السعودية تحطم آمال التونسيين في محاكمة رئيسهم المخلوع
١٤ يناير ٢٠١٢مضت سنة كاملة على الإطاحة بالرئيس زين العابدين ين علي الذي هرب يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011 إلى السعودية مع زوجته ليلى الطرابلسي واثنين من أبنائهما. وأصدرت المحاكم التونسية خلال العام المنقضي أحكاما بالسجن لعشرات السنين وغرامات مالية بملايين الدولارات ضد بن علي (وزوجته أيضا) بعد إدانته في قضايا فساد خلال فترة حكمه التي استمرت 23 عاما وتورطه في قتل عشرات التونسية خلال الثورة التي أسقطت حكمه.
عدد من التونسيين الذين استطلعت دويتشه فيله آراءهم أجمعوا على أن وجود بن علي بعيدا عن العدالة التونسية ورفض السعودية تسليمه حال دون تحقيق المطلب الشعبي الرئيسي للتونسيين وهو "محاسبة الرئيس السابق ومحاكمته" عما ارتكبه من "جرائم" بحق التونسيين طيلة أكثر من عقدين من الحكم "الدكتاتوري".
"تضييع وقت"
اعتبر هشام (26 عاما/طالب جامعي) أن مطالبة السلطات التونسية المملكة العربية السعودية بتسليم الرئيس المخلوع وزوجته "تضييع للوقت بدليل أن السعودية تجاهلت أكثر من طلب رسمي تونسي بتسليمهما". ووجّهت تونس إلى السعودية طلبين رسميين بتسليم بن علي وزوجته: الأول في فبراير/شباط 2011 والثاني في أغسطس/آب من نفس السنة لكنها لم تتلق أي رد رسمي بشأنهما من الرياض.
واتهم القاضي هادي العياري، رئيس المحكمة العسكرية التونسية، يوم 4 يناير/كانون الثاني الجاري، المملكة العربية السعودية بـ"تجاهل" طلبات تونس بتسليم بن علي من أجل محاكمته بتهمة قتل مدنيين خلال الثورة. وفي تعليقه على هذا "التجاهل" قال الطالب الجامعي هشام لدويتشه فيله:"على حد علمي السعودية لم يسبق لها تسليم من لجأ إليها من رؤساء وملوك حتى وإن كانوا مطلوبين من قبل مجلس الأمن الدولي نفسه"، متوقعا أن "يقضي بن علي وزوجته بقية حياتهما في السعودية وفي حماية سلطات هذا البلد". وتساءل هشام :"ما الجدوى من أن تواصل المحاكم التونسية إصدار أحكام السجن ضد بن علي وزوجته وهما ينعمان بالطمأنينة في السعودية التي تصرّ على عدم تسليمهما؟"
"تسليم بن علي ليس من أولوية الحكومة الجديدة"
محسن (أستاذ تعليم ثانوي) قال لدويتشه فيله إن تسليم الرئيس المخلوع وزوجته "ليس من أولويات الحكومة الجديدة" التي يرأسها حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة الإسلامية. وأضاف أن الجبالي "بعث خلال آخر مقابلة له مع التلفزيون الرسمي بإشارات على أنه لن يسمّم علاقات تونس بالسعودية بسبب استضافتها للرئيس المخلوع إذ قال (الجبالي) إن أولوياته القصوى هي فتح صفحة جديدة مع السعوديين".
وتابع :"ربما من أجل هذا الموقف الذي من المؤكد أنه نال استحسان حكّام الرياض تمّ توجيه دعوة رسمية إلى له لزيارة السعودية". وكانت وكالة الأنباء التونسية أعلنت أن خالد بن مساعد العنقري سفير السعودية لدى تونس نقل الخميس إلى حمادي الجبالي "دعوة رسمية" من العاهل السعودي "لزيارة المملكة العربية السعودية في أقرب الآجال".
وتابع محسن ان"حكومة الجبالي تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة جدا تعجز عن رفعها بمفردها وأعتقد أنها تعوّل على الدعم المالي لدول الخليج وفي مقدمتها السعودية للخروج من هذا الوضع".
"اختلاف في المواقف بين الحكومة والرئاسة"
جمال نقازي (محام) لفت في حديثه مع دويتشه فيله إلى وجود "شيء من الاختلاف في المواقف" بخصوص تسليم الرئيس المخلوع بين حمادي الجبالي رئيس الحكومة "الذي بدا مرنا" أكثر من منصف المرزوقي رئيس الجمهورية. وذكر في هذا السياق بنص التصريح الذي أدلى به منصف المرزوقي لصحيفة "le soir" البلجيكة والذي شدد فيه على ضرورة تسليم السعودية الرئيس المخلوع.
وطالب المرزوقي في هذا الحديث الذي نشرته الصحيفة على موقعها الالكتروني بتاريخ 12 يناير/كانون الثاني 2012 من السعودية "قبول تسليم" تونس الرئيس المخلوع و"التوقف عن حمايته" من أجل "النهوض" بالعلاقات الثنائية بين البلدين. ووصف المرزوقي (في هذا الحديث) بن علي بأنه "مجرم" و"سارق" و"قاتل" لأنه يتحمل مسؤولية قتل 300 تونسي خلال الثورة ونهب ثروات البلد طوال 23 عاما من الحكم معتبرا أنه لا يجوز إعطاؤه حق اللجوء السياسي الذي لا يعطى إلا لمن كان "ضحية انتهاكات لحقوق الإنسان".
وقال المرزوقي:"اقترحنا على أصدقائنا السعوديين أن يطلبوا من بن علي مغادرة البلاد والبحث عن ملاذ خارجها حتى نتمكن من تفعيل بطاقة الجلب الدولية" التي أصدرتها الشرطة الجنائية الدولية (انتربول) ضد بن علي.
"أرجعوا لنا أموالنا واذهبوا إلى الجحيم"
سفيان (عاطل عن العمل) قال لدويتشه فيله إنه على الحكومة الجديدة "العمل على استرجاع الأموال التي سرقها بن علي وزوجته وأقاربهما وهربوها إلى عدة بنوك حول العالم لإنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها". وقال:"حسب ما سمعت فإنهم (بن علي وزوجته وأقاربهما) سرقوا ما يعادل ميزانية تونس خلال عام وهذا مبلغ كبير جدا ويمكن أن يحل كل مشاكل البلد".
وقدرت منظمات تونسية غير حكومية ناشطة في مجال مكافحة الفساد حجم الأموال التي هربها بن علي وزوجته وأقاربهما بحوالي 23 مليار دينار (حوالي 11,5 مليار يورو) أي ما يعادل ميزانية الدولة في عام واحد.
وأضاف سفيان:"حتى الآن لم يسترجعوا (الحكومة) فلسا واحدا يجب عليهم إعطاء الأولوية القصوى لاسترجاع الأموال المنهوبة".وتساءل قائلا:"بن علي هرم وأيامه معدوده ويمكن أن يموت في أي لحظة...ماذا يمكن أن نفعل برجل مريض ومسنّ.. الأفضل أن يرجع لنا أموالنا وليذهب إلى الجحيم".
"تكثيف الضغط الدّولي وقطع العلاقات إن لزم الأمر".
بسام (طالب) قال لدويتشه فيله إنه على السلطات التونسية إحالة ملف بن علي إلى محكمة العدل الدولية معتبرا أن "الحكومات التونسية التي تعاقبت على السلطة منذ هروب بن علي إلى السعودية لم تضغط بالشكل المطلوب على السعودية لاسترجاع المخلوع". وأضاف:"ليس الحكومة فقط من يجب عليها الضغط بل الشعب التونسي ومنظمات المجتمع المدني يجب مواصلة التظاهر أمام سفارة السعودية وإن لم نصل إلى نتيجة فيجب قطع العلاقات الدبلوماسية لأن السعودية تتستر على قاتل ومجرم يداه ملطخة بالدماء".
"الحكومة أمام معادلتين أحلاهما مر"
رضا إدريس الأستاذ الجامعي والمتخصص في القانون قال لدويتشه فيله إن "هناك عقبات سياسية ودبلوماسية وليست قانونية تقف حائلا دون تسليم السعودية للرئيس المخلوع، فالسعودية تقول إنه ليس من عاداتها وتقاليدها تسليم من استجار بها".
وذكر أن القانون واضح إذ تنصّ اتفاقية التعاون القضائي العربي المتعلقة بتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين التي وقعتها الدول العربية سنة 1983 في العاصمة السعودية الرياض على تبادل المطلوبين للعدالة في الدول العربية.وتساءل قائلا :"إلى أي مدى ستكون الحكومة التونسية ضاغطة لا سيما وأنها أرسلت إشارات على عدم رغبتها في إيصال الأمر إلى مستوى الأزمة مع السعودية".
وتابع أن الحكومة التونسية أمام موقفين اثنتين أحلاهما مرّ: "إما ممارسة الضغط السياسي على السعودية إلى أقصى درجة وهذا قد يؤدي إلى قطع العلاقات الدبلوماسية وإما القبول بأن يقضي بن علي ما تبقى من حياته في السعودية دون محاسبة".
منير السويسي – تونس
مراجعة: يوسف بوفيجلين