السودان.."احتجاجات خبز" في "سلة غذاء" العالم العربي
١٠ يناير ٢٠١٨لقي خمسة أشخاص على الأقل حتفهم خلال الاحتجاجات ضد ارتفاع أسعار الخبز في العاصمة السودانية الخرطوم، حسبما قال متحدث باسم المعارضة الثلاثاء (التاسع من كانون الثاني/يناير 2018). وبدأت أعمال الشغب منذ يوم الجمعة الماضي، عندما ضاعفت الحكومة سعر الخبز. وقال موسى حسين، سكرتير الحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن "الشرطة السودانية أطلقت الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع على الطلاب، الذين كانوا يحتجون على مضاعفة سعر الخبز في العاصمة الخرطوم".
وتضاعفت أسعار الخبز هذا الأسبوع في السودان، بعدما قررت الحكومة التوقف عن استيراد القمح وعهدت للقطاع الخاص القيام بذلك، ما أثار استياءً كبيراً بين السكان. ورفعت المطاحن سعر كيس دقيق القمح زنة 50 كيلوغرام من 167 (24,2 دولار) إلى 450 جنيهاً سودانياً (65 دولار)، ما أدى لاندلاع مظاهرات معارضة للحكومة منذ يوم السبت في بعض مناطق البلاد.
"اجتماعية وسياسية أيضا"
خطار أبو دياب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس والخبير في شؤون الشرق الأوسط، يقرأ التطورات موضحاً: "كالعديد من الدول العربية يعاني السودان من فشل اقتصادي؛ إذ وصل النظام إلى مرحلة لم يعد فيها قادراً على الاستمرار في دعم السلع الاستهلاكية الإساسية وتوفير الحاجيات بأسعار منخفضة. ويتابع خطار أبو دياب في حديث لـDW عربية: "من المؤسف أن يحدث ذلك في بلد قيل عنه يوماً أنه يكفي لوحده أن يكون مزرعة غذاء إفريقيا". ويرجع أبو دياب الاحتجاجات إلى: "ارتفاع عدد السكان وعدم توافر الموارد وانقطاع المساعدات من الخارج، بالإضافة للفساد وسوء الإدارة".
أمس الثلاثاء قال تجار إن العملة السودانية هبطت من نحو 29.5 جنيه الاثنين إلى 30.5 جنيه مقابل الدولار الواحد، مواصلة تراجعها وسط الاحتجاجات والنقص الحاد في العملة الصعبة. وخفض السودان هذا الشهر قيمة عملته إلى 18 جنيهاً مقابل الدولار، الذي كانت قيمته في السابق 6.7 جنيهاً فقط. ورغم ذلك، لا تزال العملة الصعبة شحيحة في النظام المصرفي الرسمي، وهو ما يدفع المستوردين إلى اللجوء للسوق السوداء التي ترتفع فيها الأسعار بشكل متزايد.
ويعتقد أبو دياب، العضو بـ"المركز الدولي للجيوبولتيك" في باريس، أن الاحتجاجات ليست اقتصادية "فقط"، بل اقتصادية-اجتماعية، و"تخفي وراءها جانباً سياسياً يتمثل برفض ترشح البشير لولاية رئاسية جديدة وعدم وجود آفاق واستمرار النظام بالحروب وحتّى رفض لاستمرارية النظام نفسه". وكان وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور قد قال قبل أقل من شهر إن الرئيس البشير أعلن كثيراً أنه لا يرغب في الترشح، لكن هناك رغبة شعبية واضحة جداً، بل هناك أيضا أحزاب كثيرة غير المؤتمر الوطني تنادي بإعادة ترشيح البشير.
وتولى البشير السلطة منذ ما يقرب من 30 عاماً، ويحكم البلاد بقبضة تزداد شدة. وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت مذكرات اعتقال بحقه في عامي 2009 و2010؛ بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور.
الحكومة تحذر وتتهم
وقال شهود إن مئات الطلاب السودانيين ألقوا حجارة الاثنين على شرطة مكافحة الشغب، التي ردت بإطلاق الغاز المسيل للدموع. وأضافوا أن الشرطة فرضت طوقاً لإجبار أكثر من 300 متظاهر على دخول حرم جامعة الخرطوم، أكبر جامعات السودان، وواصلت إطلاق الغاز المسيل للدموع بينما هتف الطلاب "لا لا للغلاء".
ونفى وزير الدولة بوزارة الداخلية بابكر دقنة أن تكون المظاهرات رداً على ارتفاع أسعار السلع، ونقلت وكالة أنباء السودان عنه قوله إن الشرطة "ستتعامل بالقمع مع التظاهر بالتخريب".
وحذرت السلطات من أنها ستقمع الاحتجاجات. وقال بابكر دقنة وزير الدولة بوزارة الداخلية إن "الشرطة لن تتوانى في قمع التظاهرات التي تخرج دون ترخيص"، حسبما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية. وأضاف أن "التعبير بالطرق السلمية مسموح، لكن التخريب ممنوع".
ومن جانبه، لا يعتقد خطار أبو دياب أن "الأمور ستتطور إلى احتجاجات جماهيرية واسعة. بيّد أن الأمر متوقف على تعامل النظام مع الاحتجاجات؛ إذ عندما تبدأ لعبة إراقة الدماء يمكن أن يحصل الأسواء".
يشار إلى أن السودان شهد عام 2016 مظاهرات احتجاجية إثر قرار الحكومة الحد من الدعم للوقود، ما أثار ارتفاعا حاداً في الأسعار. وسارع النظام إلى قمع حركة الاحتجاج خشية تكرار الصدامات الدامية، التي شهدتها البلاد عام 2013، والتي أوقعت عشرات القتلى؛ على خلفية خفض سابق لدعم الوقود.
"ثورات وانتفاضات" الخبز.. دورس من التاريخ
ليس السودان هو البلد العربي الوحيد الذي شهد ويشهد احتجاجات بسبب الغلاء ورفع الدعم عن المواد الأساسية. ففي تونس، لم تكن الاحتجاجات، التي انطلقت منذ أيام وتتواصل حتى الآن على إجراءات التقشف، بجديدة على بلد "ثورة الياسمين". ففي عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وعلى خلفية قرار الحكومة بإلغاء الدعم الحكومي عن العجين ومشتقاته، ما يعني آلياً رفع أسعار الخبز، انطلقت من مدن الجنوب التونسي بنهاية كانون الأول/ ديسمبر عام 1983 "أحداث الخبز" لتعم بعدها أغلب أنحاء البلاد وصولاً إلى العاصمة.
وبلغت الاحتجاجات ذروتها بدءا من اليوم الثاني من كانون الثاني / يناير عام 1984 مع إعلان وزارة الداخلية عن سقوط قتلى وجرحى في مواجهات بين محتجين والشرطة. وأعلن بورقيبة حالة الطوارئ في البلاد، كما فرضت السلطات حظر تجوال، قبل أن يضطر بورقيبة للتراجع وإلغاء قرار رفع الدعم الحكومي. ويقدر الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة عمال في تونس، عدد الضحايا، الذين سقطوا برصاص الأمن والجيش في تلك الأحداث بالمئات.
وفي مصر خرجت يومي 18 و19 كانون الثاني/يناير من عام 1977 مظاهرات حاشدة للاحتجاج على رفع أسعار المواد الأساسية. وأطلق البعض عليها اسم "انتفاضة الخبز"، بينما وصمها الرئيس الأسبق أنور السادات بـ"انتفاضة الحرامية"، متهما أعداءه الداخليين بالوقوف خلفها. وإثر المظاهرات تراجعت الحكومة عن قرار رفع الدعم.
وفي الأردن انطلقت من جنوب البلاد، من مدينة معان، ما أُطلق عليه "هبة نيسان" عام 1989. والسبب ما كانت تعيشه البلاد آنذاك من ظروف اقتصادية صعبة. وامتدت المظاهرات إلى عدة مدن كالسلط وأربد والكرك. وتطورات الاحتجاجات إلى صدامات مع الجيش والأمن وسقط ضحايا. وأدت المظاهرات إلى إقالة الحكومة. ويرجع مراقبون الفضل إلى تلك الاحتجاجات في قيام الملك الراحل حسين بإعادة الحياة البرلمانية وإلغاء الأحكام العرفية.
خالد سلامة