní Filmový Archiv, Prag
لمحة عن ماضي الرقابة
إلى جانب فيلم "النشوة" يعرض معرض "ممنوع! الرقابة على السينما في أوروبا" في دار السينما في مدينة فيزبادن الألماني حوالي أربعين فيلماً. وبإمكان الزوار أن يأخذوا خلال المعرض لمحة عن الرقابة السينمائية في القرن العشرين. وقد تم حظر أغلبية الأفلام لسببين: إما سياسي أو أخلاقي.
صورة من: Bernd Sobolla
القوة الهائلة للأفلام الصامتة
منذ بدايات السينما، أي منذ الأفلام الصامتة، والرقابة تعمل على حذف ما لا يروق لها أو حظر الفيلم بأسره. ومن بين الأفلام التي طالها مقص الرقابة هو الفليم السوفييتي "بارجة بوتمكين" التي عرض لأول مرة عام 1925 في مسرح بولشوي في موسكو ولاقى حينها إعجابا كبيرا. أما في الامبراطورية الألمانية آنذاك قفد تم حذف مشاهد تظهر كيف يقوم البحارة المتمردون برمي رؤسائهم من على متن البارجة الحربية إلى قاع البحر.
صورة من: Deutsches Filminstitut - DIF, Frankfurt
الرقابة النازية على الفن السابع
كانت الرقابة مسلطة بشكل كبير على الأعمال الفنية والسينمائية خلال الحكم النازي لألمانيا. وكانت مثلا هناك أفلام يسمح بإنتاجها وتصويرها ولكنها تتعرض للحظر فيما بعد، على غرار فيلم "اليوم الساحر" من عام 1943 للمخرج بيتر بيفاس. ويروي الفليم قصة شابة تعمل في كشك في محطة القطار و تقرر الانفصال عن خطيبها الثقيل الظل. ولكن الرقابة النازية قضت بحظر الفيلم بسبب الدور التحرري للمرأة فيه.
صورة من: Bernd Sobolla
انتهاك مزدوج
تدور أحداث فيلم "الحرية العظمى رقم 7" من إخراج هيلموت كويتنر حول بحار سابق، يلعب دوره هانز ألبرس، يحلم بالحرية و البحر. وقد قررت الرقابة النازية حظره لأنه يظهره البحرية من منظور ناقد. وقد عرض الفيلم في براغ، عاصمة التشيك، أمام جمهور مختار.
صورة من: Bernd Sobolla
فضيحة فيلم "الآثمة"
عام 1951 هز فيلم "الآثمة" ألمانيا، الذي يروي قصة المومس مارينا التي تقع في حب رجل مريض ومهدد بالموت في كل لحظة. وفي يوم من الأيام، لم تعد المومس تتحمل معاناة حبيبها، فقررت قتله قبل أن تتنتحر. وقد مُنع الفيلم تحت إلحاح شديد من الكنيسة المسيحية وعدد من رجال السياسية بحجة "أن يمجد الدعارة والقتل الرحيم والانتحار."
صورة من: Deutsche Kinemathek - Museum für Film und Fernsehen, Berlin
احتجاجات في الشارع وانتقادات من الكنيسة
ويعرض المعرض "ممنوع! الرقابة على السينما في أوروبا" أيضا ردود الفعل التي أثارها فيلم "الآثمة". وقد خرج حينها العديد للاحتجاج في الشوارع ضده. كما تم استخدام قنابل الرائحة والفئران البيضاء في قاعات السينما للحيلولة دون عرضه. وكاردينال كاتدرائية كولونيا وجه لصناع الفيلم شديد الانتقادات.
صورة من: Bernd Sobolla
تغيير مضمون الفيلم
يوثق المعرض أيضاُ تلاعب الرقابة بمضامين الأفلام، فعلي سبيل المثال تم في ألمانيا النازية آنذاك تحوير مضمون الفيلم الكلاسيكي "كازابلانكا" بشكل جعل من الفيلم المعادي للنازية فيلم مغامرة. وخوفاً على "مشاعر الألمان" قام النازيون بتحويل بطل الفيلم المعارض فيكتور لازلو من مقاوم للنازية إلى مخترع لـ "أشعة دلتا" الغامضة.
صورة من: Deutsche Kinemathek - Museum für Film und Fern-sehen, Berlin
عرض النسخة الأصلية عام 1975
عرضت النسخة المعدلة لفيلم "كازابلانكا" في دور السينما الألمانية عام 1952 بعد أن حذفت تقريباً كافة المشاهد الدالة على الحرب العالمية الثانية. واستمر الأمر على هذا الحال حتى عام 1975، حيث عرض التلفزيون الألماني الفيلم الأصلي لأول مرة.
صورة من: Bernd Sobolla
المثلية الجنسية
عام 1957 أثار فيلم "خلافاً لي ولك" من إخراج المخرج ذي الإيديولوجية النازية فيت هارلان فضيحة في ألمانيا، إذ تناول قصة مثليين جنسيين. وقد رفضت السلطات في البداية السماح بعرضه في دور السينما الألمانية. الأمر الذي دفع بالمخرج إلى إعادة تصوير بعض المشاهد وإعادة المونتاج. وقد سمح بعدها بعرض الفيلم المعدل لمن هم فوق 18 من العمر.
صورة من: Deutsche Kinemathek - Museum für Film und Fernsehen, Berlin
الرقابة في ألمانيا الشرقية
كثيرة هي الأفلام التي آل مصيرها إلى الأقبية قبل أن ترى النار في ألمانيا الشرقية وخاصة في الستينات. فمثلاً فيلم "كارلا" الممنوع في ألمانيا الشرقية آنذاك يروي قصة مدرسة تحفز تلاميذها على التفكير باستقلالية وطرح الأسئلة، لا الأخذ بالمسلمات وترديد الشعارات الحزبية فقط. وبالطبع أثار الفيلم استياء الرقابة.
صورة من: Deutsches Filminstitut - DIF, Frankfurt
الرقابة في أوروبا الشرقية
بعد "ربيع براغ" عام 1968 شددت السلطات في دول أوروبا الشرقية قبضتها على العديد ومن من الحريات الفنية، حيث حظرت الرقابة فيها الكثير من مشاريع الأفلام وهي بمرحلة كتابة السيناريو. ويعد فيلم " أنا أحب، أنت تحب" من إخراج دوسان هاناك أحد الأفلام التي حظرتها السلطات بعد إنتاجها. ويصور الفليم أناسا حياتها كئيبة والكحول ملاذها الوحيد، الأمر الذي كانت الاشتراكية المثالية آنذاك وصم نفسها به.
صورة من: Slovak Film Institute, Bratislava
حظر الأفلام بسبب العنف المفرط
يعتبر عرض مشاهد العنف المفرط السبب وراء حظر فيلم "برتقالة آلية" للمخرج ستانلي كوبريكس لمدة 25 عاماً في بريطانيا. فالفيلم المبني على رواية أنتوني برجس يروي قصة ترهيب رئيس عصابة من الشباب لمنطقة بأسرها. وفي الولايات المتحدة تم حذف بعض المسشاهد في الفيلم، أما في بريطانيا فبعد حظره لفترة قصيرة في دور السينما، تم حظر عرضه بالكامل.
صورة من: Deutsches Filminstitut - DIF, Frankfurt
المعرض حتى الرابع من أيار/ مايو
تم تنظيم المعرض في مدينة فيزبادن من قِبل مؤسسة فريدريش فيلهيلم مورناو ومركز هامبورغ للبحوث المختصة بالافلام (CineGraph). وقدمت مؤسسات أخرى ايضا الدعم، كمؤسسة "ديفا". ويمكن زيارة معرض "ممنوع! الرقابة على السينما في أوروبا " حتى الرابع من أيار/ مايو المقبل.