السعودية ـ شريك إستراتيجي أم مصدر لتمويل الإرهاب؟
٨ أغسطس ٢٠١١عندما اختار الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن يمر بالمملكة العربية السعودية خلال جولته الأولى في الشرق الأوسط في يونيو/حزيران 2009، لم يدخر وسعاً في مديح الأسرة المالكة. وشدد أوباما خلال لقائه بالملك عبد الله على أن "البلدين ليسا مجرد شريكين اقتصاديين، لكنهما أيضاً شركاء استراتيجيين"، كما امتدح "حكمة وكياسة" الملك السعودي.
وإذا ما صدق ما جاء في الوثائق السرية الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية التي نشرها موقع ويكيليكس، فقد قامت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في العام نفسه بتوجيه نقد شديد اللهجة وبعيد كل البعد عن محتوى كلام أوباما حيث ذكرت "أن متبرعين من السعودية هم المصدر الأقوى لتمويل الجماعات الإرهابية السنية"، وأضافت في مذكرة حكومية: "إنه تحد دائم، أن نحاول إقناع المسئولين السعوديين بمعالجة هذا الأمر على اعتبار أنه أولوية إستراتيجية".
فكر القاعدة والوهابية
ويعد هذا التضارب بين تصريحات كل من أوباما ووزيرة خارجيته أمراً معتاداً نظراً للعلاقة المعقدة بين البلدين. فمن ناحية، تعد المملكة السعودية المورد الأساسي للنفط للولايات المتحدة الأمريكية من الشرق الأوسط، كما ينظر الأمريكيون للسعودية كقوة إستراتيجية لموازنة النفوذ الإيراني المتنامي وكدولة تلعب دوراً هاماً في المبادرات الدبلوماسية للبحث عن حلول للصراعات الإقليمية. ومن ناحية أخرى، ففي السعودية هناك الكثير من الممارسات التي تنتقدها الولايات المتحدة بشدة، مثل انتهاكات حقوق الإنسان، وانعدام الحرية الدينية والرقابة على الإعلام وعدم المساواة بين الرجل والمرأة. وتستند الكثير من تلك الممارسات إلى الوهابية التي تعتبر واحدة من أكثر التفسيرات المتطرفة للإسلام. لذلك فإنه من غير المستغرب بالنسبة للعديد من الخبراء أن يكون معظم مفجري 11 سبتمبر/أيلول من أصل سعودي.
ويحاول الملك عبد الله القيام بإصلاحات حذرة. لكن غيدو شتاينبرغ، خبير الإرهاب الإسلامي في مؤسسة العلوم السياسية اس.في.بي في برلين يرى أن هناك تشابه كبير بين أيديولوجية تنظيم القاعدة والوهابية. وهذا ما يتسبب في رأيه في أن ينزلق الكثير من الشباب السعودي إلى طيف التطرف، نتيجة ما تعلموه في المدارس والجامعات السعودية. لكن القيادات السعودية لا تريد أن تقبل هذا التقارب بين الأيديولوجية الخاصة بهم وفكر تنظيم القاعدة، كما يقول شتاينبرغ.
حقائب مليئة بالنقود
أما أسوأ الاتهامات الموجهة للسعودية فهي تمويلها للإرهاب، لكن ليست هناك أدلة على أن معظم التبرعات للقاعدة تنبع من السعودية وغيرها من دول الخليج الغنية. وإن كان هناك خبراء مثل الكاتب ياسين مشربش الذي يعمل لمجلة دير شبيغل، يفترض أن هناك أشخاص ينقلون باستمرار "مبالغ ضخمة من المال" في حقائب سفر تصل إلى معسكرات إرهابية أو في معسكرات تدريب الإرهابيين في أفغانستان وباكستان.
لكن السلطات السعودية ليست مسئولة عن هذا الأمر حسب مشربش الذي يضيف: "إنها شبكة من الجمعيات الخيرية التي يساء استغلالها بشكل واضح للغاية، في بعض الأحيان دون علم السلطات". لكنه يوضح أيضاً أن بعض المسئولين يتعمدون غض البصر عن هذا الأمر. وفي هذا السياق يضيف شتاينبرغ أنه من المستحيل تتبع هذه التدفقات النقدية في ظل العدد الكبير من العمال المهاجرين الذين يتحركون بشكل مستمر بين المملكة السعودية وباكستان.
وللكرم السعودي في التبرع للجماعات المسلحة تقليد طويل، يعود تاريخه إلى عام 1980، عندما دعم أثرياء الخليج حرب "المجاهدين" ضد قوات الاحتلال السوفيتي في أفغانستان. ولعب أسامه بن لادن دوراً رئيسياً قبل أن يقطع علاقته مع العائلة المالكة السعودية في التسعينيات. يشير الخبير في شئون الإرهاب غيدو شتاينبرغ إلى أن "المجاهدين" كانوا يتلقون آنذاك دعماً رسمياً من الجانب السعودي. لكن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 أغلق عدد من المنظمات شبه الحكومية مثل مؤسسة "الحرمين" من قبل السلطات، بسبب "تدفق الأموال منها إلى منظمات إرهابية أو متشددة".
ولم يكن الضغط الأمريكي وحده هو السبب في إعادة النظر تجاه تلك المنظمات، لكن أيضاً كون بلادهم كانت هدفاً لاعتداء إرهابي في عام 2003. واليوم لا يمكن الكشف حتى عن دعم سلبي متعمد للإرهاب حسب شتاينبرغ. ويضيف أن السياسة السعودية أصبحت أوضح، لكن المثير للجدل هو مدى كفاءة آليات الرقابة.
ولا يتلقى تنظيم القاعدة الأموال من أثرياء من المملكة العربية السعودية ودول الخليج فقط، فعن طريق الإنترنت والشبكات الشخصية، يمكن للشبكة الإرهابية تلقي التبرعات من أتباعها في كل أنحاء العالم ومنها أوروبا أيضاً، حسبما يؤكد ياسين مشربش. كذلك تم الكشف عن مصدر إضافي للتمويل، وهي المنطقة المغاربية، حيث يختطف المسلحون مواطنين أجانب لطلب فدية.
خالد الكوطيط/سمر كرم
مراجعة: عبده جميل المخلافي