السيسي في أبو ظبي- أي تأثيرات على الملف السوداني؟
٥ يونيو ٢٠٢٥
وصل الرئيس المصري يوم الأربعاء (4 يونيو/حزيران 2025) إلى أبوظبي في زيارة "أخوية" إلى دولة الإمارات وفق توصيف وكالة أنباء الإمارات ( وام )، وكان رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد كان في استقباله لدى وصوله إلى مطار الرئاسة.
وذكر المتحدث باسم الرئاسة المصرية محمد الشناوي ، في بيان نشرته الرئاسة على صفحتها بموقع فيسبوك، أن الرئيسين عقدا اجتماعاً تناول العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها بما يحقق مصالح الدولتين وتطلعات شعبيهما وبشكل خاص في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.
وعلى مدى عامين هما عمر الحرب الطاحنة التي تدور رحاها في السودان، كانت كل من مصر والإمارات على طرفي نقيض من النزاع.
فالإمارات وبحسب تحقيقات استقصائية وبيانات صدرت عن جهات تابعة للأمم المتحدة، دعمت قوات الدعم السريع في حربها ضد الجيش السوداني بأشكال مختلفة، إلى جانب استمرار تدفق الذهب السوداني الخام إلى الإمارات والذي استخدمت قوات الدعم السريع عائداته في التسليح، بحسب ما جاء في تلك التحقيقات الصحفية.
على جانب آخر، لم يتغير الموقف السياسي المصري والذي ظل ثابتاً على مدى عقود بدعم حكومات الدول والجيوش الرسمية التابعة لها، لكنها في الوقت ذاته ارتبطت بعلاقات جيدة نسبياً مع قيادات الدعم السريع، وهي العلاقات التي شهدت ارتفاعات وانخفاضات على مدار فترة الحرب.
مصر في قلب تحركات أمريكية من أجل السودان
لكن وخلال الأيام الأخيرة، بدا وكأن هناك دور مصري يعاد هيكلته وتشكيله من جديد في المسألة السودانية، إذ تلقى وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي اتصالاً هاتفياً من مسعد بولس المستشار الأمريكي رفيع المستوى بشأن أفريقيا، تناول فيه الشأن السوداني ضمن قضايا أخرى.
أيضاً، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، أن نائب وزير الخارجية كريستوفر لاندو ومستشار الشؤون الأفريقية مسعد بولس عقدا اجتماعاً في العاصمة الأمريكية واشنطن مع سفراء كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، وذلك في إطار التشاور بشأن تطورات الوضع في السودان.
انتقادات من الدعم السريع لمصر
يأتي ذلك فيما قالت قوات الدعم السريع إنها ضبطت مركبات قتالية مصفحة وأسلحة وذخائر مصرية الصنع بحوزة الجيش السوداني. وقال الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع الفاتح قرشي إن "تلك المضبوطات تكشف عن تورط الحكومة المصرية في دعم الحرب، متهما مصر بدعم الجيش بإمدادات السلاح والذخائر والطائرات والمسيرات والمركبات القتالية المصفحة، إضافة إلى التدريب والدعم السياسي والدبلوماسي والإعلامي وعلاج الجرحى".
وكانت قوات الدعم السريع قد هددت بنقل الصراع إلى ولاية شمالية بالقرب من الحدود الجنوبية لمصر، كما استهدفت طائرات مسيرة تابعة لقوات الدعم السريع محطات كهرباء وسدوداً مائية، مما يزيد من تفاقم أزمة الأمن المائي في مصر.
يأتي ذلك وسط أنباء عن مفاوضات سودانية إماراتية يبدو أنها منيت بالفشل، إذ نشر موقع أفريكا أنتيليجنس تقريراً نقل فيه عن عدة دبلوماسيين، أن رفض الجيش السوداني المشاركة في اجتماع سري مع ممثلي الإمارات في 12 مايو يعود بشكل رئيسي إلى مطالب قدمتها أبوظبي قبل الاجتماع واعتبرتها القوات المسلحة السودانية مبالغا فيها.
شروط إماراتية
ويقول التقرير إن الإمارات طالبت السودان باستبعاد الإسلاميين من الحكومة والجيش، واستئناف مشاريع اقتصادية كبرى كميناء أبوعمامة والذي أعلنت الحكومة السودانية إلغاءه بعد أن كان من المقرر تنفيذه بدعم إماراتي على ساحل البحر الأحمر. وأكد السودان أنه لن يمنح مستقبلاً أي امتيازات استراتيجية لدولة الإمارات في هذه المنطقة الحيوية.
ويرى الدكتور أمجد فريد الكاتب والناشط السياسي السوداني أن "مصر لم تغب عن المشهد السوداني بكل تفاصيله سواء بتعقيداته السياسية أو العسكرية أو حتى الأزمة الإنسانية، ويكفي أن نعرف أن هناك مليون سوداني هم لاجئون في جمهورية مصر العربية".
وأضاف خلال حديثه في برنامج "السودان الآن" الذي تبثه شبكة دويتشه فيله الإعلامية الألمانية DW أن "ما تقوله قوات الدعم السريع هي محاولة للتغطية على الهزائم المتوالية التي منيت بها في مناطق عدة بالسودان وأن خطاب (قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو) حميدتي الأخير كان موجهاً إلى قواته لدفعها الى التماسك وإلقاء اللائمة على مصر، وعلى أي قوة خارجية".
وأضاف فريد أنه بعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للخليج "اعتقد أنه كانت هناك إشارات واضحة لدولة الإمارات العربية المتحدة بالتوقف عن إمداد الدعم السريع بالسلاح والدعم بمختلف أنواعه".
ويرى خبراء ومحللون أن هناك اتفاقاً دولياً على وقف الحرب في السودان، إذ تشعر مصر بتهديد على أمنها القومي مع استمرار الحرب، إلى جانب الضغط المتزايد عليها بسبب اللاجئين والنازحين، كما يتزايد الضغط على الإمارات والتي أشارت تقارير أممية إلى تورطها - بشكل مباشر أو غير مباشر - في جرائم ضد الإنسانية ينسب ارتكابها إلى قوات الدعم السريع.
ولطالما نفت أبوظبي أي تورط في الحرب السودانية أو تزويد الدعم السريع بالأسلحة وتقول إن "هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة وتفتقر إلى الأدلة المثبتة".
إعادة تموضع للدور المصري؟
لكن الكثير من المحللين السياسيين السودانيين يرون أن مصر لم تغادر المشهد السوداني منذ بداية الحرب، وأن ما يحدث حالياً من تحركات مصرية تدعمها الإدارة الامريكية ما هي إلا عملية إعادة تموضع لهذا الدور المصري.
في هذا السياق، يقول محمد الأسباط المحلل السياسي السوداني إن مصر منخرطة في الشأن السوداني بشكل عميق وحتى على مستوى المفاوضات السرية التي جرت بين الإمارات والحكومة السودانية كانت تحت الرعاية المصرية.
وقال خلال استضافته ببرنامج "السودان الآن" إنه "وبعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية بثقلها بقيادة نائب وزير الخارجية إلى المشهد يمكننا أن نتوقع أن الضغط الذي كانت تمارسه مجموعات الضغط وأعضاء الكونغرس، والإعلام في الولايات المتحدة خصوصاً بعد تدهور الأوضاع الإنسانية قد بدأت تأتي أكلها، ويتضح ذلك من خلال الاجتماعات والاتصالات التي جرت مؤخراً وكانت مصر طرفاً فيها، وبالتالي يتحول الدور المصري ليكون أكثر فاعلية في هذه المرحلة".
وتابع قائلاً إن مصر والسعودية وحتى الولايات المتحدة تشعر بقلق شديد من اتساع الحرب في السودان لتصبح حرباً أهلية، مشيراً إلى أنها بدأت تتحول إلى هذا الاتجاه القبلي والعشائري في بعض المناطق بالفعل، إضافة إلى المخاوف من قضية وجود الجماعات الإسلامية أيضاً وهي قضية مزعجة للغاية بالنسبة لمصر.
"احتلال غير مباشر"
وعلى الرغم من العلاقات السياسية الممتدة طويلاً عبر التاريخ بين مصر والإمارات، إضافة إلى التعاون الاقتصادي المتزايد والدعم المالي الذي قدمته الإمارات لمصر بعد عام 2013، لكن وبحسب خبراء فإن مصر والإمارات بينهما خلافات عميقة في عدد من الملفات مثل الملف الصومالي والملف الليبي وأيضاً الملف السوداني، حيث يدعم كلاً منهما طرفاً مختلفاً من طرفي الحرب في السودان.
ويرى خبراء في الشأن السوداني أن التنافس المصري الإماراتي في السودان يبدو أنه يحتدم من وقت إلى آخر، حتى على الرغم من زيارة الرئيس المصري إلى الإمارات والتي أكد الخبراء على أنها لابد وأن تتطرق إلى ما يحدث في السودان وموقف الدولتين المختلف منه.
أضاف فريد أن "مصر واصلت الالتزام بموقفها التاريخي بالانحياز لمؤسسة الدولة السودانية بالنظر إلى التعقيدات السياسية في السودان وهو موقف مصري قديم وثابت حيث تفضل القاهرة التعامل مع حكومة الأمر الواقع، مضيفاً أنه حتى وأن وُجهت إلى مصر اتهامات بدعم الجيش السوداني فأنا أرى أنها مجرد مزايدات، فإن كانت مصر تدعم جيش الدولة السودانية فإن الإمارات متورطة تورطا إجراميا في دعم جرائم حرب وتدعم جرائم الدعم السريع ضد الإنسانية".
وأضاف فريد أن الإمارات كانت آخر داعم مالي لنظام عمر البشير الديكتاتوري "حيث قدمت في شهر مارس 2019 دعماً بمبلغ 300 مليون دولار، من صندوق أبو ظبي الاستثماري، وبالتالي فالإمارات حين تشترط على السودان وجود أشخاص أو إبعاد أشخاص عن دوائر الحكم فإنما هي تستخدم المال والنفوذ كغطاء لمطامع استعمارية ذات طابع اقتصادي في السودان كما أنه أمر يجرح الكرامة الوطنية السودانية".
ويعتقد فريد أن الإمارات تطمح إلى الاستيلاء على ذهب السودان، وإلى الاستيلاء على الأراضي الزراعية، "وهو أمر كان واضحاً حين طالبت بالسيطرة على منطقة الفشقة، كما كانت تريد السيطرة على مشروع الجزيرة الزراعي باستئجار الأرض لمدة 99 سنة"، وأضاف أن الإمارات طامعة في السودان، وتريد أن تحتله بالوكالة عن طريق قوات الدعم السريع، "وهذه جريمة عدوان تتجاوز كل الخلافات السياسية السودانية الداخلية".
ويشير خبراء إلى أن مصر تشعر بنوع من الغضب إزاء دعم الإمارات الكبير لقوات الدعم السريع، وأن هذا الدعم هو ما سبب إطالة أمد الحرب، فيما أشار آخرون إلى القلق المصري المتصاعد من أن تتمكن قوات الدعم السريع من بسط سيطرتها على كامل الأراضي السودانية لتجد القاهرة أن جارتها الجنوبية قد أصبحت تحت حكم ميليشيا مسلحة وهو ما لن تقبل به مصر أبداً.