1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW
تاريخألمانيا

الرياضة في العصر النازي .. أيديولوجيا ودعاية ووسيلة للسيطرة

٥ مايو ٢٠٢٥

أي أهمية كانت للرياضة بالنسبة للنازيين؟ وما الذي دعموه بشكل خاص؟ ولماذا تغيّرت نظرتهم إلى الألعاب الأولمبية؟ وهل أتيحت ممارسة الرياضة لليهود في الرايخ الثالث؟ وأي اتحادات الرياضة كانت الأكثر تطرفا؟

أدولف هتلر يحضر مراسم تنصيب الفائزات بمسابقة رمي الرمح للسيدات في أولمبياد برلين عام 1936.
لم يكن أدولف هتلر من عشاق الرياضة، بل إنه رفض الألعاب الأولمبية، ولكنه كان سعيدًا بالظهور في دورة برلين عام 1936 مع الفائزين بالميداليات لألمانيا، هنا بعد منافسات رمي الرمح للسيدات مع لويزه كروغر (الثانية من اليسار، الميدالية الفضية) وتيلي فلايشر (على اليمين، الذهبية).صورة من: arkivi/picture alliance

ما مدى أهمية الرياضة بالنسبة للنازيين؟


لعبت الرياضة دورًا مهمًّا عند  النازيين،  إلا أنّهم لم يُطلقوا عليها اسم "رياضة"، بل كانوا يسمّونها "تربية بدنية". وكان الهدف الأسمى بالنسبة إليهم هو تعزيز الصحّة والقدرة الجسدية من أجل اقتصاد قوميّ منتِج، وفي نهاية المطاف أيضًا من أجل الاستعداد للحرب. أمّا الرياضات الفردية فقد تراجعت إلى الخلف.

فقد كان التركيز على الجماعة، أي على الكتلة، على ما يُسمّى بـ"جسد الشعب"، والذي كان ينبغي على كلّ فرد ألماني أن يُسهم فيه بأفضل ما يمكن. وكما كانت الحال دومًا، وفقًا للأيديولوجيا النازية، فإنّ المسألة كانت تدور حول القوّة والقدرة على القتال.

"الضعيف يجب أن يُسحَق"، هكذا يبدأ اقتباس يُنسب إلى أدولف هتلر. "في حصوني العسكرية، سينشأ شبابٌ سيرتعب منه العالَم. أُريد شبابًا عنيفًا، مُتسلّطًا، لا يعرف الخوف، قاسيًا. (...) سأجعلهم يتدرّبون على جميع التمارين البدنية".

بالإضافة إلى التدريب العسكري والتعرف على الأسلحة، تضمنت برامج منظمة شبيبة هتلر أيضًا منافسات رياضية. صورة من: Judaica-Sammlung Richter/picture alliance

لهذا السبب كانت هذه التمارين البدنية إلزامية في العديد من منظمات النازية الجماهيرية، مثل "الشبيبة الألمانية " (DJ)، و"شبيبة هتلر " (HJ)، و"رابطة الفتيات الألمانيات " (BdM)، أو منظمة "القوة من خلال الفرح (KdF) "، كما نُصِح أيضًا بالانضمام إلى نادٍ رياضي.

في منظمة شبيبة هتلر، وكذلك في الرياضة المدرسية، كانت التمارين البدنية تهدف، لا سيما بالنسبة إلى الفتيان، إلى تلقين السلوك العسكري والانضباطي، وإلى انتقاء أولئك الشباب الذين قد يكونون لاحقًا مؤهّلين لتولّي مناصب قيادية في الجيش (الفيرماخت).

أما الرياضة التنافسية ذات الطابع الدولي، فقد نظر إليها النازيون نظرة نقدية – لا سيّما في مرحلتهم المبكرة، خلال فترة جمهورية فايمار. يقول المؤرّخ أنسغار مولتسبيرغر من الجامعة الألمانية للرياضة في كولونيا لـ DW: "كانت تلك تعبّر عن الطابع الدولي، عن الحركة الأولمبية، عن التعاون، والتفاهم بين الشعوب". "وقد رُفض ذلك أيديولوجيًّا".

أدولف هتلر في افتتاح الألعاب الأولمبية. استخدم أدولف هتلر والحزب النازي دورة الألعاب الأولمبية في برلين عام 1936 لأغراض البروباغاندا. صورة من: TopFoto/IMAGO

 

لماذا نظّم النازيون الألعاب الأولمبية سنة 1936 رغم ذلك؟

لقد أُسنِدت الألعاب الأولمبية إلى برلين، التابعة لجمهورية فايمار آنذاك، من قِبل اللجنة الأولمبية الدولية (IOC) في عام 1931، أي قبل وصول النازيين إلى الحكم. وكان النازيون في الأصل مناهضين تمامًا للحركة الأولمبية، وقد عبّروا عن ذلك بوضوح وصراحة.

فالفكرة العالمية للألعاب الأولمبية كانت تتعارض مع رؤيتهم للعالَم، والمنافسة الرياضية مع شعوب "العدو" من الحرب العالمية الأولى كانت تُعدّ بالنسبة إليهم إهانة لشرفهم. كما رفضوا النظام الأساسي للجنة الأولمبية الدولية الذي ينصّ على مساواة اليهود و"السود" مع الأعراق الأخرى، وذلك لأسباب عنصرية.

غير أنّ القيادة النازية – وعلى رأسها  هتلر – أدركت سريعًا ما تتيحه هذه الألعاب من فرصة للظهور أمام العالَم بمظهر الدولة المسالمة، المنفتحة، الشابة. يقول المؤرّخ مولتسبيرغر: "لقد حدث تحوّل مذهل". "فبينما كانت الحركة الأولمبية، بقيمها في التفاهم بين الشعوب والطابع الدولي، تُرفَض رفضًا صارمًا حتى نهاية عهد فايمار، بدأ النازيون فجأةً يتصرّفون وكأنهم من أكبر داعمي هذه الحركة". وفوق ذلك، أرادوا استغلال الألعاب لعرض قوّتهم – سواء من حيث التنظيم الجيّد أو من خلال تحقيق النجاحات الرياضية.

هل كانت هناك رياضات حظيت بدعم خاص من قبل النازيين؟

يقول مولتسبيرغر: "من بين الرياضات التي يمكن تسليط الضوء عليها في سياق المدارس، كانت  الملاكمة،  التي فرضها النازيون إلزاميًّا على الفتيان الأكبر سنًّا". "كان على الجميع تعلّم الملاكمة في دروس التربية البدنية المدرسية".

كانت هناك أيضًا رياضات جماعية مثل كرة القدم وكرة اليد، لكن حتى في هذه الرياضات، كان التركيز دائمًا على فكرة القتال. يضيف مولتسبيرغر: "الأمر كان يتعلّق بالقدرة على الدفاع، وبخوض المغامرة الجماعية"، "وكان ينبغي التأكيد على هذه المفاهيم أيضًا من خلال الرياضات الجماعية".

كان أدولف هتلر من أشد المعجبين بالملاكمة. هنا لقاء بين الزعيم النازي وبين بطل العالم في الملاكمة ماكس شميلينغ (الثاني من اليمين) وزوجته آني أوندرا (30/11/1935) صورة من: dpa/picture-alliance

كيف كانت التمارين البدنية للفتيات والنساء؟


حتى الأنشطة الرياضية للنساء كانت مشبعة بالأيديولوجيا النازية.  فقد كانت المرأة تُختزَل أساسًا في دورها كأم وربة منزل. ومن أجل أن تُؤدّي هذا الدور على النحو المطلوب، كان عليها أيضًا أن تُدرّب جسدها، وتحسّن صحتها ولياقتها البدنية، وتقوّي انضباطها الذاتي.

ولهذا السبب، كانت هناك تمارين بدنية أيضًا في "رابطة الفتيات الألمانيات" (BDM)، التي كانت تُنظّم الفتيات من سنّ العاشرة إلى الثامنة عشرة، وكانت تهدف إلى تدريب الفتيات بدنيًّا، وفي الوقت نفسه أيديولوجيًّا، وإعدادهنّ لأدوارهنّ المستقبلية في المجتمع.

 

هل كان يُسمح لليهود واليهوديات بممارسة الرياضة؟

 

بعد وقت قصير من استيلاء النازيين على السلطة، تمّ في السابع من نيسان /أبريل عام 1933 سنّ قانون ينصّ على أنّ  الموظفين والعاملين في القطاع العام  يجب أن يكونوا من "العرق الآري"، وإلا فلن يُسمح لهم بالاستمرار في العمل في الدولة.

وقد تمّ توسيع هذا "البند الآري" تدريجيًّا بهدف إقصاء اليهود واليهوديات من الحياة المهنية والاجتماعية، فطُبِّق لاحقًا على الأطباء والطلاب وعلى محطات الإذاعة والصحافة والمسرح وغير ذلك من المؤسسات الثقافية والجمعيات.

وقد شمل هذا البند من حيث المبدأ النوادي الرياضية أيضًا، إلا أنّ تطبيقه في هذا المجال لم يُفرَض في البداية بصرامة من قِبل القيادة النازية، وذلك مراعاةً لاستضافة برلين المرتقبة للألعاب الأولمبية عام 1936. فقد أرادوا تجنّب العناوين السلبية في الصحافة، وعدم إعطاء مبرّرات لسحب تنظيم الأولمبياد من ألمانيا أو الدعوة إلى مقاطعتها. رغم ذلك، ظهرت انتقادات ودعوات للمقاطعة، وازدادت حدّتها بعد إقرار قوانين نورمبرغ العنصرية في عام 1935، التي شكّلت لاحقًا الأساس القانوني لاضطهاد اليهود وإبادتهم.

شكلت قوانين نورمبرغ العنصرية الأساس القانوني للأيديولوجيا المعادية للسامية التي تبناها النازيون بداية من عام 1935. صورة من: epa/AFP/Skirball Cultural Center/dpa/picture alliance

ومع ذلك، بدأ العديد من الأندية والاتحادات الرياضية، والتي كان قادتها متحمّسين بشكل خاص للأفكار النازية، في تنفيذ البند الآري من تلقاء أنفسهم، وبنوعٍ من الطاعة الاستباقية. فعلى سبيل المثال، قام اتحاد الجمباز الألماني – الذي كان أكبر اتحاد رياضي في ألمانيا آنذاك وضمّ مليونًا ونصف مليون عضو – باستبعاد اليهود واليهوديات بعد يوم واحد فقط من صدور القانون. 

وسارت اتحادات أخرى على هذا النهج، مثل اتحادات السباحة والتجديف والتزلج. أما الاتحاد الألماني لكرة القدم  (DFB)، فقد كان أقلّ تطرّفًا، حيث سمح لليهود بالاستمرار في اللعب، لكنهم لم يعودوا قادرين على شغل مناصب قيادية في الأندية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك كارل لانداوَر، الذي شغل لسنوات طويلة منصب رئيس نادي بايرن ميونيخ  في عهد جمهورية فايمار، لكنه اضطر إلى الاستقالة من منصبه في عام 1933.

وبسبب هذه السياسات الإقصائية، شهدت الأندية الرياضية اليهودية  الخالصة ازدهارًا كبيرًا بين عامي 1933 و 1936، وارتفع عدد أعضائها بشكل واضح. لكن بعد انتهاء أولمبياد 1936، تدهورت أوضاع اليهود واليهوديات في ألمانيا بشكل متزايد.

يقول المؤرّخ أنسغار مولتسبيرغر: "بعد انتهاء الألعاب، سقط القناع". "ومع بدء الاضطهاد الفعلي لليهود اعتبارًا من عام 1938، تمّ القضاء على الرياضة اليهودية بشكل ممنهج".

أعده للعربية: عباس الخشالي/ تحرير: صلاح شرارة

 

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW