السعادة! ما الذي يجعل الناس راضون عن حياتهم؟
٦ مايو ٢٠٢٥
هل أنا راضٍ؟ ما الذي يجعلني سعيداً؟ عائلتي؟ عملي؟ لا يقول الناتج القومي الإجمالي لبلد ما أي شيء عن أحوال الناس فيه. فالمال وحده لا يجعل الناس سعداء. حتى في البلدان الغنية، يمكن أن يكون الناس وحيدين وغير سعداء.
وفي الوقت نفسه هناك حاجة إلى مستوى معين من الرخاء والأمان لكي يشعر الناس بالأمل والرضا. يعتمد ما إذا كنا سعداء ومتى نكون سعداء على أحكامنا الذاتية، وعلى رفاهيتنا الشخصية.
وقد أجرى فريق دولي بحثًا عن ماهية الحياة السعيدة والبلدان التي يشعر فيها الناس بالرضا بشكل خاص باستخدام بيانات المسح الجديدة كجزء من "دراسة الازدهار العالمي". ويعني "الازدهار" السعي إلى حياة ذات مغزى ومليئة بالفرح والتقدم الشخصي.
البحث العلمي عن حياة مُرضية
تختلف النتائج المنشورة في مجلة "نيتشر مينتل هيلث" (Nature Mental Health) بشكل كبير من بلد إلى آخر. وكتب الباحثون أن هذا ليس تصنيفًا للبلدان. وذلك لأن الأمر لا يتعلق بالبلدان فقط، بل بإجابات المشاركين في الاستطلاع من هذه البلدان. والنتائج من 22 دولة لا تمثل العالم بأسره.
ومع ذلك تنطبق بعض العبارات العامة في كل مكان تقريبًا: الأشخاص الذين لديهم وظيفة أو يعيشون في شراكة أو يحضرون بانتظام المناسبات الدينية بشكل عام لديهم حياة أكثر إشباعًا.
وتوضح ليوني ستيكنماير، أستاذة علم الاجتماع التطبيقي في جامعة كايزرسلاوترن لانداو التي لم تشارك في الدراسة: "الاختلافات بين الجنسين ضئيلة، فالأشخاص المتزوجون يبلغون باستمرار عن ازدهار أعلى من الأشخاص في الحالات الزوجية الأخرى، والأشخاص العاملون والمتقاعدون أفضل من أولئك الذين لا يعملون، ويرتبط المستوى التعليمي العالي والمشاركة الأكثر تواترًا في المناسبات الدينية، على سبيل المثال القداس الكنسي، بازدهار أعلى".
مسح عالمي يتناقض مع تقرير السعادة العالمي
فبالإضافة إلى البيانات الديموغرافية والأسئلة المتعلقة بالطفولة، تم تحليل مجالات الحياة المختلفة: الصحة، والرفاهية الذاتية، والمعنى في الحياة، والشخصية، والعلاقات، والأمن المالي والتوصل انطلاقا من نتائج ذلك مؤشر "الازدهار".
يهدف مفهوم "الازدهار" إلى الإحاطة بجودة جميع مجالات حياة الشخص. وتحقيقًا لهذه الغاية، تم استطلاع آراء أكثر من مائتي ألف شخص في جميع أنحاء العالم بما في ذلك ألمانيا. وستتكرر هذه الاستطلاعات سنويًا مع نفس الأشخاص في السنوات القادمة من أجل التمكن من تحليل التغيرات مع مرور الوقت.
ويقدّر الباحثون بشكل خاص مجموعة البيانات الواسعة للدراسة الجديدة والتي تختلف بعض نتائجها بشكل كبير عن تقرير السعادة العالمي السنوي، كما يقول البروفيسور الدكتور هيلكه بروكمان، الأستاذ المشارك في علم الاجتماع في جامعة كونستانتور بريمن: "لا يتطابق ترتيب الدول مع ترتيب تقرير السعادة العالمي لهذا العام والذي يرى أن الدول الإسكندنافية الغنية تحتل الصدارة. وعلى العكس تحتل إندونيسيا المرتبة الأولى في تقرير السعادة العالمي، ولكنها تحتل المرتبة 83 في تقرير السعادة العالمي لعام 2025".
السعادة في الشيخوخة والقلق في الشباب
كما أن النتائج المتعلقة بـ"الازدهار" على مدار الحياة مثيرة للدهشة بشكل خاص: يفترض العديد من الباحثين في مجال السعادة تطورًا على شكل حرف U للرضا عن الحياة.
ومع ذلك، فإن الرفاهية الذاتية تختلف بشكل كبير على مدار الحياة اعتمادًا على البلد: يزداد "الازدهار" مع التقدم في العمر في أستراليا والبرازيل واليابان والسويد والولايات المتحدة الأمريكية. أما في إندونيسيا وكينيا وتركيا فيبقى على حاله على مدار العمر، بينما ينخفض في الهند وتنزانيا على مدار العمر.
وتقدم الدراسة الجديدة بشكل عام تفسيرات قليلة حول الأسباب المحتملة. كما أنها لا تقدم أي توصيات. "تظل الاختلافات المختلفة الخاصة بكل بلد محيرة أيضًا. ويرجع ذلك إلى أن مفهوم "الازدهار" يتحدث عن السياقات بعبارات عامة جدًا دون توضيحها بشكل أكثر دقة"، كما تقول ستيكنماير. ومع ذلك فإن البيانات التي تم جمعها يمكن أن تساعد في "تفكيك الاختلافات الوطنية وتفسيرها سببيًا".
الشباب مكوّن للحياة
وتقول الأستاذة المبتدئة في علم الاجتماع التطبيقي في جامعة كايزرسلاوترن لانداو إنه من المحزن والمقلق أيضًا أن الأجيال الشابة "تتخلف بشكل كبير على مستوى الأجيال السابقة من حيث رفاهيتها الذاتية والعقلية".
وبشكل عام "هناك مستوى منخفض بشكل مدهش من الازدهار في الفئات العمرية الأصغر سنًا. وكما يشير المؤلفون أنفسهم، فإن هذا أمر مثير للدهشة من منظور علمي ومثير للقلق من منظور السياسات".
وتُظهر الدراسة الجديدة بوضوح مدى قوة اعتماد الرضا على الصحة النفسية والجسدية والعلاقات الاجتماعية الوثيقة والاستقرار المالي والمادي.
وأن " ظروف الحياة المجهدة في مرحلة الطفولة ترتبط بـ "ازدهار" أقل في مرحلة البلوغ"، وفقًا لستيكنماير مثل العلاقة مع الوالدين أو الوضع المالي في الأسرة أو صحة الفرد في مرحلة المراهقة المبكرة. وتقول عالمة الاجتماع هيلكه بروكمان: "إن الظل الطويل لأحداث الطفولة المبكرة مثل إساءة معاملة الأطفال يصبح مرئيًا أيضًا".
أعده للعربية: م.أ.م
تحرير: عادل الشروعات