الـ 14 من مايو/ أيار2016 يوم أسود للعديد من العائلات المصرية، بعد الحكم على 152 شابا بأحكام قاسية بتهمة "التظاهر من دون إذن". في حوار مع DW عربية يوضح خبير حقوقي مصري "محنة حقوق الإنسان" التي تعيشها مصر.
إعلان
لم يهدأ بعد في مصر الجدل الذي أثارته اتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية، فقد أصدرت ثلاث محاكم مصرية أحكاما بحبس 152 ناشطاً بين عامين وخمسة أعوام مع الشغل لكل منهم، بعد "إدانتهم" بالتظاهر دون إذن والتجمهر خلال الاحتجاجات على نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى المملكة السعودية. الأحكام التي اعتبرت قاسية خلفت موجة استياء داخل مصر وخارجها، إذ اعتبرها حقوقيون مصريون استمرارا لما تعرفه البلاد من انتهاكات لحقوق الإنسان، بينما يرى فيها خبراء رسالة واضحة من الدولة مفادها أنه: لن يتم التهاون مع "عدم احترام القانون" الذي ينظم التظاهر في البلاد. فهل يدل كل هذا القمع على أن النظام المصري في محنة؟ وكيف يفترض أن تتعامل الدول الغربية مع تزايد انتهاكات حقوق الإنسان في مصر؟
اعتقالات عشوائية
وكانت محكمة في القاهرة أصدرت السبت الماضي أحكاما على 51 شخصا بالسجن سنتين، بعدما أدانتهم بالمشاركة في "تظاهرات غير مرخصة". وفي مساء نفس اليوم، أصدرت محكمة أخرى أحكاما على 79 شخصا ثم على 22 آخرين بالسجن خمس سنوات، للأسباب نفسها، كما ذكر لوكالة فرانس برس مسؤولون في النيابة العامة وفي المحكمة ومحامو الدفاع. وقد اعتقل هؤلاء في 25 نيسان/أبريل خلال او على هامش تظاهرات صغيرة دعت اليها حركات معارضة، علمانية وليبرالية، للاحتجاج على تنازل الحكومة عن جزيرتين في البحر الأحمر للسعودية. ويقول محامو المتهمين إن كل هذه المحاكمات مبنية على "اعتقالات عشوائية" ولا توجد أدلة إدانة ضد المتهمين.
رسالة من النظام
ويفسر محمد زارع مدير مكتب مصر في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان هذه الاعتقالات بما يلي: "يوم 25 أبريل تصرفت الأجهزة الأمنية بناءً على ضوء أخضر بمنع المظاهرات بكل الطرق، خصوصا بعد الغضب الرئاسي الذي خلفته مظاهرات 15 أبريل. وهكذا فهناك من تم القبض عليهم لمجرد أنهم شباب رغم أن لا علاقة لهم بالمظاهرات". ويضيف الحقوقي المصري في تصريحات لـ DW عربية أن "النظام المصري حاليا في محنة بالفعل لأن كل نظام يخاف من المظاهرات ويرفض النقد وحرية التعبير هو نظام في محنة، خصوصا مع كل ما تعرفه البلاد من فشل اقتصادي وسياسي". لكن بشير عبد الفتاح الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يقول إن وراء هذه الاعتقالات والأحكام رسالة واضحة من النظام مفادها أنه: "لن يتم التهاون مع عدم احترام القانون الذي ينظم التظاهر في مصر وكل انتهاك لهذا القانون سيواجه بصرامة كبيرة".
وعن سبب الأحكام القاسية التي أصدرت في حق المتابعين يقول الخبير المصري في مقابلة مع DW عربية إنها تستند إلى مخاوف معينة من النظام ترتبط بإعادة بناء الدولة وتحقيق الاستقرار، وخصوصا هاجس استغلال هذه المظاهرات من قبل خارجين عن القانون لخلق الفوضى في البلاد التي تعيش أصلا مشاكل اقتصادية وأمنية، كما أنّ هناك تخوفات أن يستغِل الإخوان هذه المظاهرات ويقوموا بتحويل مسارها، بحسب اعتقاد بشير عبد الفتاح. لكن الخبير المصري يتوقع أن يصدر الرئيس المصري عفوا على المحكوم عليهم في أول مناسبة لأنهم في النهاية غير متورطين في جرائم جنائية.
تقاعس الدول الغربية
وعن الدور الذي تلعبه المنظمات الحقوقية في مواجهة هذا الوضع يقول محمد زارع إن هذه المنظمات أصبح وجودها مهددا أيضا فمثلا ينتظر بعضها جلسة محكمة في 23 من الشهر الجاري للنظر في منع بعض مؤسسيها وموظفين فيها من التصرف في أموالهم بسبب اتهامهم بتلقي أموال أجنبية، "السيسي يؤسس نفسه كدكتاتور يزيح كل الأصوات المعارضة بل وحتى كل رأي مستقل خارج إطار الدولة"، بحسب تعبير زارع.
وتتهم المنظمات الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بتزعم نظام مستبد يقمع أي معارضة بشكل عنيف منذ إطاحته بسلفه الإسلامي محمد مرسي صيف العام 2013. وبات هناك مرسوم رئاسي -أصبح قانونا في خريف 2013- يعتبر كل تظاهرة أو تجمع لم توافق عليه وزارة الداخلية غير قانوني. وتصل عقوبة التظاهر دون موافقة السلطات الأمنية إلى الحبس ثلاث سنوات وتزيد العقوبة في حال اقتران التظاهر دون إذن بتهم أخرى.
أما عن الدور الذي ينبغي أن تلعبه الدول الغربية بهذا الخصوص فيقول الحقوقي المصري: "للأسف الدول الغربية متخاذلة في دعم ملف حقوق الإنسان في مصر: "من جهة لأنها تعتبر النظام المصري حليفا في الحرب على الإرهاب رغم أنه في الواقع نظام يوفر تربة لتجنيد الإرهابين بسبب كل هذه الانتهاكات والغضب والعنف الذي تخلفه، ومن جهة أخرى لأن بعضها تربطه بمصر مصالح اقتصادية وتجارية تجعلها تسكت على هذه الانتهاكات". لكن عبد الفتاح يرى أن على الغرب "تفهم الخصوصية المصرية" وما تمر به مصر من ظروف حاليا: "ينبغي تفهم أنه أمر مرحلي فقط إلى أن تستعيد الدولة مسارها العادي".
الربيع العربي- انتكاسة يتخللها بريق أمل
في الذكرى الخامسة لما عُرف إعلاميا بالربيع العربي، والذي انطلق من تونس وامتد إلى مصر وليبيا وسوريا والبحرين فاليمن، تقرع موجات اللاجئين والنازحين المليونية أبواب الإنسانية. حصيلة العام الخامس "للربيع العربي" في صور.
صورة من: Reuters/P. Hanna
بدأت احداث "الربيع العربي" في تونس بمدينة سيدي بوزيد بعد أن احرق الشاب محمد البوعزيزي نفسه احتجاجا على مصادرة عربته مصدر رزقه، فخرج الشباب والعاطلون عن العمل وعمال النقابات متظاهرين محتجين ونجحوا في وقت قياسي في اسقاط حكومة زين العابدين بن علي الذي فرّ من البلد الى السعودية .
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Salah Habibi
ارسى التغيير في تونس ديمقراطية ودستورا جديدا شاركت في صياغته مختلف القوى السياسية. ونجحت القوى الإسلامية متمثلة بحزب النهضة بالفوز في الانتخابات التشريعية لكنها فشلت في تحقيق مطالب الشعب. وفي انتخابات 2014 نتحقق التغيير الديمقراطي وفازت أحزاب جديدة في البرلمان، رغم ذلك ما زالت فئات كبيرة من الشعب ترى أنها لم تنل أي نصيب من "الكعكة الديمقراطية".
صورة من: DW/S. Mersch
أراد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2011 الاحتفال بيوم الشرطة التقليدي ومنع التظاهرات خوفا من شرارة قد تقود إلى انتفاضة ضد حكمه، رغم ذلك خرجت تظاهرات حاشدة عمت مدن مصر ونادت بإسقاط نظام حكم مبارك الذي تربع على راس هرم السلطة لثلاث عقود.
صورة من: Reuters/M. Abd El Ghany
التغير في مصر أوصل "الإخوان المسلمين" ومحمد مرسي إلى الحكم، لكن فئات كبيرة من الشعب استاءت من تعامل "التنظيم الإسلامي" مع السلطة وخرجوا بالملايين مدعومين من الجيش مطالبين بإسقاط "حكم الإخوان". البعض عد ذلك "نكسة للديمقراطية" فيما وصفه آخرون بـ"العملية التصحيحية".
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Khalil Hamra
مر الربيع العربي في ليبيا بشكل مختلف تماما عن تونس ومصر، إذ لم تستطع القوى المدنية إنهاء حكم معمر القذافي الذي قمع الثورة بشتى الطرق، وسرعان ما تحولت الثورة بعد ذلك إلى صراع مسلح تمكن فيه "الثوار" بمساعدة قوات الناتو من قتل القذافي واسقاط نظامه، لكنهم عجزوا بعدها عن الاتفاق على نظام بديل.
صورة من: DW/E. Zouber
العملية الديمقراطية في ليبيا بدأت وما زالت متعثرة حتى اليوم رغم الاتفاقات الكثيرة التي حصلت بين الأطراف المتصارعة. ومنذ صيف عام 2014 تتنافس حكومتان إحداهما في طرابلس والأخرى في الشرق على إدارة البلد. وفي تطور جديد أعلن المجلس الرئاسي الليبي هذا الشهر عن تشكيل حكومة وفاق وطني جديدة، في إطار خطة الأمم المتحدة لتوحيد الفصائل المتناحرة في ليبيا.
صورة من: imago/Xinhua
"الربيع العربي" ربيع الشباب في اليمن، انطلق في شباط/ فبراير 2011، مطالبا بإنهاء حكم علي عبد صالح الذي استمر لأكثر من ثلاثين عاما. وبعد ضغط محلي وخليجي كبير وافق صالح على تسليم السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي وغادر اليمن في كانون الثاني/ يناير 2012.
صورة من: picture-alliance/dpa
نفي علي عبد ألله صالح من اليمن لم ينه نفوذه في البلد. وبقيت فئات من الشعب والجيش موالية له عشائريا وسياسيا. في 2015 نجح "الثوار" الحوثيون وبالتعاون مع قوات موالية لصالح في نزع السلطة من الرئيس هادي، ما جعل دول الخليج وبقيادة السعودية تدخل حربا مباشرة لإعادة السلطة لهادي.
صورة من: Reuters/K. Abdullah
تظاهرات الربيع العربي بدأت سلمية في سوريا في مارس/ آذار 2011 مطالبة بإنهاء سلطة حزب البعث و حكم عائلة الأسد المستمر منذ عام 1971. لكن بشار الأسد واجه "التظاهرات" بإصلاحات "شكلية" تضمنت منح الأكراد بعض الحقوق ورفع حالة الطوارئ وتشكيل حكومة جديدة، فيما واصل قمعه للمحتجين وبدأ بشن عمليات عسكرية ضدهم.
صورة من: dapd
بعد أشهر من الاحتجاجات اتخذ الربيع العربي في سوريا منحى آخر وأصبح البلد يعج بكثير من الفصائل المسلحة التي فشلت في توحيد صفوفها ضد النظام. الفراغ الأمني والسياسي في سوريا هيأ الأجواء لتنظيمات مسلحة ذات توجهات إسلامية إيدلوجية متطرفة، مثل تنظيم "داعش"و" النصرة" للسيطرة على مناطق واسعة من البلد.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Aboud
في البحرين بدأت الاحتجاجات في شباط / فبراير 2011 في ساحة اللؤلؤة ونادت بتغييرات سلمية وإصلاحات سياسية لصالح الأغلبية الشيعية في البلد وإنهاء سيطرة العائلة المالكة على الحكم وسلطة مجلس الوزراء التابع لها، ما أثار حفيظة دول الخليج وخاصة السعودية فأرسلت قوات تحت مظلة قوات درع الجزيرة وقمعت الحركة، لكن الاضطرابات ما زالت تتفجر من وقت لآخر.
صورة من: picture-alliance/dpa
بعد مرور خمسة أعوام على " الربيع العربي" لم يتبق من هذا التغيير إلا بعض النقاط المضيئة، كما في التجربة التونسية وبعض الامتيازات للشباب في مصر. اما ليبيا واليمن وسوريا والبحرين فما زالت ابعد ما تكون عن الاستقرار، والمستقبل فيها يبدو بلا افق مضيء. نتاج الربيع العربي قوافل من النازحين ، وملايين اللاجئين يتدفقون على اوروبا والمانيا على وجه الخصوص.