"السياسيون يدبرون الممكن، لكن المبدعين يدبرون المستحيل"
دويتشه فيله: ما هي دلالة تخصيص يوم عالمي للكتاب المعتقلين؟
محمد الأشعري: اعتقد أنها دلالة بليغة، لأن الاعتقال بصفة عامة عندما يتعلق بالأفكار وبالتعبير يبتر المجتمع من أحد مكوناته الأساسية، وعندما يتعلق الأمر بالمثقفين والكتاب فانه يصيب ضمير الأمة. إن الخسارة المترتبة عن هذا الاعتقال هي خسارة جسيمة فضلا عما يتضمنه من ظلم شخصي يلحق بهؤلاء المثقفين.
ماذا يكتب هؤلاء الكتاب حتى يتعرضوا للاعتقال؟
يجب الانتباه الى مسألة أساسية وهي أن عددا كبيرا من الكتاب والمثقفين والفنانين تعرضوا في حياتهم الى الاعتقال والتضييق، ليس فقط بسبب ما يكتبون أو يبدعون، ولكن لأنهم اتخذوا مواقف لصالح قضايا إنسانية عادلة، أو يواجهون ديكتاتورية الحكام واستبدادهم، أو يواجهون بعض القرارات الظالمة التي تلحق بالإنسان والمجتمع في بلدانهم. فهم بصفتهم الضمير المتقد للمجتمع لا يتوانون عن الدفاع عن الحريات والقضايا العادلة وهم بالتالي يضعون أنفسهم في مواجهة الخطر. إنهم يكتبون بحرية تجعلهم يتجاوزون ما يضعه الحكام من خطوط حمراء، وهم بالتالي يزعجون عددا من الذين يدافعون عن مصالحهم وسلطاتهم.
هل الكتابة تعبير عن الحرية؟
بطبيعة الحال، لا توجد كتابة بدون حرية. هناك فكرة عامة مفادها أن السياسيين يدبرون الممكن، لكن المبدعين يدبرون المستحيل. لذلك فان أفكارهم وتعبيراتهم لا يمكن أن تتقيد بالقيود التي يمكن أن تكبل حرياتهم، ومن هذا المنطلق فان نقدهم ضروري لتقدم المجتمعات، وهذا ما يعرضهم للاعتقال والمضايقة. كما أن نقدهم المتطرف أحيانا والطبيعي في كل الأحيان، يساهمون في تحديث مجتمعاتهم وفي تقدم قضايا الحرية والديموقراطية في أوطانهم.
ماذا عن اعتقال الكتاب في المغرب؟
إذا أردنا أن ننطلق من مثال واضح كالمغرب، فيمكن أن نصنف هؤلاء الكتاب المعتقلين كالتالي: كتاب ناضلوا ضد الاستعمار الفرنسي ولعل أبرزهم هو المرحوم الزعيم الوطني علال الفاسي، هذا الشاعر والكاتب والرجل السلفي الذي اعتقل بسبب وقوفه ضد المستعمر. هناك أيضا الذين وقفوا الى جانب الحرية في مرحلة معينة من تاريخ المغرب وتعرضوا للاعتقال منهم الشاعر عبد اللطيف اللعبي والروائي عبد القادر الشاوي والشاعر محمد الوديع الأسفي وابنه الشاعر صلاح الوديع، ويمكن أن اسرد لك عشرات الأسماء التي وقفت ضد المستضعفين. وهناك أصناف كثيرة من "التدخلات القصرية" تطال هؤلاء الكتاب في الفترات الصعبة من تاريخ الأمم. وهنا يجب ان نستحضر أن الكاتب بموقفه هذا يعبر عن موقف مفاده أن الأمم تتغير ليس فقط بالإطارات السياسية ولكن أيضا بالفكر والإبداع، وبالمواقف التي يتخذها لصالح القضايا العادلة.
وماذا عن العالم العربي؟
أعتقد أن للمغرب تجربة متميزة، لقد مر المغرب من هذه التجارب القاسية. وهو يباشر اليوم مرحلة جديدة تجاوز فيها الى حد كبير هذه المنطقة الحرجة. هناك عدد من الكتاب والمثقفين الذين مروا بهذه التجربة، هم اليوم يعيشون حياتهم الإبداعية والشخصية بطريقة حرة لا تخضع لأي تضييق. ربما يسمح لنا هذا بان نقول، وعندما أقوال نحن، اعني مجتمع ودولة ومثقفين، إن الجميع في المغرب مقتنع بأن الحِجْرَ على الحريات والتضييق عليها لا ينتمي الى عالم اليوم، لأن هذا السلوك يعيق تقدم المجتمعات ويجعلها تفتقد الى جزء كبير ومهم من طاقتها الخلاقة. كما أنه من الممكن أيضا اعتبار أن الحرية هي كذلك رهان اقتصادي وليس فقط مراهنة فلسفية مختلفة لحياة إنسان في هذا العصر.
كيف كانت تجربة اعتقال الشاعر والكاتب محمد الأشعري؟
مثل تجارب كل الأصدقاء الذين ذكرتهم، أعتقد أنها كانت تجربة قاسية على المستوى الشخصي، ولكن أيضا كانت غنية بالدروس بالنسبة للحاضر الذي عشته آنذاك، وبالنسبة للمستقبل الذي اعيشه الآن.
ماهي الرسالة التي تودون أن تنقلوها الى كل الكتاب المعتقلين؟
أولا، رسالة تضامنية، لأنني أتضامن تلقائيا مع كل الشرفاء الذين يتعرضون لهذا الاعتداء. وفي نفس الوقت رسالة تفاؤل. بكل تأكيد إن هذه الممارسات محسوبة على الماضي وأنها ستضمحل، فالمستقبل الآن للحرية.
ولد الشاعر والكاتب محمد الأشعري سنة 1951 بزرهون، إقليم مكناس/ المغرب. مارس الصحافة والكتابة وانتخب رئيسا لإتحاد كتاب المغرب لثلاث فترات متتالية. له عدة دواوين شعرية وسردية، ترجمت بعضها الى لغات متعددة تقلد عدة مسؤوليات سياسية داخل حزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. اعتقل في بداية الثمانينات بسبب نشاطه الفكري والسياسي. عين وزيرا للثقافة منذ سنة 1998.