الرياضة ولعنة السياسة.. متلازمة قديمة تصل شظاياها لميسي
٦ يونيو ٢٠١٨
"أبعدوا الرياضة عن السياسة" شعار لطالما سمعناه على ألسنة سياسيين ومسؤولين رياضيين خلال الفترة الماضية. ويزداد هذا الشعار حدة كلما ظهرت أزمة يختلط فيها السياسي بالرياضي. وأسطع مثال على ذلك إلغاء مباراة الأرجنتين وإسرائيل.
إعلان
ألغيت المباراة الودية بين المنتخبين الأرجنتيني والإسرائيلي والتي كان من المقرر أن تقام في التاسع من الشهر الحالي بمدينة القدس، في إطار استعدادات فريق "التانغو" لمونديال روسيا 2018. وقالت مصادر إعلامية إسرائيلية إن إلغاء المباراة كان بسبب "ضغوط سياسية". ففي أول تعليق رسمي إسرائيلي، أعرب وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان عن أسفه لكون المنتخب الأرجنتيني "لم يقاوم ضغوط الذين يضمرون الكراهية لإسرائيل وهدفهم الوحيد انتهاك حقنا الأساسي في الدفاع، وتدمير إسرائيل".
كما أوضحت السفارة الإسرائيلية في بوينوس ايرس أنها "تأسف لإعلان تعليق إقامة المباراة" .. متحدثة عن وجود "تهديدات واستفزازات" بحق ميسي. الأمر الذي نفاه رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم جبريل الرجوب معتبرا، في مقابلة مع DWعربية، أن ذلك يدخل ضمن "بروباغاندا تستعملها إسرائيل للزج بالسياسة في الرياضة". وأضاف أن المباراة "تتعارض مع الشرعية الدولية، وتنتهك قوانين الفيفا، وبالمنطق التجاري فإنها ستتسبب في خسارة للأرجنتين". لكن الرجوب اعترف بأنه دعا إلى حرق قميص ميسي ومقاطعته في حال شارك في تلك المباراة.
إلغاء المباراة الودية بين الأرجنتين وإسرائيل، والاتهامات المتبادلة بين الجانب الإسرائيلي والفلسطيني، باستغلال الرياضة لتحقيق مآرب سياسية، تأتي قبل أيام على انطلاق مونديال 2018 والذي تستضيفه روسيا، المتهمة هي الأخرى من قبل خصومها الغربيين باستغلال هذا الحدث لتنفيذ الدعاية الروسية.
فهل باتت السياسة تسيّر الرياضة وتتحكم في مفاصلها؟ وما تأثير ذلك على العرس الكروي العالمي الذي ستحتضنه روسيا قبل أيام؟ ومن سيكون اقرب للمشجعين، حرارة الملاعب، أم حرارة السياسة؟
تسييس منذ الإغريق وحتى مونديال روسيا
"منذ أن كُتب للرياضة أن تتواجد على هذه البسيطة ظلت دائما مختلطة بالسياسة، وبالتالي فقد كنا دائما أمام تسييس الرياضة أو ترييض السياسة"، هكذا يصف الدكتور منصف اليازغي، الباحث المغربي المتخصص في السياسة الرياضية، العلاقة التاريخية التي تجمع بين السياسة والرياضة.
"فمنذ عهد الرومان والإغريق كان ينظر للأبطال المتوّجين على أنهم مصدر فخر للأمة الرومانية والإغريقية.. وقبل سنوات فقد استخدمت الرياضة كواحدة من أسلحة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي"، يقول اليازغي. وهو بذلك يشير إلى دعوة الولايات المتحدة المعسكر الرأسمالي إلى مقاطعة الألعاب الأولمبية في موسكو لعام 1980 وذلك للاحتجاج على التدخل السوفياتي في أفغانستان، فيما ردت 14 دولة محسوبة على المعسكر الشرقي بمقاطعة الألعاب الأولمبية لعام 1984 والتي أقيمت في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية.
وهكذا نجد أن علاقة السياسة بالرياضة حاضرة في كل زمان، لكن ما يتغير هو شكل تدبير تلك العلاقة ومدى عمق تأثير الأولى في الثانية. فبحكم أن "السياسة لا تعترف بحدود الاستغلال، فقد تكون الرياضة وسيلة مهمة لتسجيل نقاط سياسية"، يؤكد الدكتور اليازغي. ويشير إلى الإشكالات التي لاحقت روسيا قبل نيلها شرف استضافة كأس العالم 2018، حيث تم توظيف السياسة للطعن في أحقيتها في استضافة المونديال.
والان وقبل أيام من يوم الافتتاح مازال الجدل بين روسيا ودول غربية قائما على خلفية اتهامات لموسكو بتدبيرها عملية تسميم العميل الروسي المزدوج سكريبال. فيما يحاول "بوتين إظهار بلاده بمظهر الدولة القوية والقادرة على تنظيم كأس العالم بالرغم من العقوبات الاقتصادية المفروضة علي بلاده".
رونق الرياضة وغبار السياسة
إن الأمثلة التي تدعم نظرية استغلال السياسة للرياضة لا يمكن حصرها لكثرتها. فبالرغم من الدعوات التي تطلق في كل زمان ومكان، ومن قبل السياسيين والقائمين على الهيئات الرياضة، بضرورة تجنيب الرياضة ضغوط السياسة، إلا أننا نعيش تكرارا لتلك الممارسات التي "تفقد الرياضة شيئا من نقاوتها، لكنها تحافظ على رونقها مع كل منافسة جديدة" كما يقول الدكتور اليازغي.
فاستغلال السياسة للرياضة هو دليل على قوة الأخيرة في الوصول إلى قلوب الجماهير التي عادة ما تكون بعيدة كل البعد عما يجري في دهاليز السياسة. فهل كانت جماهير إنجلترا ستقبل بمقاطعة مونديال روسيا 2018 بسبب أزمة سكريبال؟ الجواب طبعا لا. يتساءل ويجيب الدكتور اليازغي المتخصص في السياسة الرياضية. ما يعني أن حتمية تأثر الجماهير بما يمليه السياسي ليست دائما صحيحة، وهو المثال الذي قد ينطبق على دعوة جبريل الرجوب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم الذي طالب بمقاطعة ميسي في حال شارك في مباراة الأرجنتين مع إسرائيل.
ي.ب/ أ.ح
السياسة وكرة القدم .. زواج مستمر رغم دعوات الطلاق!
كثيراً ما يتداخل السياسي في الرياضي داخل المستطيل الأخضر.. هذه هي أبرز الأحداث التي امتزج فيها الاثنان رغم محاولات الفصل بينهما.
صورة من: picture-alliance/Zumapress/M. Llop
انفانتينو في سوتشي
خلال جولة مطلع الشهر الماضي في سوتشي للاطلاع على ما أنجزته روسيا استعداداً لكأس العالم، قال رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جاني انفانتينو للرئيس الروسي: "بإمكانكم أن تجعلوها النسخة الأفضل في تاريخ المونديال"، ورد بوتين بمطالبة اللاعبين أن يقدموا "كرة قدم خالصة". لم يتضح مقصد الرئيس المضيف إذا ما كان يخشى حضور السياسة في ملاعب بلاده أم لا. لكن إن كان ذلك ما يعنيه فهل هي مخاوف حقيقية؟
صورة من: picture-alliance/Russian Look/Kremlin Pool
الأرجنتين تعتذر عن لقاء إسرائيل في القدس
وجد النداء الذي وجهه الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم استجابة، وألغيت المباراة الودية الأخيرة التي كانت مقررة بين الأرجنتين وإسرائيل. أن تكون القدس مكاناً للقاء على العشب الأخضر فهذا اعتراف جديد بكونها عاصمة وليست أرضاً محتلة، وفق ما تقول الأصوات المؤيدة للقضية الفلسطينية، فيما يرد المسئولون الإسرائيليون بإعلان أسفهم لنجاح خطابات الكراهية في مسعاها.
صورة من: Getty Images/AFP/H. Bader
علم إسرائيل
أثار علم إسرائيل أزمة أيضاً، حين رفعه المدافع الغاني جون بيتسيل بعد انتصار منتخب بلاده على نظيره التشيكي. وأدت موجة الانتقادات للخطوة إلى اعتذار الاتحاد الغاني لكرة القدم عن الأمر.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Weihrauch
أبو تريكة.. يتعاطف مع غزة
أوجد لاعب النادي الأهلي المصري محمد أبو تريكة لنفسه مكاناً خاصاً في قلوب الكثير من العرب بعد لقطة رفع فيها قميص منتخب بلاده لتظهر تحته عبارة "تعاطفا مع غزة" خلال احتفاله بهدفه في مرمى السودان في بطولة الأمم الأفريقية عام 2008، نال حينها بطاقة صفراء لكنه حصد شعبية كبيرة لتعبيره عن تضامنه مع أهالي القطاع في مواجهة الحصار المفروض عليهم.
صورة من: Twitter/ Yasser Ashour
أزمة مباراة مصر والجزائر في أم درمان
دخلت الاشتباكات بين جمهوري مصر والجزائر في مباراة التأهل إلى كأس العالم بالبلدين إلى مرحلة غير مسبوقة من التوتر والتراشق الإعلامي. انتقل العنف والسباب من ملعب أم درمان إلى شاشات التلفاز وأمام مبنى السفارة الجزائرية في القاهرة، لاحقاً اتهم كثيرون الإعلام الحكومي المصري بالتخطيط للأمر.
صورة من: Getty Images/AFP/K. Desouki
بي ان سبورت وأزمة بث المباريات
تيقن الجمهور السعودي من أنه لن يشاهد مباريات منتخب بلاده في المونديال بعد فشل مفاوضات إبرام صفقة مع شبكة بي ان سبورت القطرية، يحصل التلفزيون السعودي بمقتضاها على حق إذاعة مباريات منتخب المملكة، ونظراً للمقاطعة بين قطر والسعودية، توسطت فيفا بينهما، لكن المساعي فشلت في النهاية. السياسة تحرم الجمهور من التمتع بالساحرة المستديرة.
صورة من: picture alliance/sampics/C. Pahnke
صورة تميم في "خليجي 23 "
كانت الأزمة الخليجية فرصة أخرى لظهور السياسة في الملاعب، فبطولة خليجي 23 كانت مهددة بالإلغاء إن أُقيمت في قطر، لكن عودة النشاط الرياضي للكويت كان طوق نجاة فيما سيطر الشحن المتبادل على أجواء البطولة. انتشرت صورة للاعب حسن الهيدوسي يرتدي قميصاً رسم عليه وجه أمير قطر انتشار النار في الهشيم وتواترت أنباء وقتها عن انسحاب المنتخب السعودي نفاها لاحقاً رئيس هيئة الرياضة تركي آل الشيخ.
صورة من: Reuters/I. Al Omari
الألتراس في مصر.. ملاحقات لا تتوقف
وفي مصر أيضا تحولت رابطتا تشجيع الفريقين البارزين "الأهلي" و"الزمالك" إلى مجموعات تخشاها السلطة وتلقي القبض على المنتمين لها وتدخل في مفاوضات مع قياداتها. كانت أغنيات هذه المجموعات هتافات في ميدان التحرير إبان ثورة الخامس والعشرين من كانون ثان/يناير 2011، كما كانت تتردد في مدرجات الاستاد، لكن صوتها اختفى مع الإصرار على منع حضور الجماهير للمباريات "لأسباب أمنية".
صورة من: picture-alliance/dpa/EPA/A. Sayed
روكي أم جولن؟
بدت حينها مجرد لافتة. جمهور فريق جلطة سراي رسم وجه شخصية روكي للممثل سليفستر ستالون، وكلمة "انهض". لكن وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة ربطت بين تلك اللافتة وجزء من خطاب للمعارض التركي "فتح الله جولن". وتحدث مكتب رئيس الحكومة بن علي يلدريم عن فتح تحقيق في علاقة الأمر بمحاولة الانقلاب التي جرت في عام 2016.
صورة من: Twitter/Galatasaray
أزمة انفصال كاتالونيا تنتقل إلى مدرجات برشلونة
تحول ملعب كامب نو في برشلونة من مقصد لمحبي الفريق الكاتالوني إلى ساحة سياسية للتذكير بمواقف الإقليم الراغب في الانفصال عن إسبانيا. تتوقف أصوات الجماهير عن الهتاف للاعبين وتتجه الحناجر عند الدقيقتين الرابعة عشر والسابعة عشر بصراخات الرغبة في الفراق، والتذكير بما جرى في حصار المدينة عام 1714.