السعودية.. التطلع إلى المستقبل وسط تحديات الحكم والاقتصاد
٢٢ ديسمبر ٢٠١٥ نظراً للمشاكل التي تمر بها المملكة السعودية، يُتوقع أن يكون خطاب الملك سلمان بن عبد العزيز أمام مجلس الشورى الأربعاء (23 ديسمبر/ كانون الأول 2015) طويلاً، فعلى صعيد السياستين الداخلية والخارجية تجد المملكة نفسها أمام تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة.
فمن جانب، لازالت الحرب في اليمن قائمة. منذ نحو تسعة أشهر تقود السعودية تحالفاً من الدول السنية لقتال المتمردين الحوثيين، وغالبيتهم من الشيعة، تقول السعودية إنهم مدعومون من إيران. وهذه الحرب على الدولة الأفقر في العالم العربي، هي في حقيقتها استعراض للقوة غير مباشر مع إيران، المنافس اللدود للسعودية.
في هذه المواجهة لم تحقق المملكة لغاية الآن أي نجاح عسكري واضح، كما يقول أستاذ العلوم السياسية في معهد "غيغا" الألماني لبحوث الشرق الأوسط توماس ريشتر. ويضيف ريشتر بأن المشاركة السعودية في الحرب تقتصر على سلاح الجو فقط. أما القوات البرية فدفعت بها دول أخرى مشاركة في التحالف.
ورغم امتلاك السعودية لسلاح جوي متطور لكنها تستخدمه بصورة محدودة للغاية. وحتى استعداد الجنود لخوض المعارك في اليمن لا يمكن وصفه بالكبير كونهم "لا يريدون بصراحة المخاطرة بأرواحهم من أجل بلدهم".
وحتى الآن لم يسجل التحالف المضاد للحوثيين أي تقدم مهم في هذه الحرب، بل العكس من ذلك، إذ تمكن تنظيما القاعدة و"داعش" الإرهابيان من استغلال الفوضى في اليمن واستطاعا فرض قوتهما وسيطرتهما على عدة مناطق يمنية.
تقارب إيديولوجي مع "داعش"
رغم ذلك تريد السعودية أن تكون على رأس تحالف إسلامي جديد مكون من نحو ثلاثين بلداً للتدخل في سوريا، حيث تريد القضاء أولاً على "داعش". لكن سوريا تمثل في الوقت نفسه مرآة تختصر التطورات السياسية الشاملة، كما يقول الكاتب فهد ناظر في صحيفة "ال مونيتور" الالكترونية. ويضيف ناظر بالقول: "هذا التفكير السعودي الجديد يُعتبر ردّاً على إدراك المملكة بأنّ الولايات المتحدة اختارت الابتعاد عن الشرق الأوسط وحتى عندما تقرّر أن تحرّك ساكناً، يبدو أنها تفتقد إلى إستراتيجية واضحة".
وعلى الرغم من أن دول الخليج متدخلة بشكل رسمي ومنذ فترة طويلة في الأحداث في العراق وسوريا، لكن آخر مشاركة فعلية لها ضد تنظيم "داعش" وبقية التنظيمات المتطرفة الأخرى مضىت عليها أشهر عديدة. بالإضافة إلى ذلك، باتت السعودية، وخاصة بعد اعتداءات باريس الإرهابية، تتعرض بصورة متزايدة للانتقادات: وذلك بسبب أن أغلب القوانين التي تتبعها المملكة في نظامها القضائي، قريبة إيديولوجياً من تنظيم "داعش" الإرهابي، الأمر الذي أثار العديد من الشكوك بشأن مصداقية المملكة.
ولذلك يرى توماس ريشتر أن تحالف السعودية الجديد لمحاربة "داعش" ليس سوى محاولة لتبديد هذه الشكوك. ويضيف الخبير الألماني بالقول: "يجب أن يعكس هذا التحالف على الصعيدين المحلي والدولي أن السعودية تريد تتعامل مع هذه الشكوك بجدية وأنها في وضع يمكنها بمساعدة هذا التحالف من أن تتعامل مع تحديات كبيرة، كتلك التي يشكلها تنظيم داعش".
جهاديون في السعودية
وعلى صعيد السياسة الداخلية تواجه المملكة أيضاً تحديات أخرى، فعلى الرغم من أنها تمكنت بفضل جهاز أمني فعال من السيطرة على المشهد الجهادي داخل حدودها. لكن الحدود الفاصلة بين الأصولية (السلمية) والتطرف (المستعد للعنف) واهية للغاية، لأن "هيئة كبار العلماء" في السعودية لم تعد منذ وقت طويل تقدم الاتجاهات الدينية لجميع أتباعها في المملكة، كما كان يحدث سابقاً. فقبل نحو ربع قرن، وبعد غزو صدام حسين للكويت في سنة 1990، أقامت الولايات المتحدة قواعد لها في السعودية، ما شكل معارضة إسلامية كرد فعل على ذلك، وهذه المعارضة تطورت فيما بعد إلى تنظيم "القاعدة".
في هذه الأثناء أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن أولى الهجمات التي طالت مواطنين سعوديين شيعة ومنشآت حكومية في المملكة، ووجهت انتقادات كثيرة للحكومة السعودية، وخاصة من مواطنيها من الشيعة. الناشط السعودي الشيعي حمزة الحسن وصف تنظيم "داعش" بأنه "صناعة سعودية"، فالإسلام الوهابي والتنظيم الإرهابي لهما ذات الجذور الإيديولوجية.
يضاف إلى هذه التحديات العجز المتزايد في موازنة المملكة السعودية، إذ بدأت تعاني من انخفاض أسعار النفط، التي انهارت إلى أدنى مستوياتها منذ 11 عاماً. وتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل عجز الموازنة في السعودية لهذا العام إلى نحو 22 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي.
وتخطط الحكومة السعودية لبيع بعض الممتلكات الحكومية، مثل الموانئ والقطارات والمطارات لسد هذا العجز. وعملية الخصخصة يمكن أن تشمل المستشفيات أيضاً. وتوقع الموقع الالكتروني لمجموعة "بومبيرغ" الاقتصادية أن تعاني السعودية "من أزمة مالية كبيرة في الأعوام الخمسة عشر القادمة"، وذلك حسب دراسة من مجموعة "ماك كينسي" للاستشارات.
وهذه الأزمة الاقتصادية يمكن أن تشكل للسعودية تحدياً أكبر من ذلك الذي واجهته مع انطلاق حركة الاحتجاجات العربية عام 2011، وتغلبت عليه بتقديم المزيد من الخدمات الاجتماعية لمواطنيها. ومنح الملك سلمان الذي اعتلى العرش مطلع هذا العام، هبات لمواطنيه بقيمة 32 مليار دولار بمناسبة تتويجه ملكاً. وقد ينقص المال لتقديم مثل هذه الهبات السخية مستقبلاً، وبالتالي يجب على الملك البحث عن طرق أخرى لسد رغبات شعبه، وقد تكون سياسية هذه المرة. تقف السعودية على أعتاب تحول كبير. وليس من المستبعد أن يهيئ الملك شعبه لذلك في خطابه بمناسبة افتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة السادسة لمجلس الشورى.