السعودية.. البحث عن لعب دور الوسيط في عالم متعدد الأقطاب
٢٣ يونيو ٢٠٢٤في ختام المؤتمر الذي استضافته سويسرا بشأن السلام في أوكرانيا رفضت المملكة العربية السعودية الموافقة على البيان الختامي للمؤتمر وخاصة النقطة الأهم فيه التي تنص على أن روسيا مسؤولة عن "الحرب المستمرة ضد أوكرانيا"، وبأنها ما تزال تسبب "معاناة إنسانية واسعة النطاق"، ولم توقع على البيان.
خلال القمة التي استمرت يومين في منتجع بورغينشتوك الجبلي بسويسرا أعرب وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، عن مخاوفه بشأن صيغة المؤتمر. وقال إن السعودية تدعم جهود السلام، لكن أي عملية موثوقة تتطلب كذلك مشاركة روسيا، وفقًا لما نقلته قناة الجزيرة.
لم تكن روسيا حاضرة في الاجتماع، لكن بعض المراقبين يعتقدون أنه من الممكن دعوتها في المستقبل تحت ظروف معينة. وإلى جانب السعودية يمكن أن تستضيف تركيا أي اجتماع مستقبلي تالي قد يشمل مشاركة روسيا.
ووفقا للمحلل والخبير في شؤون دول الخليج سباستيان زونس، من مركز الأبحاث التطبيقية والشركة مع الشرق في بون، فقد حرصت السعودية على عدم الانحياز إلى أي طرف من طرفي الصراع وعدم الانضمام إلى أي من المعسكرين. ويضيف بالقول: "بدلاً من ذلك، تعتمد المملكة على الاستقلال الاستراتيجي وتحاول البقاء على اتصال مع جميع اللاعبين العالميين وبالتالي تعزيز ثقلها الدبلوماسي على الساحة الدولية".
وسيط في الجنوب؟
من جهتها ترى سينزيا بيانكو، خبيرة الشؤون السعودية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، الأمر بشكل مختلف قليلاً. وتشير إلى أن أوكرانيا كانت تتوقع تحركات أقوى من السعودية، مستشهدة بمؤتمر السلام السابق الذي عُقد في جدة في أغسطس/ آب 2023 بمشاركة أكثر من 40 دولة، من بينها الصين.
وعلى الرغم من أن هذا المؤتمر لم يسفر عن نتائج ملموسة، إلا أن السعودية صاغت هدفًا رمزيًا لها على الأقل، وهو "خلق أرضية مشتركة تمهد الطريق للسلام، وعلى هذا الأساس، توقعت كييف أن تكون السعودية قادرة على تحقيق المزيد وأن تتحرك بشكل أكبر في الاجتماع السويسري"، كما تقول بيانكو.
وتوضح بيانكو أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تحدث في فبراير/ شباط الماضي في الرياض عن خطة سلام أطلقتها أوكرانيا وطلب الدعم في إعادة الأسرى الأوكرانيين. وفي عام 2022، توسطت السعودية في تبادل أسرى حيث تم إطلاق سراح أكثر من 200 أسير أوكراني.
ومع ذلك، لا تعتقد الخبيرة بيانكو أن توقعات زيلينسكي تتعلق بوساطة مباشرة بين أوكرانيا وروسيا. "بل يبدو أنه يعتمد على تأثير السعودية على القوى العالمية في الجنوب، مثل دول البريكس. هذه الدول كانت عموماً متحفظة ومترددة في تقديم أي دعم قوي لأوكرانيا".
من جهة أخرى، يعتقد الخبير شؤون زونس أن السعودية لا تزال مهتمة بدور الوسيط. وعلى الرغم من أن روسيا ليست شريكاً كبيراً للسعوديين، إلا أن الرياض تحتاج إلى التوافق مع موسكو داخل الإطار الموسع لمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك بلس). ويقول: "في هذا السياق، كان من المدهش جداً بالنسبة لي لو أن السعودية قبلت التوقيع على إعلان يحمّل روسيا المسؤولية الرئيسية عن الحرب." وبهذا، ترى المملكة نفسها في موقف وساطة فعال بناءً على حيادها.
وساطة شرق أوسطية
لا تقتصر استعدادات السعودية للوساطة على النظر في قضية أوكرانيا فحسب، حيث تسعى المملكة أيضاً لتحسين صورتها الدولية السلبية فيما يتعلق بحقوق الإنسان. ففي 3 يونيو/ حزيران الماضي، شارك وزير الخارجية السعودي في اجتماع افتراضي مع نظرائه من دول المنطقة، تناولت جهوده الوساطة التي تقوم بها قطر ومصر والولايات المتحدة في الحرب بين إسرائيل وحماس، بحسب تقارير إعلامية.
وأكد الوزير السعودي استعداد بلاده لدعم هذه الجهود. تحتفظ الرياض بعلاقات جيدة مع الفلسطينيين والدول العربية الأخرى بيد أنها أيضاً تخوض مساع للتطبيع مع الجانب الإسرائيلي، وإن كان ذلك بشكل غير رسمي حتى الآن.
كما تبدي السعودية اهتماماً بالوساطة في السودان الذي يمزقه صراع داخلي شديد على السلطة منذ أكثر من عام. وذكرت صحيفة "سودان تربيون" أن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان حث القادة العسكريين المتناحرين على الالتزام بوقف إطلاق النار. ومع ذلك، تعتبر السعودية داعماً للقوات المسلحة الحكومية في هذا الصراع، مما قد يعقد محاولة تبني نهجا محايدا في هذا الصراع. بالإضافة إلى ذلك، تواجه السعودية صعوبة في إنهاء الحرب في اليمن، التي هي طرف رئيسي فيها.
ثقة متزايدة بالنفس
على الرغم من ذلك، تعكس المبادرات الدبلوماسية للرياض مدى زيادة ثقة السعوديين بأنفسهم في السنوات الأخيرة، كما يعتقد سباستيان زونس. ويقول في هذا السياق: "لا ترغب الرياض بعد الآن في أن يُنظر إليها كمجرد تابع أو شريك صغير للغرب، وخاصة للولايات المتحدة، وإنما تسعى لأن تحظى بالاحترام كفاعل مستقل يمكنه لعب دور مهم في السياسة العالمية".
وترى سينزيا بيانكو الأمر بشكل مشابه، فالسعودية تريد تعزيز دورها كقوة وسيطة في عالم متعدد الأقطاب، كما تقول. "هذا يعني أن المملكة تكون حاضرة في كل مرة تُناقش فيها قضايا مهمة مثل مستقبل التجارة العالمية، استخدام التكنولوجيا، الطاقة والمناخ في المنتديات البارزة". وهذا يفيد مصالحها الخاصة أيضاً، "لأنه إذا لعبت الرياض أوراقها بذكاء في هذه المحادثات، يمكنها بالطبع تحقيق أهدافها الخاصة، على الأقل جزئيا".
أعده للعربية: علاء جمعة