واصل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الاشتباكات رغم بدء الهدنة التي ضغطت الولايات المتحدة على الطرفين لإقرارها، وسط مخاوف من كارثة في القطاع الصحي، فيما هاجم مقاتلون عمال إغاثة ومستشفيات ودبلوماسيين.
إعلان
أفسد إطلاق كثيف للنيران هدنة لمدة 24 ساعة في السودان بعد قليل من بدء سريانها تحت وطأة ضغوط أمريكية على الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية لوقف القتال الذي تسبب في أزمة إنسانية.
وتردد دوي إطلاق كثيف للنيران في خلفية بث مباشر لقنوات تلفزيونية عربية من الخرطوم بعد دقائق من السادسة مساء بالتوقيت المحلي (16:00 بتوقيت غرينتش)، وهو التوقيت المتفق عليه لبدء سريان وقف إطلاق النار.
طائرات حربية وانفجارات
وسُمع دوي إطلاق نار في أنحاء الخرطوم في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء (18 أبريل/نيسان 2023) مصحوبا بأصوات طائرات حربية وانفجارات. وأفاد سكان في مدينتي أم درمان وبحري المجاورتين للعاصمة بوقوع ضربات جوية هزت المباني وإطلاق نيران مضادة للطائرات. وقالت الأمم المتحدة إن القتال اندلع أيضاً في غرب البلاد.
وفي مقطع مصور تحققت منه رويترز، ظهر مقاتلون من قوات الدعم السريع داخل قسم من مقر قيادة الجيش في الخرطوم. وقال مراسل لرويترز في العاصمة إن المقاتلين لم يسيطروا على ما يبدو على الموقع المترامي الأطراف.
وقالت نقابة أطباء السودان الثلاثاء إنّه تمّ "قصف مستشفى الشعب بالطيران"، موضحة أنّ القصف أصاب "المبنى الإداري ومبنى الحوادث وصهريج المياه وسكن الممرضات بمستشفى ابن سينا الجامعي". وأضافت أنّه "تم الاعتداء علي العديد من المرافق الصحية في العاصمة الخرطوم و الأقاليم وخروج بعضها من الخدمة وإغلاق البعض الآخر".
وكانت الطائرات الحربية تحلق في سماء الخرطوم وسمع مراسل لرويترز دوي نيران دبابات بعد وقت قصير من بدء الهدنة، وقال أحد السكان لرويترز إنه سمع ضربة جوية في أم درمان، على الضفة الأخرى للنيل المواجهة للخرطوم. وأفاد العديد من الشهود أن قوة برية كبيرة تابعة للجيش دخلت المدينة من الشرق.
تبادل للاتهامات
وأصدر الجيش وقوات الدعم السريع بيانين تبادلا فيهما الاتهامات بعدم احترام وقف إطلاق النار. وقالت القيادة العامة للقوات المسلحة إنها ستواصل عملياتها لتأمين العاصمة والمناطق الأخرى.
وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة في إفادة صحفية في نيويورك "لم نتلق أي مؤشرات هنا على توقف القتال".
وكانت قوات الدعم السريع أعلنت على تويتر صباح الثلاثاء "الموافقة من جانبها" على مقترح دولي بالالتزام بهدنة إنسانية لمدة 24 ساعة اعتباراً من عصر الثلاثاء في الساعة 16:00 ت غ، لكنّ الجيش قال في تغريدة إنّ "لا علم له" بأيّ هدنة.
ومساء الثلاثاء أكّد الجيش في بيان أنّه "تمّ عرض مقترح هدنة من أطراف دولية لمدة 24 ساعة للنواحي الإنسانية وافقت عليها القوات المسلّحة، إلا أنّ مليشيا التمرّد لم تلتزم بها ولم تتوقف مناوشاتهم" ولا سيّما في محيط القيادة العامة للقوات المسلّحة ومطار الخرطوم.
واندلعت المعارك بعد خلافات بين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو الملقّب بـ"حميدتي" بشأن خطة دمج قوات الدعم السريع في صفوف الجيش النظامي، وهو شرط أساسي لاتفاق نهائي يهدف لطي صفحة أزمة تعيشها البلاد منذ انقلاب 2021 الذي أخرج عملية الانتقال الديموقراطي عن مسارها.
ويصرّ الطرفان على أنهما يسيطران على مواقع رئيسية تشمل المطار والقصر الرئاسي، وهو أمر لا يمكن التحقّق من صحته بشكل مستقل.
مستقبل غامض للمرحلة الانتقالية
وعرقل الصراع، الذي اندلع بين قائد الجيش وقائد قوات الدعم السريع قبل أربعة أيام، خطة مدعومة دولية للانتقال نحو حكم مدني بعد أربعة أعوام على الإطاحة بنظام الحكم الاستبدادي لعمر البشير في أعقاب احتجاجات شعبية وبعد عامين على انقلاب عسكري.
وقالت الأمم المتحدة إن الصراع تسبب في كارثة إنسانية من بين جوانبها الانهيار الوشيك للنظام الصحي في البلاد. وعلق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة عملياته في أعقاب مقتل ثلاثة من موظفيه. وأسفرت المواجهات عن مقتل ما لا يقل عن 185 شخصاً في أنحاء البلاد.
ويرأس البرهان مجلس السيادة الحاكم الذي جرى تشكيله بعد عزل البشير عام 2019 وأعيد تشكيله بعد انقلاب عسكري عام 2021، بينما يشغل حميدتي منصب نائب رئيس المجلس.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن متحدثا في اليابان اليوم إنه اتصل هاتفياً بكل من القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف أيضا باسم حميدتي، ودعاهما إلى وقف إطلاق النار "للسماح للسودانيين (المدنيين) بالعودة الآمنة إلى أسرهم" وتوفير فرصة لهم لالتقاط الأنفاس.
وبدا أن القتال كان يهدأ مع اقتراب موعد وقف إطلاق النار الذي يتزامن مع موعد الإفطار اليومي خلال شهر رمضان.
تقارير عن اعتداءات جنسية
هاجم مقاتلون عمال إغاثة ومستشفيات ودبلوماسيين، بما في ذلك سفير تابع للاتحاد الأوروبي تعرض لاعتداء في مقر إقامته.
وقال مارتن جريفيث مسؤول المساعدات بالأمم المتحدة اليوم الثلاثاء إن استهداف موظفي المساعدات الإغاثية والمنشآت الخاصة بعمليات الإغاثة في السودان لا يزال مستمراً، مضيفاً أن الأمم المتحدة تتلقى تقارير عن تعرض موظفي الإغاثة لهجمات واعتداءات جنسية. وقال في منشور على تويتر "هذا غير مقبول ويجب أن يتوقف"، مضيفا أن مكتب الأمم المتحدة للمساعدات في جنوب دارفور تعرض للنهب أمس الاثنين.
وقال بلينكن إن موكبا أمريكيا تعرض لهجوم على الرغم من أن المركبات كانت تحمل لوحات دبلوماسية وترفع الأعلام الأمريكية. وأضاف أن التقارير الأولية تشير إلى أن الهجوم الذي وقع أمس الاثنين شنته فيما يبدو عناصر مرتبطة بقوات الدعم السريع، واصفا الحادث بأنه "طائش". وقال إن جميع الأمريكيين في الموكب لم يصابوا بأذى في الحادث.
ع.ح./ف.ي. (أ ف ب ، رويترز)
في صور: دوامة الصراع على السلطة في السودان..أبرز القوى السياسية والعسكرية
منذ سقوط نظام البشير تتصارع قوى سياسية وعسكرية على السلطة في السودان. وتسبب الصراع في عدم استقرار الأحوال بالبلاد على مدى سنوات، إلى أن اندلع القتال الأخير بين الجيش وقوات الدعم السريع. فما هي أبرز تلك الجهات المتصارعة؟
صورة من: Ebrahim Hamid/AFP/Getty Images
قوى "إعلان الحرية والتغيير"
وهي تجمع لعدد من التيارات والمكونات السياسية الإئتلافات المدنية السودانية، منها "تجمّع المهنيين" و "الجبهة الثورية" و "تحالف قوى الإجماع الوطني" و "كتلة التجمع الاتحادي" و "كتلة قوى نداء السودان".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
تأسيس "إعلان الحرية والتغيير"
تأسّست قوى الحرية في كانون الثاني/يناير 2019 خِلال الاحتجاجات التي اندلعت عام 2018 ضد حكم الرئيس السابق عمر البشير. قامت تلك القوى المعروفة اختصاراً باسم "قحت" بصياغة "إعلان الحرية والتغيير" و"ميثاق الحرية والتغيير" الذي دعا إلى إقالة البشير من السلطة وهو ما حدث في نيسان/أبريل عام 2019.
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
الجيش يطيح باتفاق تقاسم السلطة
استمرت "قحت" في نشاطها ونظمت احتجاجات في وجه المجلس العسكري الذي حكم البلاد "نظريًا" بعد سقوط نظام البشير ثمّ دخلت في مرحلة مفاوضات مع الجيش حتى توصلت معه في 17 تموز/يوليو 2019 إلى خطة لتقاسم السلطة لكنها لم تصمد كثيراً، حيث أطاح الجيش السلطة المدنية واتُهم بتنفيذ "انقلاب".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
الجيش الحاكم الفعلي منذ استقلال السودان
الحاكم الفعلي للبلاد منذ إعلان الجمهورية عام 1956. يحتل المركز 75 عالمياً في قائمة أقوى جيوش العالم ويصل عدد أفراده إلى نحو 200 ألف جندي بين قوات عاملة واحتياط. لدى الجيش السوداني 191 طائرة حربية متنوعة بين مقاتلات وطائرات هجومية وطائرات شحن عسكري وطائرات تدريب ومروحيات هجومية. كما يمتلك 170 دبابة وآلاف المدرعات وأنواع مختلفة من المدافع وراجمات الصواريخ إلى جانب أسطول بحري صغير.
صورة من: Sovereignty Council of Sudan/AA/picture alliance
انقلاب الجيش على الحكومة المدنية
استولى الجيش في أكتوبر/تشرين الأول 2021 على السلطة وأعلن حالة الطوارئ، منهياً اتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين في خطوة وصفت بأنها انقلاب عسكري. تقول التيارات المدنية إن الجيش يرفض تسليم السلطة للمدنيين ما أدى لصدامات متعددة كان أبرزها ما سمى "بمجزرة القيادة العامة" في حزيران/يونيو 2019 وراح ضحيتها أكثر من 100 قتيلٍ في يومٍ واحد وتبرأ المجلس العسكري منها وأكد فتح تحقيقات بشأنها.
صورة من: Sudan Sovereignty Council Press Office/AA/picture alliance
الرجل القوي في الجيش السوداني
يقود الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان والذي برز اسمه في فبراير/شباط 2019، مع إعلان البشير ترقيته من رتبة فريق ركن إلى فريق أول. تولى العديد من المناصب داخل وخارج السودان. عقّدت الانقسامات بين قوات الدعم السريع والجيش جهود استعادة الحكم المدني. وسرعان ما دب الخلاف بين الرجلين القويين عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة ومحمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع ونائب البرهان.
صورة من: ASHRAF SHAZLY/AFP/Getty Images
قوات الدعم السريع..ميليشيات الجنجويد بالأمس
عمودها الأساسي ميليشيات الجنجويد وهي جماعات مسلحة كانت موالية للبشير، أثارت ذعراً شديداً منذ عام 2003 حين قامت بسحق تمرد في دارفور. اتهمت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية. أضفى البشير الشرعية عليها لتتحول إلى "قوات الدعم السريع" وفق قانون أجازه المجلس الوطني في عام 2017". حصل قائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي" على رتبة عسكرية وكان له مطلق الحرية في السيطرة على مناجم الذهب في دارفور.
صورة من: Hussein Malla/AP/picture alliance
قوات الدعم السريع..الرجال والعتاد
يُقدر عدد أفراد قوات الدعم السريع بنحو 100 ألف فرد ينتشرون في جميع أنحاء البلاد. تمتلك عدداً كبيراً من الأسلحة الخفيفة مثل البنادق والرشاشات والأسلحة المضادة للدروع والصواريخ الموجهة والمتفجرات اليدوية والأسلحة الثقيلة مثل المدافع والدبابات وآلاف من سيارات الدفع الرباعي وغيرها.
صورة من: Hussein Malla/AP/picture alliance
من هو محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع؟
"حميدتي" اللواء محمد حمدان دقل، هو تاجر جمال سابق وحاصل على قدر من التعليم الأساسي ويعد الرجل الثاني في السودان وأحد أثرى الأشخاص في البلاد. أدى دوراً بارزاً في السياسة المضطربة في السودان على مدى سنوات وساعد في إطاحة الرئيس البشير عام 2019، والذي كانت تربطه به علاقة وثيقة ذات يوم. تولى عدداً من أهم الملفات في السودان بعد سقوط البشير، بما في ذلك الاقتصاد المنهار ومفاوضات السلام مع جماعات متمردة.
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
"حميدتي" ..رجل من؟
يتمتع حميدتي بعلاقات دولية قوية مع عدة دول أجنبية مثل روسيا وإثيوبيا، وأخرى عربية منها السعودية والإمارات خاصة بعد أن أرسل قواته لدعمهما ضد الحوثيين في الحرب الأهلية اليمنية. يقول مراقبون إنه منذ سقوط البشير وهو يسعى ليصبح الرجل الأول في السودان.
صورة من: Russian Foreign Ministry Press Service/AP/picture alliance
كيانات التيار الإسلامي
وهي تنظيمات وتيارات وكيانات إسلامية متنوعة المشارب والاتجاهات، منها "حركة الإصلاح الآن" بقيادة غازي صلاح الدين العتباني وهو مستشار سابق للبشير، وأيضاً "الحركة الإسلامية السودانية" بقيادة حسن عمر و"منبر السلام العادل" و "حزب دولة القانون والتنمية".
صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance
موقف كيانات التيار الإسلامي
تقول قوى سياسية سودانية إن التيار الإسلامي في أغلبه يضم رموزاً من العهد السابق وأن أغلب مكوناته تنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين. من جهتها تقول تلك التيارات الإسلامية إنها تعمل على حفظ السيادة الوطنية وجعل قيم الدين هي الحاكمة لجميع أوجه الحياة إضافة لإصلاح الشأن السياسي. إعداد: عماد حسن.