السودان وإسرائيل: هل بدأ تطبيع العلاقات في سماء السودان؟
١٧ فبراير ٢٠٢٠
السودان، الدولة المعادية تاريخيا لإسرائيل تخلق الحدث بعد تقارب صريح مع تل أبيب بدأ يتخذ خطوات ملموسة. فهل يشكل إعلان تحليق طائرة إسرائيلية في أجواء السودان انطلاق التطبيع بين البلدين؟
إعلان
تحركات نشيطة تلك الذي دخل فيها السودان في الآونة الأخيرة للخروج من عزلته الدولية. وفي أبرز الخطوات الرامية إلى هذا الهدف يأتي الاتفاق الذي أبرمته الخرطوم مع أسر وضحايا حادث تفجير المدمرة الأميركية كول سنة 2000 والذي يقضي بتقديم السودان تعويضا لهم مقابل شطب اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب. ولأن تل أبيب لطالما نُظر إليها في السودان على أنها قد تكون أقصر طريق إلى قلب واشنطن، تجري الخرطوم تغييرات تبدو جذرية في موقفها من بلد جمعتها به عقود من العداء. فهل يعتبر إعلان تحليق طائرات إسرائيلية في أجواء السودان، أولى الخطوات الملموسة لتنفيذ التطبيع مع إسرائيل؟ وكيف ستؤثر الانتقادات الداخلية على هذا التحول في العلاقات؟
مصالح سودانية إسرائيلية مشتركة
ليست هذه المرة الأولى التي تحاول فيها الخرطوم أن تخطب ود الإسرائيليين، ففي عهد الرئيس السابق عمر البشير نفسه سبق أن كانت هناك تلميحات حول إمكانية تحسين العلاقات مع إسرائيل. تصريحات سابقة لوزير خارجية السودان ابراهيم الغندور سنة 2016 حول أن "التطبيع مع إسرائيل قابل للدراسة" اعتُبرت في حد ذاتها وقتها انقلابا في سياسة بلد كان نظامه الحاكم يعتبر مجرد الحديث عن إسرائيل بصورة إيجابية جريمة. بلدٌ كان محسوبا على ما يسمى بمحور الممانعة إلى جانب إيران وسوريا وحركات مثل حزب الله وحماس المناوئة لإسرائيل.
والآن تحاول قيادة جديدة، جعلت على رأس أولوياتها فك عزلة السودان، تحسين علاقاته الخارجية، أن تعيد الكَرة من جديد ويبدو أن الأمور تسير كما أريد لها هذه المرة والمحاولات لم تبق عند حدود التلميحات وإنما وصلت إلى مراحل متقدمة. التقارب بين تل أبيب والخرطوم أسفر عن لقاء عقد في أوغندا بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان خلال زيارة الأخير لهذا البلد الإفريقي بداية الشهر الجاري.
البرهان وهو يبرر أسباب اللقاء، لم يخف أن الهدف منه رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب معتبرا أنه سيسهم أيضا في اندماج السودان في المجتمع الدولي ومؤكدا أن السودان يعمل من أجل مصالحه دون التعارض مع عدالة القضية الفلسطينية.
ويبدو أن التغيرات الجديدة في ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني جعلت تل أبيب أيضا أكثر تحمسا من ذي قبل لبدء تعاون مع السودان، إذ يسعى الإسرائيليونلتحقيق تقارب مع أكبر عدد ممكن مع الدول العربيةفي إطار محاولات تمرير ما بات يسمى ب"صفقة القرن" التي تحظى بدعم من واشنطن وبعض العواصم العربية. وهذا ما يفسر أيضا حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي اليوم، في سياق الترحيب ببدء التعاون مع السودان، عن أن الانفراج في العلاقات مع السودان ودول مسلمة أخرى في المنطقة ليست سوى "رأس جبل الجليد" الدبلوماسي، قائلا إن "ما ترونه ليس سوى حوالي عشرة بالمئة. ستأتي تغييرات كبيرة".
رفض داخلي وضغوط اقتصادية
تبريرات البرهان للقائه بنتنياهو ومنافع تحسين العلاقات مع إسرائيل لم توقف الغضب والتنديد بالتقارب مع تل أبيب. ووصلت الانتقادات إلى درجة خروج مظاهرات في الخرطوم رافضة للتطبيع مع إسرائيل.
ورغم أن المسؤولين السودانيين حرصوا على التعامل بحذر وتحفظ مع وصف التقارب مع إسرائيل بأنه "تطبيع للعلاقات" حتى بعد اللقاء بين نتنياهو والبرهان وبعد قرار السماح للرحلات الجوية المتجهة لإسرائيل باستخدام المجال الجوي السوداني، بدت اللهجة التي استخدمها البرهان وهو يتحدث عن الأمر في حوار لصحيفة الشرق الأوسط أكثر جرأة. فقد أعلن البرهان أن مجلس الوزراء سيتولى ترتيب الاتصالات المقبلة وإدارة العلاقات الدبلوماسية بمجرد التوافق على قيامها، مؤكدا أن "تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل يلقى تأييداً شعبياً واسعاً، ولا ترفضه إلا مجموعات آيديولوجية محدودة، فيما تقبله بقية مكونات المجتمع".
وبينما يتواصل الجدل والنقاش الداخلي حول هذه القضية، جاء تصريح رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو بأن طائرة اسرائيلية حلقت للمرة الأولى فوق السودان، ليؤكد أن الدولتين ماضيتان في تحقيق التقارب على الأرض.
ويبدو أن صناع القرار في الخرطوم يعولون على ورقة الدور الإسرائيلي في رفع اسم بلدهم من قائمة الإرهاب وفتح الاستثمارات والمساعدات لتليين موقف الرأي العام من مسألة التطبيع، فالدولة الإفريقية التي نخرتها الحروب الأهلية منذ وقت يعود للفترة قبيل استقلالها رغم فترات السلام المتقطعة، تعيش وضعا اقتصاديا مزريا، جزء كبير منه يعود للحصار الاقتصادي الأمريكي بالإضافة إلى خسارة البلاد موارد النفط في الجنوب بعد استقلال جنوب السودان عقب استفتاء شعبي في 2011. وازداد الوضع الاقتصادي سوءا بعد أحداث الحراك السوداني الذي أدى إلى سقوط حكم عمر البشير.
في صور.. عهد جديد في السودان بعد اتفاق تقاسم السلطة
اتفقت القيادة العسكرية والمعارضة على التوزيع المستقبلي للسلطة في السودان: بيد أن الأمر لن يخلو من وجود العسكر، ومع ذلك، فإن الفرحة في السودان كبيرة، لأنه ستكون هناك انتخابات في غضون ثلاث سنوات.
صورة من: Getty Images/AFP/E. Hamid
فرحة عظيمة وأمل كبير للسودانيين
الفرحة عظيمة، فقد اتفق الجيش والمعارضة على تشكيل حكومة انتقالية. وينص الحل الوسط، الذي تفاوض عليه الاتحاد الأفريقي، على إنشاء مجلس سيادي مكون من خمسة مدنيين وخمسة عسكريين، على أن ينتخب هؤلاء العضو الحادي عشر. ومن المفترض أن تستغرق الفترة الانتقالية مدة تزيد قليلاً عن ثلاث سنوات.
صورة من: Getty Images/AFP/E. Hamid
لحظة تاريخية بالنسبة للسودان
"الوثيقة الدستورية" التي تتضمن بنود الاتفاق وقع عليها في الخرطوم السبت (17 أغسطس/ آب 2019) كل من نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، وممثل تحالف "إعلان قوى الحرية والتغيير" أحمد الربيع بحضور رؤساء دول وحكومات أفريقية وممثلين عن الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ووزراء ومسؤولين من دول خليجية وعربية.
صورة من: picture-alliance/Anadolu Agency/C. Ozdel
شخصية عسكرية تتولى الرئاسة
وعلى الرغم من أن التسوية، التي تم التوصل إليها قد استوفت الكثير من المطالب المدنية، إلا أن الجيش سيستمر في لعب دور مهم في المستقبل، فالجنرال عبد الفتاح البرهان سيكون رئيسا خلال الفترة الانتقالية. هذا الاختيار لا يعجب الجميع بالضرورة، غير أنه يلقى تأييد كثيرين أيضا وخصوصا هؤلاء المتظاهرين في الصورة.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
رجل الأمم المتحدة كرئيس للوزراء
كان يفترض أن يتم في اليوم التالي، الأحد (18 أغسطس/ آب 2019) الإعلان عن تشكيل المجلس الانتقالي، ليتم بعده الإعلان عن اسم رئيس الوزراء. وقد وافق المحتجون على عبد الله حمدوك، وهو مسؤول سابق، رفيع المستوى، بالأمم المتحدة ليتولى المنصب. كان حمدوك قد عُين عام 2016 كقائمٍ بأعمال الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، غير أنه تخلى عن منصبه في عام 2018.
صورة من: picture-alliance/G. Dusabe
عطل مؤقت بسبب قوى الحرية والتغيير
لكن المجلس العسكري أعلن الاثنين (19 أغسطس/ آب) إرجاء تشكيل مجلس السيادة لمدة 48 ساعة بناء على طلب من "قوى الحرية والتغيير"، ونقلت وكالة الأنباء السودانية "سونا" عن الفريق الركن شمس الدين الكباشي، المتحدث باسم المجلس القول بأن قوى الحرية والتغيير (الصورة أرشيف) طلبت الإرجاء حتى تتمكن من الوصول لتوافق بين مكوناتها على قائمة مرشحيها الخمسة لمجلس السيادة.
صورة من: picture-alliance/AA/O. Erdem
المدنيون يحددون ممثليهم بالمجلس السيادي
وفي نفس اليوم بدأ اجتماع لقوى الحرية والتغيير (الصورة من الأرشيف) وامتد حتى فجر اليوم التالي (الثلاثاء 20 أغسطس/ آب). وبعد توتر وملاسنات تم الاتفاق على كل من عائشة موسى وحسن شيخ إدريس ومحمد الفكي سليمان وصديق تاور ومحمد حسن التعايشي، ممثلين للقوى المدنية في المجلس السيادي.
صورة من: Ethiopian Embassy Khartoum
فترة انتقالية لنحو 40 شهرا
بعد تشكيل المجلس السيادي والحكومة فعليا، ستدوم الفترة الانتقالية 39 شهرًا، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2022، سيتم انتخاب حكومة جديدة. وحتى ذلك الحين، ستسير أمور البلاد، التي يزيد عدد سكانها عن أكثر من 40 مليون شخص، الحكومة الانتقالية، طبقا للوثيقة الدستورية.
صورة من: AFP
تأكيد على دور المرأة بالهيئة التشريعية
من المقرر أيضا أن يتم تشكيل الهيئة التشريعية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، على أن تكون نسبة 40 في المائة من أعضائها على الأقل من النساء. وبهذا ينبغي التأكيد على الدور المهم للمرأة السودانية خلال الاحتجاجات السلمية، التي بدأت نهاية 2018.
صورة من: Getty Images/AFP/E. Hamid
سقوط البشير بعد عقود من القبضة القوية
بداية من ديسمبر/ كانون الأول 2018، خرج مواطنو السودان إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير، بعد 30 عامًا من حكم الرئيس عمر البشير البلاد. خلال كل هذه السنوات حكم البشير بيد قوية، فقد تم تقليص عمل المعارضة، وجرى قمع المجتمع المدني وتعذيب المنتقدين بل وقتلهم. وتحت ضغوط من الاحتجاجات الجماهيرية المستمرة عزل الجيش عمر البشير من رئاسة الدولة في أبريل/ نيسان.
صورة من: picture-alliance/NurPhoto/A. Widak
الجيش سيواصل لعب دور
سقوط البشير لم يكن النهاية، فقد تواصلت المظاهرات عندما أصر المجلس العسكري على حكم البلاد خلال المرحلة الانتقالية حتى التحول إلى الانتخابات الديمقراطية. لكن الحركة الاحتجاجية وعلى رأسها "قوى الحرية والتغيير" دعت إلى تشكيل حكومة مدنية دون أي تدخل عسكري. هذا الشرط لم يتحقق بالكامل، ففي فترة الحكومة المؤقتة، سيستمر الجيش السوداني في لعب دور. اعداد: ديانا هودالي/ صلاح شرارة