1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

الزواج المدني في لبنان بين الانتماءات الطائفية والقوانين العلمانية

١٢ مارس ٢٠١٢

الزواج في لبنان من أهم القضايا المطروحة في المجتمع المحلي، وهو يخضع بشكل وطيد للعادات والتقاليد السائدة في المجتمع. فمن بوتقة الزواج تُكوّن العائلة التي يعيرها اللبنانيون أهمية كبيرة كنواة اجتماعية تؤطر المجتمع.

Israeli couple places rings on their fingers as they stand on the promenade where they exchanged marriage vows in a mass civil ceremony in coastal resort of Larnaca, Cyprus, on Friday, June 17, 2011. The ceremony, which aimed to set a world record for a mass civil wedding, was organized by an Israeli agency specializing in civil weddings in Cyprus and the Czech Republic. Cyprus is a favorite destination for Israeli couples who opt for a civil ceremony to get married because of its close proximity to the country. (AP Photo/Petros Karadjias)
صورة من: AP

انطلاقا من أهمية الزواج كضرورة إنسانية واجتماعية، وبحكم أن لبنان بلد يحتضن العديد من الأقليات الطائفية فإن أبناء هذه الملل عززوا لدى أفرادها الشعور الطائفي وضرورة الاقتران من شخص من نفس الدين، إن لم نقل من الطائفة نفسها، وبالتالي أصبحت شؤون الزواج في عهدة المؤسسات الدينية بشكل كامل. وفي المقابل، هناك تيار من المثقفين ممن يرون الحاجة الماسة إلى توفير حلول اجتماعية بعيداً عن الخلفيات الطائفية تشجع على الاختلاط والانتقال إلى مجتمع علماني مبني على قوانين مدنية تشمل الأحوال الشخصية والزواج المدني الذي لم يقر بعد رسمياً في لبنان. ويرى الأب صليبا أن الزواج المدني منافٍ للدين المسيحي، ويشكل عمل زنى محرم من قبل الكنيسة. ويتفق معه في ذلك الشيخ نور الدين الذي يعارض قرانا لا يتم في إطار الشريعة الإسلامية. في ظل هذه القناعات المترسخة لدى عامة اللبنانيين كيف يبدو الأمر عند المتزوجين مدنياً، وكيف تنظر الدولة إليهم؟

الزواج المدني يواجه عدة عقبات

#b#

يذهب اللبنانيون الراغبون في الزواج مدنياً إلى خارج البلاد. والوجهة الأقرب لهم والأسهل من الناحية العملية هي جزيرة قبرص، كما فعلت نادين وزوجها وليام وهما من دينين مختلفين. وتقول نادين إنها اقترنت بزوجها مدنياً اقتناعا منهما بالقوانين المدنية وعدم رغبتهما في إقامة احتفال ديني.

"نحن لا نبحث عن المرونة والسهولة، بل نؤمن بأن الرجل والمرأة يجب أن يكونا متساويين في الواجبات والحقوق، وهذا ما توفره القوانين المدنية بشكل كامل وحصري. فالمجتمع في المنطقة يمعن في الانغلاق الديني، والدولة ما تزال لا تمارس المساواة بين الرجل والمرأة، فأنا أقترع في المدينة التي يصوت فيها زوجي وأولادي مسجّلون على دين أبيهم،" تقول نادين.

وتشرح أن الدولة ترفض العمل بالزواج المدني، لأن الساحة الاجتماعية والسياسية محكومة من قبل الطوائف الدينية التي لن تسمح أن تنتزع منها السلطة التي اكتسبتها فتفقد سيطرتها على المواطنين. وتقول نادين إنها شاركت في عدد من النشاطات التي طالبت بإقرار قوانين علمانية للأفراد بما في ذلك الحملة الوطنية لقانون الأحوال الشخصية المدني.

من جهتها تقول سيرينا عبد الكريم (22) التي تحبذ القران المدني إن الزواج، وهو فعل ارتباط يتوج الحب بين شخصين أكان دينياً أو مدنياً. لكنها تقر أن الزواج المدني يسهل الكثير من الأمور، ويتيح حرية الاختيار للأولاد، خصوصاً إذا كان مختلطاً. وتتابع سيرينا أن تنظيم إجراءات الزواج العلماني وإقراره داخل الأراضي اللبنانية يواجه عقبات يمكن حسب رأيها تخطيها إذا تم اعتماد تسوية ترضي رجال الدين من الجانبين. وتلاحظ سيرينا أن نسبة الزواج الديني بدأت بالانحسار مقارنة بالمدني، لاسيما في صفوف أبناء الجيل الجديد، وذلك حتى بين الأزواج من نفس الدين، لأن القران التقليدي في لبنان يصاحبه الكثير من الأعباء المادية التي تطلبها المؤسسات الدينية لإقامة الاحتفالات.

#b#

مشروع قانون أحوال شخصية متقدم

ومن جانبه يستغرب طوني داوود الناشط في حركة "شمل" التي قدمت مبادرة أطلقت عليها اسم مشروع "قانون لبناني للأحوال الشخصية" كيف أن بعض المواطنين ما زالوا ينظرون إلى الزواج المدني على أنه زواج شبه عرفي أو أمر مناهض للقيم الدينية. ويقول إن "شمل" قد اعتمدت في السنوات الأخيرة مشروع قانون متكامل للأحوال الشخصية. ففي 18 مارس/ آذار الماضي قدّمت "شمل" لمجلس النواب مسودة قانون بهذا الشأن، ولأول مرة في تاريخ الدولة اللبنانية يصل مشروع مماثل للجان المشتركة في البرلمان، وهو ما يصفه داوود بالإنجاز على صعيد النظام المدني. وقد حصلت قبل ذلك محاولات عدة مشابهة. ففي عام 1998 قدم رئيس الجمهورية الراحل الياس الهرواي مشروعاً بشأن الزواج المدني إلى مجلس الوزراء وتم قبوله من 21 وزيرا، لكنه وُضع آنذاك في أدراج المجلس بطريقة غير دستورية بسبب رفض رئيس الحكومة آنذاك التوقيع على المرسوم. وبالنسبة للتقدم الحاصل بخصوص المشروع المقترح من حركة "شمل" فإن داوود يشرح أنه وصل إلى لجان الأعمال في المجلس النيابي، لكن يجري تأجيل البث فيه باستمرار بسبب وجود ملفات أخرى عالقة يختلف النواب عليها على الدوام، ويقول إن غياب قانون أحوال شخصية من الدستور ينتقص من سيادة الدولة التي توافق على ما تقرّه الطوائف. وعلى المستوى الاجتماعي، فإن هذا الوضع يساهم في زيادة الشرخ في البلاد ويثبت مفهوم الكانتونات الطائفية، فالمسئولون في الطوائف يقفون في وجه الشباب الذين يرغبون في اعتماد الزواج المدني.

وتسعى "شمل" من خلال عملها إلى تشجيع الاختلاط بين أبناء الأديان في لبنان، فالزواج المدني يسهم في معرفة حقيقية للآخر. ويتابع طوني داوود: "العائلات المختلطة لا تمتلك الخوف الطائفي السائد في المجتمع، والأولاد المنحدرون من هذه العائلات يفقدون حس التعصب الديني، مما يساهم في إخماد شرارة العنف والحروب."

ويشير الناشط في "شمل" إلى أن الطوائف مستعدة لتقبل أي قانون باستثناء القانون المتعلق بالأحوال الشخصية، لأن ذلك يحد من سلطتها على الأفراد ويفقدها المرجعية القانونية والاجتماعية التي عملت على تعزيزها على مدى عقود. فلكل طائفة في لبنان قانونها الخاص (10 قوانين للأحوال الشخصية) يجمعها تردّي حقوق المرأة والطفل، وهي تؤدّي إلى تفاقم المشاكل الفردية والاجتماعية التي تنتج عن تضارب هذه القوانين المتعددة.

ويتابع داوود: "هدف وضع قانون للأحوال الشخصية هو إيجاد منصة قانونية شاملة لكل اللبنانيين تأخذ بالاعتبار التغيرات الاجتماعية والتطوّر العلمي والثقافي وتتيح الفرصة أمام قوانين أكثر عصرية تواكب احتياجات المجتمع بغض النظر عن الطقوس الدينية المتبعة التي تخص كل فرد."

#bbig#

ويتفق أحد المسئولين في مديرية الأحوال الشخصية مع رأي الحركة العلمانية في أن القانون يعترف بالزواج المدني منذ عام 1936، لكنه لا يطبّق في لبنان إلا إذا عُقد في الخارج. والدولة تمنح المقترنين في هذه الحالة وثيقة زواج على غرار ما تمنحه للمتزوجين دينياً، وتسجله في دائرة النفوس وتصدر للزوجين إخراج قيد عائلي. لكن في حال وقوع النزاعات، لا يخضع الزواج المدني لقانون محلي لعدم توفّره، بل يخضع لقانون الدولة التي أصدرت وثيقة الزواج الأصلية، مما قد يشكل بعض الصعوبات خاصة في موضوعي الإرث والوصاية عند مختلف الطوائف.

ممثلو الأديان يعارضون...

لكن رجال الدين المسيحيين والمسلمون يرفضون فكرة الزواج المدني. فمن جهته يشرح الأب صليبا: "الزواج ليس عقداً كبقية العقود العادية التي يبرمها الأشخاص في بما بينهم، بل هي سر أساسي من الأسرار السبعة للكنيسة التي ترفض أن تكون ممارسة المؤمن متجزئة، ويأخذ منها ما يحلو له. فالزواج رابط أبدي يباركه الرب. ونحن نعترف بالزواج المدني بشرط أن يعقبه قران كنسي، وما عدا ذلك يعد منافياً للإيمان المسيحي ويشكل عمل زنى تحرمه الكنيسة."

من جانبه يشدد الشيخ نور الدين على أن مفهوم الزواج في الإسلام هو الأقرب إلى الحياة المدنية، لكن العادة جرت أن يبارك هذا العقد رجل دين وفق الشريعة الإسلامية. "لقد نظّم الإسلام هذا العقد، إذ يكون أكثر عدالة ونضوجاً؛ فلا يمكن للمسلم أن يخرج عن أحكام القرآن والتعاليم الإسلامية في اختياره القران المدني، لأننا نلحظ أن بعض أحكام هذا الزواج تتعارض مع الشريعة، وهذا ما نعترض عليه".

شربل طانيوس ـ بيروت

مراجعة: محمد المزياني

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW