في وقت الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية يكثر البحث عن مخرج يضمن البقاء على قيد الحياة بشكل أو بآخر، خاصة وأن تركيز وسائل الإعلام يكون على الحرب وأحداثها، على الدمار الشامل وتبعاته وليس على النواحي الروحية والثقافية، ولذا تكون حاجة الشعوب ماسة لرؤية وسماع شيء جديد، للخروج من دوامة العنف اللامنتهي. ولمعالجة مثل هذه القضايا عقدت مؤسسة فريدريش إيبرت بالتعاون من معهد غوته في العاصمة الألمانية، برلين، مؤتمرا حول دور الرياضة والثقافة في التعايش وفهم الآخر في مناطق الأزمات والحروب.

مشاركة ألمانية فاعلة

منذ الإعلان عن مبادرات إعادة إعمار العراق كانت ألمانيا ولا زالت من بين الدول التي تشارك بفاعلية في دعم الشعب العراقي ومؤسساته العامة. وهناك رغبة قوية لدى الدولة الاتحادية في إعادة بناء عراق ديمقراطي ينبض بالحياة. هذه المشاركة تبرز بشكل واضح من خلال المؤتمرات والمساعدات العينية والمادية التي تقدمها ألمانيا للعراق وغيره من دول الشرق الأسط. وكان آخر هذه الندوات مؤتمر برلين للثقافة والرياضة ودور ذلك في فهم الآخر. وهنا يقول باتريك هاينتس من مجموعة العمل من أجل الحوار مع العالم الإسلامي لدى وزارة الخارجية الألمانية: "إن مشروع راديو مؤسسة فريدريش إيبرت والموجّه للأجيال الشابة يعبر عن مدى الدعم الألماني في إعادة الحرية والحياة الطبيعية للعراقيين، إلى جانب ذلك هناك منح خاصة للطلاب العراقيين والذين تم إحضارهم إلى ألمانيا على نفقة المؤسسة الألمانية للتبادل الأكاديمي (DAAD)، كما أن هناك مساعدات تقنية من أجل حماية المعالم الأثرية والتراث الثقافي. من جهة أخرى انطلقت في شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي في ألمانيا مبادرة (10 آلاف كتاب للعراق)." من جهتها عملت مؤسسة دويتشه فيله على تدريب ستة صحفيين عراقيين وذلك في شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول في نفس العام.

ويمكن اعتبار الإرث الثقافي في العراق حجر الأساس لوحدة هذا البلد، وهنا أشارت بيربل شتارك، المفوضة الألمانية من معهد غوته في العراق إلى "أن التوجهات الثقافية كالمسرح أو الفلم تعتبر أرضية خصبة من أجل تطوير الأفكار النيرة لدى الأجيال القادمة وكذلك كبار السن وصولا إلى سبل جديدة في حل الصراعات والخلافات القائمة. وليكن لنا في أفريقيا مثالا يحتذى به، حيث لا يمكن الحديث هناك عن الإيدز إلا على خشبة المسرح، في الوقت الذين يشعر الناس بالخجل عند تناول هذا الموضوع في حياتهم اليومية. ولكن علينا عدم الانتظار من الثقافة والرياضة أن تحل المشاكل غير الثقافية والرياضية، ولكن يمكن اعتبارها عاملا مشجعا لفهم الآخر والحياة."

الرياضة كجسر بين الثقافات

تعتبر الرياضة من أهم المقومات التي تساعد الأجيال الشابة على فهم الواقع بصورة مختلفة والتعامل معه بطريقة مغايرة، سواء كان ذلك في احترام الخصم أو في التعامل معه بروح رياضية. ولذا لا يمكن تأثير الرياضة في كثير من الأحيان والبلدان، وهنا يقول باتريك هاينتس من وزارة الخارجية الألمانية: "لم يكن اعتبار عام 2005 من قبل الأمم المتحدة "عام الرياضة العالمية" عبثا، فهذا يمكن اعتباره تحولا في التعامل مع الرياضة كإحدى القيم الإنسانية القائمة على اساس احترام الآخر والاعتراف بالقواعد والروح الرياضية. فالرياضة تعتبر حدثا عالميا، قواعدها سهلة ويمكن فهمها بسرعة إلى جانب أنها عامة." بإمكان الرياضة ربط الكثير من الناس رغم اختلافاتهم الثقافية والاجتماعية مع بعضهم البعض، وهذا ليس فقط في العراق وإنما أيضا في العديد من البلدان، لأنها تمثل جزءا من الحياة الطبيعية. وفي هذا الصدد يقول مدرب فريق كرة القدم العراقي في الفترة ما بين 2000 و 2004 الألماني بيرند شتانغي من مدينة يينا الألمانية بأن " كرة القدم يتم لعبها في جميع دول العالم، سواء في العراق أو كوريا الشمالية أو حتى في البلاد الأفريقية وكوبا، ولذا كان هذا الدافع لي لتدريب الفريق العراقي، لما يحمله ذلك من معان في تدريب الأجيال الشابة، وكذلك تربيتها وتعليمها، لكي تقدم الأفضل في قواعد الكرة إلى جانب الوحدة على أرضية الملعب." هذه الوحدة التي قد تنعكس في كثير من الأحيان على الحياة اليومية.

وكانت نتيجة هذا النشاط في العراق للمدرب شتانغي أنه تسلم جائزة مرموقة من قبل رئيس اتحاد كرة القدم "الفيفا" جوزيف بلاتر. ونجد في هذه الأثناء بعض لاعبي العراق في العديد من الأندية الأجنبية. على صعيد آخر يضيف شتانغي أنه من الصعب في هذه الآونة إعادة البسمة إلى وجوه العراقيين وفتيان بلاد الرافدين نظرا لما تمر به هذه البلاد من وضع لا سئ، لكن ومن جهة نظرأخرى، فإن في الثقافة والرياضة متنفسا وبصيصا من الأمل في إعادة الضوء لظلمة الحياة هناك. ويعبر المدرب السابق عن فرحته لإحضار مجموعة من لاعبي العراق إلى ألمانيا من أجل تدريبهم، حيث سيتم تدريب 20 لاعبا للفريق الوطني العراقي.