السودان.. تساؤلات حول انقلاب فاشل عشية انتقال السلطة
١٢ يوليو ٢٠١٩
أعلن في السودان عن إحباط محاولة انقلابية عشية الاتفاق بين العسكر وقوى الحرية والتغيير على مرحلة انتقالية لأنهاء الأزمة. توقيت الانقلاب المفترض وغموض هوية من قام به يفتحان الباب أمام تساؤلات عدة حول سبب وحقيقة الانقلاب.
إعلان
الانقلاب الفاشل في السودان: خلفياته ودلالات
23:33
إعلان المجلس العسكري الانتقالي عن احباط محاولة انقلابية قام بها عدد من منتسبي المؤسسة العسكرية من ضباط حاليين ومن ضباط محالين على التقاعد جاء مقتضبا من حيث المعلومات الأساسية. فالقيادة العسكرية الانتقالية للبلاد لم تكشف الكثير من المعلومات عن هوية الانقلابين ورتبهم العسكرية إلى جانب عدم وجود معلومات عن مواقعهم في هيكلية الجيش.
كل ما تم الإعلان عنه هو "إنّه تمّ كشف وإحباط مُحاولة انقلابيّة "تمَّ التّخطيط والتّحضير لها من قِبل مجموعة من الضبّاط وضبّاط الصفّ بالخدمة والمعاش بالقوّات المسلّحة وجهاز الأمن والمخابرات الوطني"، حسب ما جاء في الخطاب الرسمي. لكن الفريق أوّل ركن جمال عمر الذي أعلن في خطاب متلفز نبأ فشل المحاولة الانقلابية في كلمة مباشرة بثّها التلفزيون الرّسمي لم يذكر مثلا متى وقع الانقلاب، ولا هويات المشاركين فيها، فيما أعلن أنه سيتم تقديمهم إلى المحاكم.
مجرد شائعات؟
من الطبيعي في مثل هذه الحالات أن تنطلق الشائعات والتخمينات والتكهنات في مختلف الاتجاهات، حيث بات من الصعب لملمة خيوط كل تلك الشائعات والتكهنات والبدء في تمحيصها وتدقيقها للخروج بتصور يكون قريبا من الواقع ولو نسبيا.
ومن أبرز ما يقال في هذا المجال هو أن الانقلابين المفترضين حاولوا احباط الاتفاق المبرم بين المجلس العسكري وبين قوى الحرية والتغيير بشأن ترتيبات المرحلة الانتقالية وصولا إلى تشكيل حكومة مدنية. ولكن لماذا افشال الاتفاق؟ في حين تسعى المؤسسة العسكرية إلى تهدئة الأوضاع والعودة بالبلاد إلى حياة طبيعة.
ربما تجدر الإشارة هنا إلى أن بعض القواعد الاجتماعية لقوى الحرية والتغيير غير راضية على الاتفاق المبدئي والذي من المحتمل أن يكتمل بصيغته النهائية في الساعات القليلة القادمة ويرفضون أي مشاركة للعسكر في المرحلة الانتقالية المقبلة. والحديث هنا يجري عن أحياء شعبية في الخرطوم عانت الكثير وفقدت العديد من أبنائها خلال المرحلة الأولى من الانتفاضة الشعبية ضد نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير.
ويفترض بعض المراقبين أن المحاولة الانقلابية الفاشلة هي حالة مفترضة، الغرض منها بعث رسالة من العسكر إلى القوى المدنية تقول لا تتمادوا كثيرا، وإلا يقف العسكر لكم بالمرصاد. هذه الفرضية تأتي بعد عودة الحياة إلى الشبكة العنكبوتية في السودان، حيث ظهرت عشرات الفيديوات التي تكشف بشاعة فض الاعتصام مطلع حزيران/ يونيو الماضي ومطالبة بتقديم المسؤولين عنها إلى المحاكم. والمسؤولون عن فض الاعتصام يجلسون مع قوى الحرية والتغيير على طاولة المفاوضات لترتيب البيت السوداني الجديد.
صراع القوى داخل الجيش
بالإضافة إلى ما تقدم، فإن تساؤلات أخرى تفرض نفسها على بساط البحث: منها ما يتعلق بمراكز القوى داخل المؤسسة العسكرية، ومنها ما يتعلق بالصراع الفكري والإيديولوجي داخل الجيش والذي جاء إثر المنافسة الحادة بين ديكتاتور العقود الثلاثة الأخيرة البشير، وحلفائه السابقين من القوى الإسلامية الذي اطاح بهم خلال فترة العقدين الأخيرين من حكمه.
يستبعد الخبير الألماني في الشؤون السودانية توبياس زيمون الاحتمال الأخير في شان صراع الإسلاميين مع قوى أخرى معارضة لها داخل الجيش. ويعتقد زيمون أن الصراع داخل الجيش السوداني يتركز وبشكل اساسي على السلطة، والسلطة وحدها لا أكثر ولا أقل، حسب تعبيره.
لكن الخبير يرى أن ضباط الجيش السوداني يتأثرون أيضا بالملفات السياسية في البلاد. ففي السودان، وحسب زيمون، تواجه مشكلة سياسية وعسكرية حيثما تدور. في الجنوب مازالت مشكلة جنوب السودان رغم الانفصال عن البلاد، تتفاعل بتداعياتها. كما لا يجوز أن ننسى قضية دارفور في شمال غرب البلاد. إلى ذلك هناك مشاكل كثيرة تحوم في البلاد وتقلق السياسيين العسكريين على السواء. هذه الظروف فرضت نفسها على مواقف ضباط الجيش بشكل مباشر أو غير مباشر، حسب قناعة الخبير زيمون.
تخبط البشير
في نفس الوقت ظهرت في السنوات الأخيرة أيضا تناقضات ذات طابع مختلف، فمن جانب كان البشير ونظامه قريبا جدا من قطر وتركيا وكان يتمتع بدعم الدولتين، حسب رأي الخبير توبياس زيمون، لكن الجيش السوداني شارك أيضا في حرب اليمن لصالح موقف السعودية والإمارات، حسب ما يذكر زيمون في حديثه مع DW عربية. وهو أمر قد يكون ترك مخلفات داخل الجيش، ما يمكن أن يثير صراعا بين قوى الأمس وميزان القوى اليوم، حسب رأي الخبير الألماني.
يذكر أن نائب رئيس المجلس الانتقالي العسكري ، الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، قد قام بزيارة للخليج لطمأنة الحلفاء فيما يخص المشاركة السودانية في حرب اليمن ومن ثم ضمان تدفق المال الخليجي إلى السودان في فترة اقتصادية حرجة للبلاد.
وربما يكون هذا أيضا سببا يزعج بعض مراكز القوى داخل المؤسسة العسكرية التي تشعر بخسارة نفوذها ومن ثم خسارة مصالحها وتهميشها في المستقبل في ظل حكومة مدنية مقبلة.
وربما تضع القيادة العسكرية نهاية لكل هذه التخمينات عندما تكشف عن أسماء المشاركين في المحاولة الانقلابية، والتي ربما، وحسب رأي المراقبين، لن تكون الأخيرة في مسلسل الانقلابات في السودان.
حسن ع. حسين
السودان.. محطات من صراع المعارضة مع العسكر
السودانيون بين الأمل والقلق حول مستقبل أوضاع بلادهم. في الصباح يستيقظون على أنباء إحباط محاولة إنقلابية وفي المساء تأتي أخبار بالتوصل لاتفاق بين العسكر وقوى المعارضة. في صور: محطات الصراع على السلطة بين المحتجين والجيش.
صورة من: AFP/Getty Images/A. Shazly
إعلان الوساطة الإفريقية الإثيوبية المُشتركة الجمعة (12 يوليو تموز 2019) بأن قوى إعلان الحرية والتغيير المعارضة والمجلس العسكري الإنتقالي في السودان توصلا إلى اتفاق كامل بشأن "الإعلان السياسي" المُحدد لكافة مراحل الفترة الإنتقالية، وخارطة طريق لتنظيم الانتخابات. هذا الإعلان يأتي في وقت لم تُبدد فيه بشكل نهائي المخاوف من تعطيل انتقال السلطة للمدنيين.
صورة من: AFP/Getty Images/A. Shazly
في الحادي عشر من يوليو/ تموز استيقظ السودانيون على بيان للمجلس العسكري الحاكم يعلن فيه أن مجموعة ضباط حاولوا القيام "بانقلاب عسكري" لتقويض اتفاق بين الجيش والمعارضة لاقتسام السلطة لفترة مدتها ثلاث سنوات يعقبها
إجراء انتخابات. الغموض ما يزال يحيط بأهداف مدبري محاولة الإنقلاب وارتباطاتهم.
صورة من: picture-alliance/AA
احتجاجات سلمية
لأسابيع طويلة صمد المتظاهرون السودانيون أمام مقر وزارة الدفاع. آلاف المحتجين كانوا يطالبون بمجلس انتقالي يحدد فيه المدنيون مستقبل البلاد. ولكن في مطلع حزيران/ يونيو 2019 تحرك العسكر لفض الاعتصام بقوة السلاح ما أسفر عن مقتل العشرات وجرح المئات.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
باسم الأمة..
متظاهر يحمل علم السودان بالقرب من المقر الرئيسي لقيادة الجيش. العلم يرمز إلى مطلب المتظاهرين في المشاركة بشكل متساو في رسم مستقبل البلاد، والمقصود مشاركة الشعب والجيش على قدم المساواة في ذلك. ولو حدث ذلك، سيكون خطوة مهمة على طريق الديمقراطية.
صورة من: Reuters
إشارات تحذيرية
قبل أيام من فض الاعتصام، كان هناك حضور قوي للجيش. ورأى الكثير من المتظاهرين في ذلك أن الجيش ربما لا يبدو مستعدا لتسليم السلطة للمدنيين، حسب ما كان يأمله السودانيون بعد الإطاحة بالديكتاتور عمر البشير.
صورة من: Getty Images/AFP
نهاية حقبة
هيمن الرئيس المخلوع عمر البشير على السلطة منذ عام 1993 وحتى الإطاحة به في نيسان/ أبريل 2019. قمع معارضيه بكل قسوة. ومن أجل الحفاظ على سلطته أمر البشير بحل البرلمان عام 1999. في تلك الفترة كان زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أسامة بن لادن يجد في السودان ملاذا آمنا له. لكن اسم البشير يبقى مرتبطا بشكل وثيق مع الحر ب ضد الانفصاليين في إقليم دارفور.
صورة من: Reuters/M. Nureldin Abdallah
الديكتاتور أمام المحكمة
كثير من السودانيين كانوا يأملون في رؤية الديكتاتور وهو يمثل أمام المحكمة. أمل تحقق بالفعل عندما بدأت جلسة محاكمة عمر البشير في الـ 16من حزيران/ يونيو. وكانت التهم الأولية الموجهة إليه تتمثل في الفساد وحيازة عملات أجنبية بكميات كبيرة. فبعد سقوطه وجد رجال الأمن في قصره أكياسا مليئة بالدولارات قدرت بأكثر من 100 مليون دولار.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Hjaj
حضور قوي للمرأة
كان للمرأة السودانية حضور قوي في الاحتجاجات، حيث تتمتع المرأة بحرية أكبر منذ بدء الاحتجاجات. المرأة السودانية لا تقوي الاحتجاجات من حيث العدد فقط، بل تدعمها نوعيا أيضا، فهي التي أعطت الاحتجاجات وجها سلميا آخر. حضور المرأة في الاحتجاجات جسد رغبة الكثير من المواطنين في الديمقراطية والمساواة.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
أيقونة الثورة!
أصبحت طالبة كلية الهندسة المعمارية آلاء صلاح، وجها بارزا من وجوه الثورة. وهذه الصورة التاريخية التقطها مصور كان حاضرا عندما صعدت آلاء إلى سطح سيارة لتلقي خطابا أمام المحتجين. ومنذ ذلك الوقت تشهد هذه الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي مشاركة واسعة. صور من هذا النوع تعتبر من أدوات الثورة المهمة، فهي ترمز إلى الهوية الانتماء.
صورة من: Getty Images/AFP
تضامن عالمي
بفضل شبكات التواصل الاجتماعي تنتشر أخبار الاحتجاجات بسرعة حول العالم، وهذا ما حدث مع احتجاجات السودان. التي حظيت بعم معنوي عالمي كبير، كما تظهر هذه الصورة بمدينة ادينبورغ في سكوتلندا، حيث تطالب سيدة بوقف قتل المدنيين في السودان. كما أعلن وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي عن موقفهم في بيان رسمي للاتحاد الأوروبي طالبوا فيه بوقف فوري لكل انواع العنف ضد الشعب السوداني.
صورة من: picture-alliance/EdinburghEliteme/D. Johnston
دعم للجيش أيضا
لكن ليس كل السودانيين شاركوا في الاحتجاجات ضد العسكر. فهناك من يدعمهم، حيث يأملون في تشكيل حكومة صارمة. ويعتقد أنصار الجيش أنه فقط ومن خلال العسكر يمكن ضمان مستقبل مزدهر للبلاد. ويضعون أملهم هذا في شخص الجنرال عبدالفتاح برهان رئيس المجلس العسكري الذي يحملون صورته.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
في انتظار فرصته
لكن الرجل القوي الفعلي في السودان هو الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي". فهو الرجل الذي يعتقد أنه أمر القوات بفض الاعتصام أمام مقر القيادة العسكرية بقوة السلاح. وكان الجنرال قائدا لميليشيات "بالجنجويد" التي قمعت المتمردين بكل قسوة ووحشية في دارفور. ويخشى المتظاهرون من أن يصبح هذا الجنرال الرجل الأول في البلاد.
صورة من: Reuters/M.N. Abdallah
قلق في الخليج
أثارت أحداث السودان قلق السياسيين في دول أخرى، مثل محمد بن زايد آل ثاني، ولي العهد في دولة الإمارات العربية المتحدة. كما تخشى السعودية، حالها في ذلك حال الإمارات، من أن نجاح الاحتجاجات في السودان يعتبر بمثابة نجاح الثورة "من تحت" وقد يصبح مثالا يحتذى به في المنطقة. ولهذا تدعم السعودية والإمارات عسكر السودان.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Ministry of Presidential Affairs/M. Al Hammadi
الجار الشمالي يراقب بقلق!
في القاهرة تتجه الأنظار بكثير من القلق والريبة والشكوك إلى الخرطوم. وتخشى حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي أن تساهم أحداث السودان في زيادة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين التي تحاربها في مصر بكل قوة. وإذا تمكنت الجماعة من ترسيخ أقدامها في السودان، كما تخشى مصر، فإن ذلك قد يساهم في إعادة القوة إليها في مصر أيضا.
صورة من: picture-alliance/Photoshot/MENA
احتجاجات لا تنتهي
في غضون ذلك تستمر الاحتجاجات في السودان. ففي يوم الجمعة (14 حزيران/يونيو 2019) طالب صادق المهدي أحد قادة المعارضة السودانية منذ عقود، بتحقيق رسمي في عملية فض الاعتصام بالقوة. الطلب أثار غضب العسكر. والاحتجاجات في السودان تدخل في مرحلة جديدة. كيرستن كنب/ ح.ع.ح