انتهاكات حقوقية.. الجانب المظلم لمشروع نيوم السعودي!
٢١ مايو ٢٠٢٣
يتطلب تنفيذ مشروع مدينة نيوم خطط إعادة توطين ضخمة. فيما صدرت أحكام بالإعدام والسجن لفترات طويلة بحق رجال قبائل على خلفية معارضتهم المشروع. وتهدد هذه الانتهاكات الحقوقية سمعة المدينة الرائدة.
إعلان
تمضي السعودية قدما في تنفيذ مشروع مدينة نيوم الرائدة الضخمة والصديقة للبيئة، رغم الانتقادات الدولية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان خاصة عمليات الإخلاء القسري لإفساح المجال أمام تنفيذ المشروع.
وقد صدر مؤخرا تقرير عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان جاء فيه أنه جرى تهجير أفراد من قبيلة الحويطات الذين يقطنون المنطقة المخصصة لتنفيذ مشروع مدينة نيوم، وتم هدم منازلهم دون دفع تعويضات مناسبة.
وأفاد التقرير بمقتل أحد أفراد القبيلة فيما صدرت أحكام بالإعدام ضد ثلاثة وأحكام بالسجن لمدة خمسين عاماضد ثلاثة آخرين على خلفية تهم تتعلق بالإرهاب. وقال الخبراء في بيان "تم اتهامهم بالإرهاب، لكنهم في الواقع أوقفوا لمقاومتهم عمليات الإخلاء القسري لفسح المجال أمام مشروع نيوم وبناء مدينة بطول 170 كيلومترا تسمى "ذا لاين".
وجاء ذلك رغم تعهد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأن الأشخاص المتضررين جراء تنفيذ عمليات إنشاء مدينة نيوم سوف يتم تضمينهم في عمليات التخطيط والتنفيذ.
ويعد مشروع مدينة نيوم، الذي تصل تكلفته لقرابة 500 مليار دولار، تجسيدا لخطة محمد بن سلمان الطموحة "رؤية 2030" الرامية إلى إجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية كبيرة في المملكة بدأت منذ عام 2017 بما يشمل السماح للسعوديات بقيادة السيارة وفتح البلاد أمام السياحة وتعزيز تنويع مصادر الدخل الوطني بعيدا عن النفط.
وتغطي المدينة المرتقبة مساحة إجمالية تزيد عن 26500 كيلومتر مربع قرب البحر الأحمر، فيما يتوقع افتتاح المدينة عام 2030. وتتضمن خطط بناء المدينة أحدث التقنيات مع التركيز على الذكاء الاصطناعي وإنشاء مطار وشبكة قطارات عالية السرعة وطائرات بدون طيار تعمل فقط بالطاقة المتجددة لتكون منصة جاذبة للاستثمار الدولي.
الأولوية للاستثمار وليس لحقوق الإنسان
بدوره، قال سيباستيان زونس، الخبير في قضايا الشرق الأوسط في مركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق ومقره ألمانيا ويعرف اختصار بـ "كاربو"، إن أعمال البناء "لتنفيذ مدينة نيوم بدأت بالفعل رغم أن المشروع ما زال في بدايته إلى حد كبير".
وأضاف في مقابلة مع DW أن "هناك العديد من المستشارين الدوليين يشاركون في تنفيذ المشروع وهناك أيضا عملية تدشين للعديد من رحلات الطيران المباشرة من نيوم إلى لندن أو نيويورك، لذا فإن الطموحات واضحة وتتمثل في أن السعودية تريد فعلا جعل نيوم حقيقة ملموسة".
ويرى الباحث في قضايا الشرق الأوسط أن مشروع نيوم يأتي كركيزة لخطة محمد بن سلمان لنقل البلاد إلى مرحلة حداثة جديدة، مضيفا أن "هناك ضغوطا هائلة لتنفيذ المشروع، لكن إذا فشل ذلك، فإنه من المرجح أن تتضرر سمعة محمد بن سلمان بين قطاعات كبيرة من السكان، فضلا عن أن الفشل سيضر بسمعة السعودية أيضا كموقع استثماري دولي."
من جابنها، قالت جيد بسيوني، رئيسة قسم الدفاع عن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة ريبريف لحقوق الإنسان، لـ DW إن الدعاية المصاحبة لإنشاء مدينة نيوم لا تظهر أن مدينة نيوم "يتم بناؤها على خلفية عمليات إخلاء قسري وعنف حكومي وأحكام الإعدام". وأضافت أن مدينة نيوم تجسد "الهوة بين رؤية محمد بن سلمان المعلنة للسعودية والواقع القمعي لحكمه".
محاكمات خلف أبواب مغلقة!
وتتفق في هذا الرأي هذا الرأي لينا الهذلول، شقيقة الناشطة المعروفة لجين الهذلول، والتي تعمل الآن مديرة للاتصالات والمراقبة في منظمة قسط لحقوق الإنسان.
وأضافت في مقابلة مع DW "مبعث قلقنا الأساسي هو أن نيوم يتم بناؤها على الدم السعودي". وأوضحت أن محاكمات أبناء قبيلة الحويطات تمت "خلف أبواب مغلقة. ومن أجل المضي قدما في المشروع، فإن القضاء على أهبة الاستعداد حتى لإعدام الناس".
الجدير بالذكر أن نيوم ليست المشروع الوحيد في السعودية الذي يتم بسببه تهجير سعوديين قسرا لإفساح المجال أمام تنفيذه، إذ خلال الفترة ما بين يناير/ كانون الثاني وأكتوبر/ تشرين الأول من عام 2022، هدمت السلطات العديد من المنازل لتنفيذ مشروع مدينة جدة الساحلية. وقالت منظمة العفو الدولية إن آلاف الأشخاص أصبحوا في حينه ضحايا عمليات إخلاء قسري غير قانونية بما في ذلك رعايا أجانب.
وأضافت جيد بسيوني "لقد رأينا بشكل متكرر أن اختلاف أي شخص مع ولي العهد أو معارضة مشاريعه، أمر يحمل في طياته مخاطرة بأن مصيره قد يكون الإعدام سواء أكان متظاهرا سلميا أو شخصا ينتقد ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي".
الشركات الألمانية مسؤولة أيضا؟
وفي سياق متصل، قال سيباستيان زونس إن هناك فرصة على المستوى الدولي للضغط على السعودية فيما يتعلق بسجلها الحقوقي، مضيفا أنه في الماضي أدت الضغوط الدولية المتزايدة إلى تعليق تنفيذ أحكام بالإعدام وإلى إطلاق سراح نشطاء حقوق الإنسان مثل لجين الهذلول. وأضاف أن "هذا يعني: كلما زاد الضغط على الحكومة السعودية، كلما زاد احتمال رغبتها في إيجاد حل تصالحي يحفظ ماء وجهها."
يشار إلى وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك تطرقت إلى قضايا حقوق الإنسان خلال جولتها الأخيرة في منطقة الخليج، حيث شددت خلال مباحثات مع نظيرها السعودي الأمير فيصل بن فرحان على أن التعاون الاقتصادي "لا يمكن النظر إليه بمعزل عن سيادة القانون وحقوق الإنسان والحريات".
وفي ذلك، يقول زونس إن من مصلحة ألمانيا إثارة قضية "التوافق الاجتماعي لمشروع نيوم، لأن الشركات الألمانية مشاركة في المشروع أيضا، وإن مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان المحتملة يمكن ألا تقع على عاتق المملكة وحدها وإنما على الشركات الألمانية أيضا".
جنيفر هوليس وكيرستن كنيب/ م.ع
في صور: رغم الإصلاحات في السعودية.. أصحاب رأي خلف القضبان
فاجأت السعودية العالم بخبر إلغاء عقوبة الجلد في قضايا التعزير وعقوبة الإعدام بحق القصر. لكن هل ستنعكس هذه الإصلاحات على أرض الواقع؟ وماذا عن سجناء الرأي الحاليين؟
صورة من: Getty Images/M. Ingram
إلغاء عقوبة الإعدام بحق القاصرين
بعد عدة ساعات على قرار إلغاء عقوبة الجلد في قضايا التعزير، أعلنت السعودية أيضاً إلغاء حكم الإعدام بحكم المدانين القصّر واستبداله بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات في منشأة احتجاز للأحداث. وجاءت هذه القرارات لتساعد "على صياغة قانون للعقوبات أكثر عصرية" بحسب ما تناقلته وسائل إعلامية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/A. Nabil
محاولة للتجميل بعد مقتل خاشقجي؟
جاء ترحيب الحقوقيون ومنظمات حقوق الإنسان بهذه القرارات بشكل حذر، حيث اعتبر غيدو شتاينبيرغ من مؤسسة العلوم والسياسة (SWP) ببرلين أن هذه القرارات صحيحة، ولكنها لا تعبر بالضرورة عن إتجاه إصلاحي في السعودية وقال: "إنها محاولة لتلميع صورة الدولة". وكانت سمعة المملكة على الساحة الدولية تراجعت بشدة بعد قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/L. Pitarakis
محاولة لكسب الغرب
ويرى غيدو شتاينبيرغ أن السعودية تهتم بشكل خاص بسمعتها في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، إلا أن ولي العهد محمد بن سلمان مازال يحكم بقبضة من حديد. فالإصلاحات التي قام بها صاحبتها إجراءات قمعية لكل معارضة داخلية. ولم تسلم العائلة المالكة نفسها من هذه الإجراءات.
صورة من: Reuters/Courtesy of Saudi Royal Court/B. Algaloud
شخصيات بارزة رهن الإعتقال
وطالت الإجراءات القمعية في السعودية أيضاً أفراد بارزين من العائلة المالكة، حيث شهدت أواخر شهر مارس/آذار حملة جديدة من الإعتقالات شملت إبن عم محمد بن سلمان وولي العهد السابق محمد بن نايف (يسار الصورة) بتهمة "الخيانة وتدبير انقلاب". وبحسب شتاينبرغ فإن هذه رسالة للجميع بأن أي معارضة سياسية لن يتم التسامح معها.
صورة من: picture-alliance/abaca
رسالة للعائلة المالكة
كما قام ولي العهد السعودي بإبعاد أي منافس محتمل له من العائلة المالكة عن طريق حملات توقيف بحق أفراد من العائلة ومنهم متعب بن عبد الله، وهو رئيس الحرس الوطني السعودي السابق. ويقول شتاينبيرغ: "يريد محمد بن سلمان إرسال إشارة للعائلة أن المملكة لديها حاكم جديد، وانهم يستطيعون الحفاظ على إمتيازاتهم بشرط عدم إظهار أي معارضة".
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Yalcin
الأميرة السجينة بسمة بن سعود
يعرف عن الأميرة بسمة بنت سعود أنها ناشطة في مجال حقوق الإنسان ومعارضة للممارسات القمعية ضد المرأة في السعودية. في عام 2019 إختفت الأميرة دون أثر، لتظهر منذ فترة قصيرة بنداء استغاثة اطلقته عن طريق خطاب طالبت فيه بإطلاق صراحها. وكتبت الأميرة البالغة من العمر 56 عاماً أنه يتم احتجازها دون موافقتها وبدون سند قانوني في سجن الحاير السعودي.
صورة من: Getty Images/M. Ingram
الناشطة لجين الهذلول
قبل إطلاق سراحها في شباط/ فبراير 2021 تعرضت الناشطة السعودية في مجال حقوق المرأة للسجن ثلاث سنوات بتهم من أبرزها "التآمر" مع جهات أجنبية. وبحسب تصريحات أختها لينا، فقد تعرضت لجين للتعذيب والتحرش الجنسي خلال الحبس. وقالت عائلة لجين أنها تلقت خلال السجن عرضاً بإطلاق سراحها بشرط قيامها بنفي التعرض للتعذيب.
صورة من: Getty Images/AFP/Facebook/Loujain al-Hathloul
محاولة للإلهاء
يرى مراقبون أن قرارات إلغاء عقوبتي الجلد والإعدام جاءت كمحاولة لإلهاء الناس عن خبر وفاة الناشط الحقوقي عبد الله الحامد (يسار الصورة) في السجن. وكان الحامد توفي منذ أيام قليلة بسبب جلطة دماغية لم يتلق بعدها العناية الطبية الكافية بحسب ما تناقلته التقارير الإعلامية. ومازال الناشطان الحقوقيان وليد أبو الخير ومحمد فهد القحطاني (يمين الصورة) في السجن بسبب نشاطهما السياسي.
صورة من: picture-alliance/dpa/right livelihood award
رائف بدوي
يُعد رائف بدوي أحد أكثر معتقلي الرأي شهرة في السعودية. وكان المدون والناشط الحقوقي أُعتقل في عام 2013 بتهمة "إهانة الإسلام" وحُكم عليه بألف جلدة وبالسجن عشر سنوات. وتسبب تنفيذ حكم الجلد عليه علناً في إثارة انتقادات دولية واسعة للسعودية. يقول شتاينبرغ أن رد الفعل هذا قد يكون سبباً في إلغاء عقوبة الجلد، ولكنه ينبه:" ليس معنى ذلك أنه سيتم إطلاق سراحه الآن".
صورة من: picture-alliance/dpa/empics/Canadian Press/P. Chiasson
سمر بدوي
تقبع سمر بدوي، أخت رائف بدوي، ايضاً في السجن منذ 2018، ومعها نسيمة السادة، وهما من الناشطات في مجال حقوق الإنسان في المملكة. وكانت السلطات شنت في 2018 حملة إعتقالات على مجموعة من الناشطات، تم بعدها الإفراج عن بعضهن مثل أمل الحربي وميساء الماعن، بينما تنتظر الأخريات، مثل سمر ونسيمة، البت في قضيتهن.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Wiklund
سلمان العودة
يعد الداعية سلمان العودة أحد الدعاة الدينيين السلفيين المعتدلين والمعروفين على الساحة، وهو قريب من جماعة الإخوان المسلمين التي تحظرها السلطات السعودية. يعرف عن العودة انتقاده للسياسات الداخلية والخارجية للمملكة، وفي 2017 حُكم عليه بعقوبة الإعدام، إلا أن الحكم لم ينفذ حتى اليوم.
صورة من: Creative Commons
علي محمد النمر
بعد إلغاء عقوبة الإعدام بحق القُصر تتجه الأنظار لعلي محمد النمر الذي أعتقل وهو في السابعة عشرة من عمره بسبب مشاركته في مظاهرات تطالب بالإصلاح وإطلاق صراح سجناء الرأي في 2012. وكان عمه نمر النمر أحد الدعاة الشيعة البارزين في السعودية. ويتوقع خبير شئون الشرق الأوسط غيدو شتاينبرغ أن حكم الإعدام لن ينفذ بحق علي محمد النمر، لكنه سيبقى في السجن.