السيسي وتعديل الدستور.. "دسترة" لواقع أم قلق من المستقبل؟
١٩ أبريل ٢٠١٩قبل عدة سنوات دار في مصر حديث عن احتمالات قوية لتعديل الدستور بهدف إبقاء الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في منصبه لأطول فترة ممكنة، لأن الدستور الذي كتب في 2014 - بنوايا حسنة بحسب وصف السيسي- لا يعطي فرصة كافية لأي رئيس لإتمام مشروعاته السياسية أو الاقتصادية وهي فترة 4 سنوات قابلة للتمديد لمرة واحدة فقط:
لكن الفكرة تحولت إلى واقع، وبعد أن كانت النقاشات حول تعديل الدستور تدور في الفضاء الالكتروني، ما بين رافض لإمكانية طرح الفكرة وبين مؤكد لها، أصبح نقاش مواد الدستور واقعاً فعلياً داخل البرلمان المصري ليتم الآن الاستفتاء.
تعديل الدستور.. هل تعجل النظام فعلا؟
لكن هل سارت الأمور بوتيرة أسرع من المعتاد بالفعل بشأن تعديل الدستور؟ يرى محمود إبراهيم، الحقوقي والمحلل السياسي، أن هناك ثلاثة أسباب جعلت الأمور تسير بوتيرة سريعة لاستفتاء المواطنين على هذه التعديلات "أولها اقتراب شهر رمضان وهو ليس بالوقت المناسب للاستفتاء مطلقاً من الناحية العملية".
أما السبب الثاني فهو "أنه بعد عيد الفطر ستبدأ منافسات كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم وستركز قوات الأمن وأجهزة الدولة على هذا الحدث الرياضي الكبير"، وبعدها – وهذا هو السبب الثالث - من وجهة نظر محمود إبراهيم "ستحدث زيادة في الأسعار بعد رفع الدعم عن الطاقة، وهذا سياسياً ليس بالمناخ أو الوقت المناسب لإجراء استفتاء على تعديل الدستور".
ويؤكد إبراهيم إنه قد "مر شهران ونصف الشهر منذ قُدمت التعديلات في بداية فبراير/ شباط للبرلمان، ولا أعلم أي وقت كافٍ أكثر من هذا يمكن أن يتاح للمناقشة".
ويرى الكاتب وخبير الاجتماع السياسي، الدكتور عمار علي حسن، أن "النية في تعديل الدستور موجودة أصلاً منذ بدأت لجنة الخمسين، التي تولت كتابة دستور 2014 عملها وأن السلطة تمهلت في الوقت حتى تقر هذه التعديلات". فبعدما قاله الرئيس السيسي بأن الدستور اُعد بنوايا حسنة، ودار الحديث عن تعديل الدستور في السنة الأولى من حكمه، وبدأت أقلام قريبة من السلطة تهيئ الرأي العام لهذا الأمر، جرى تقديم النصح للرئيس وقتها بالتريث، ليقوم بهذا الإجراء في فترة حكمه الثانية، حسب خبير الاجتماع السياسي.
يأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه عدة منظمات حقوقية عن رفضها لإجراء الاستفتاء بحجة أنه "يتم في مناخ قمعي سلطوي، قائم على مصادرة الرأي الآخر وتشويه وترهيب المعارضين".
التعديلات الدستورية والأوضاع الإقليمية
ويجئ تعديل الدستور في مصر الآن بعيد عزل الجيش السوداني لعمر البشير والجزائري لعبد العزيز بوتفليقة، بعد مظاهرات شعبية ضخمة في البلدين. أما على الحدود الغربية لمصر فتدور رحى حرب طاحنة يبدو فيها أن الجنرال خليفة حفتر، حليف مصر، يواجه موقفا صعباً على الأرض في محاولته للسيطرة على طرابلس. إضافة إلى ذلك يربط البعض استقرار النظام المصري بموافقته على ترتيبات ما يسمى "بصفقة القرن".
يقول محمود إبراهيم، المحلل السياسي، إن "الوضع الإقليمي المتوتر هو أحد عوامل الدفع بسرعة إقرار التعديلات الدستورية دون التهويل من قدر هذا العامل أو التقليل منه، فهذه التعديلات لها ضرورات عملية فعلياً، جزء منها حفظ استقرار البلاد بوجود شكل محدد ومعروف ومستقر لآليات انتقال السلطة في مصر".
أما عمار علي حسن، خبير الاجتماع السياسي، فيرى أن هذه الأحداث الجارية ليس لها تأثير كبير على هذا القرار، "فقد كان من المفترض أن تقنع تلك الأحداث النظام بضرورة التروي في تعديل الدستور". ويقول علي حسن: "هناك ثقة مفرطة لدى النظام المصري بأنه قد أمسك تماماً بزمام الأمور بعد أن نجحت الثورة المضادة في تشويه ثورة يناير واقنعت الشعب بأن التحرك الجماهيري سبب كل الأزمات في البلاد فأصبح الرأي العام يخشى من فكرة الخروج للشارع مرة أخرى خوفا من المستقبل المجهول".
تعديلات مثيرة للجدل.. تقر واقعاً!
ورغم أن هذه ليست هي المرة الأولى التي يتم فيها تعديل الدستور المصري إلا أن منتقديها، هذه المرة يرون فيها خطراً هائلاً على البلاد. فوفق هذه التعديلات سيستمر السيسي في منصبه حتى عام 2030 وفق المادتين 140 و 214. كما أنه وفقاً للمادة 200، ستكون هناك سابقة في تاريخ الدساتير المصرية بحصول الجيش على وضع رسمي في الدستور، يخول له التحرك لــ"صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها"، أما التعديل الثالث فيعطي لرئيس الدولة الحق في تعيين رؤساء الهيئات القضائية ورئيس المحكمة الدستورية والنائب العام
ويرى الحقوقي والمحلل السياسي محمود إبراهيم أن هذه "التعديلات ليست خطيرة إلى هذه الدرجة وإنما هي مجرد إقرار لواقع، فدور الجيش في الحياة السياسية المصرية أمر حادث بالفعل وما يجري الآن هو مجرد دسترة لهذا الواقع". ويضيف إبراهيم: "الحقيقة أن الجيش بالفعل يحمي مدنية الدولة وهذا واقع حدث ويحدث منذ أن سلم مبارك السلطة للجيش وأقر المصريون بسلطة الجيش بالهتاف (الجيش والشعب يد واحدة) وغادروا الميادين إقراراً للجيش بهذا الوجود". ويتابع إبراهيم: "هذه الدسترة للواقع مفيدة من أجل التعامل مع هذا الواقع بدلاً من الالتفاف حوله أو إنكاره" ويؤكد المحلل السياسي "إنكار الواقع لن ينتج عنه أي شيء".
ما بعد التعديلات
على شبكات التواصل الاجتماعي، عبر مدونون ومغردون عن أملهم في أن يبدأ النظام في التقاط أنفاسه وأن يهدأ ليخفف قبضته الساحقة على المعارضة من كافة الأطياف بعد تأكده من استقراره حتى عام 2030 على الأقل.
ويقول عبد العظيم حماد، الكاتب الصحفي ومدير تحرير صحيفة الأهرام سابقاً، إن نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مستقر بالفعل دون جدال أو نقاش "لكن ما نراهن عليه هو ان تحدث عملية تهدئة وانفتاح سياسي خاصة بعد ان حقق الرجل كل ما يريد واستقر في منصبه دون قلق حتى 2030 هذا هو رهان النخبة السياسية والمثقفة في مصر".
ويوضح حماد "هناك من يتوقع استرخاءً وانفتاحاً وأعصاباً أهدأ؛ لكن هناك آخرون يتوقعون أنه أسلوب حكم لن يتغير مطلقاً، وللأسف له في التاريخ سوابق تدعمه كحكم فرانكو لإسبانيا، والذي استمر 40 عاماً بقبضة حديدية هائلة وكذا حكم الرئيس الأسبق عبد الناصر".
ويتفق عمار على حسن الكاتب وخبير الاجتماع السياسي مع حماد في هذا الشأن، ويرى أن "هذه التعديلات الدستورية الخطيرة تقتضي من النظام تهدئة الشارع بإنشاء النظام لحزب سياسي ذي قاعدة جماهيرية تدافع عنه وفي الوقت ذاته يسمح للمعارضة أن تتصل بالجمهور وأن تعمل وتتواجد في الساحة السياسية وتمارس عملها بحرية وأن يتم فتح المجال لحرية التعبير والحركة والتنظيم وتحسين ملف حقوق الإنسان".
واختتم عمار على حسن حديثه مع DW عربية بالقول: "من يرون أن هذه الأمور تحديداً هي التي أسقطت نظام مبارك مخطئون تماماً؛ لأن أصحاب هذا الاتجاه ينسون أن مبارك حكم مصر بهذه الصيغة 30 عاماً، وربما لو لم يقم نظامه بتزوير انتخابات 2010 بشكل فادح؛ لكان من الممكن أن يستمر".
ع.ح.