السلفيون المغاربة يتركون السياسة لمواجهة العلمانيين
١٠ مايو ٢٠١٣رغم تواتر الحديث عن إمكانية التحاق شيوخ السلفية بحزب النهضة والفضيلة، المنشق قبل سنوات عن حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بنكيران، لم يخض السلفيون المغاربة بعد تجربة المشاركة السياسية، كما فعل أقرانهم في بعض البلدان المجاورة. بيد أنهم يتصدرون واجهة النقاشات الدينية والحقوقية، وخصوصا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد العفو الملكي عن رموز هذا التيار، المدانين بالإرهاب، والإفراج عنهم في السنتين الأخيرتين.
قضية أحمد عصيد، الكاتب المغربي الذي هاجمه سلفيون أخيرا بسبب آرائه، تؤكد هذا المعطى. فبعد انتقاده لحضور قيم العنف باسم الدين إلى جانب قيم التسامح في مقررات التعليم بالمغرب، اتهم أحمد عصيد بـ "إهانة الرسول". تهمة انطلقت من الصفحة الرسمية على موقع فيسبوك للشيخ حسن الكتاني لتبلغ منابر المساجد، وذلك بدعم من حركة التوحيد والإصلاح، التي نشأ عنها حزب العدالة والتنمية الحاكم.
تواطؤ سياسي
قبل اعتقالهم غداة تفجيرات 16 مايو الإرهابية، كان شيوخ السلفية خطباء مساجد في طنجة وسلا وفاس. لم يسترجع أي منهم وظيفته خطيبا في المساجد بعد الإفراج عنهم، لكن موقف الشيخ حسن الكتاني من أحمد عصيد وجد طريقه بسهولة نحو أكثر من مسجد في مدن القنيطرة وسلا ومكناس.
المتضامنون مع عصيد طالبوا وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بـ "التدخل لمنع استعمال المساجد وخطب صلاة الجمعة، في حملات المس بالحق في الحياة والسلامة البدنية للأستاذ أحمد عصيد ومصادرة حقه في التعبير عن رأيه المكفول بمقتضيات الدستور والقانون والتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان".
لكن عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية، اصطف إلى جانب مهاجمي عصيد متحدثا في كلمة له بمناسبة مؤتمر شبيبة العدالة والتنمية عن "التعريض بالرسول"، وهي التهمة التي وجهها الشيخ حسن الكتاني للكاتب المغربي. رغم أنه عاد ليؤكد في خطاب بمناسبة عيد العمال، أن الصراع في المغرب ليس بين الإسلاميين والعلمانيين، وإنما هو بين المفسدين والنزيهين.
من جهتهم شارك قياديون في حركة التوحيد والإصلاح، في الهجوم على أحمد عصيد، وهي الجمعية الدعوية التي ينتمي إليها وزراء في الحكومة من حزب العدالة والتنمية الإسلامي.
وفي حوار مع DW عربية يستغرب موليم العروسي، أستاذ الفلسفة بجامعة الحسن الثاني بنمسيك بالدار البيضاء، من "موقف المتفرج الذي اتخذته السلطات في هذه القضية، رغم خطورة ما قيل في حق أحمد عصيد". موقف يفسره العروسي بـ "التناقضات التي تعيشها الدولة والتي يعبر عنها الدستور الجامع للحداثة والتقليد في نفس الوقت". داعيا إلى ضرورة "حسم هذا التناقض لصالح الحداثة وحقوق الإنسان". كما لا يستبعد العروسي حضور الهاجس الانتخابي في موقف حزب العدالة والتنمية من هذه القضية.
محمد المغراوي ومحمد الفيزازي، وهما من شيوخ السلفية، دعوا أنصارهما إلى التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية في انتخابات 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011. أما حسن الكتاني وعبد الوهاب الرفيقي، فما فتئا يعبران عن مساندتها للحكومة، منذ الإفراج عنهما في فبراير/ شباط 2012. وفي أبريل/ نيسان من السنة الماضية اضطر لحسن حداد، وزير السياحة، للرد على المغراوي بعدما هاجم السياح الأجانب بحضور مصطفى الرميد، وزير العدل عن حزب العدالة والتنمية، كما أظهر ذلك شريط فيديو على شبكة الإنترنت.
تأثير متزايد
ويذكر عبد الحكيم أبو اللوز، الباحث في مركز جاك بيرك للعلوم الإنسانية والاجتماعية وصاحب أطروحة دكتوراه حول موضوع "الحركات السلفية في المغرب، بحث أنتربولوجي سوسيولوجي"، في تعليقه على مكانة شيوخ السلفية أن "أبحاثا ميدانية كثيرة أكدت أن المغاربة يستقون معلوماتهم الدينية من الشيوخ السلفيين".
وفي حوار مع DW عربية ينبه أبو اللوز إلى أن هؤلاء الشيوخ "لا يتحدثون كثيرا في السياسة، لذلك أستبعد سيناريوهات قيامهم بأدوار سياسية منافسة لحزب العدالة والتنمية. المهم أنهم مصدر للمعلومات والمعرفة الدينية بالنسبة للكثيرين في مواضيع تثير جدلا دينيا محضا. هم جزء من ظاهرة الإسلام المعولم القائم على الحضور المكثف في وسائل الإعلام."
وفي نتائج دراسة حديثة أعدها مركز أبحاث أمريكي في عدد من البلدان الإسلامية، يظهر أن 83 في المائة من المغاربة يؤيدون تطبيق الشريعة.
,في 15 فبراير/ شباط الماضي ألقى الداعية عبد الله النهاري محاضرة وسط حشد من طلبة المدرسة الوطنية للصناعة المعدنية بالرباط. وذلك قبل أيام قليلة من صدور حكم يبرئه من تهمة التحريض على القتل التي كان متهما بها، لإهداره دم صحافي دافع عن مبدأ الحرية الجنسية. في تلك المحاضرة قال النهاري للطلبة إن "الحداثة الغربية تتميز بالانحلال الأخلاقي، والتفكك الأسري والقلق النفسي والأمراض العقلية"، مهاجما ظهور النساء بلباس البحر في الشواطئ المغربية، وسط تصفيق وتهليل الحضور.
عودة المخاوف
بعد أيام قليلة من الإفراج عنه في فبراير 2012، قال الشيخ حسن الكتاني في حوار مع موقع DW "نحن بصفتنا العلمية جزء من هذا المجتمع، وسنحاول بإذن الله أن نبين الأمور التي تسعى أغلبية الشعب لمعرفتها. أما الصراع مع الحقوقيين، الذين نشكرهم على مساندتهم لنا، فلن يتعدى النقاش العلمي". لكن الكتاني في جداله الأخير مع الكاتب أحمد عصيد، وصفه بأنه "عدو الله لا يؤمن بالله واليوم الآخر". تصريح "قد يؤدي إلى مصادرة حق عصيد في الحياة والمس بسلامته البدنية أو أمنه الشخصي"، كما أكدت لجنة التضامن معه في بيان لها.
موليم العروسي يرى في حوار مع DW عربية أنه "حينما يخصص خطباء المساجد موضوع خطبتهم للتهجم على أحمد عصيد وذكره بالاسم وتحوير كلامه، فنحن أقرب ما نكون إلى أجواء التحريض على العنف التي سبقت تفجيرات 16 مايو الإرهابية."
بالمقابل يعتبر البعض هذه المخاوف مبالغا فيها، محذرا من استغلال تصريحات السلفيين لعدم حل مشكلة مئات الإسلاميين المعتقلين في السجون على خلفية أحداث 16 مايو الإرهابية. بيد أن كثيرين من العلمانيين، في الجمعيات الحقوقية، كانوا في صدارة المدافعين عن عدم سجن السلفيين بسبب التعبير عن الرأي، مؤكدين في نفس الوقت على مسؤولية برامج التعليم ووسائل الإعلام العمومي في مواجهة التحريض على العنف باسم الدين.