الشعبويون الألمان يعقدون مؤتمرهم في ظل انقسامات حادة
٢٠ أبريل ٢٠١٧
إعلان فراوكه بيتري، رئيسة حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي عدم الترشح على رأس قائمة مرشحي حزبها في الانتخابات المقبلة، وضع الحزب في امتحان حاسم قبيل مؤتمر الحزب المقرر عقده في مدينة كولونيا.
إعلان
للوهلة الأولى تبدو الصراعات داخل حزب "البديل من أجل ألمانيا" شبيهة بما يجري في المسلسل الأمريكي الشهير "هاوس أوف كاردز House of Cards". ففي بعض الأحيان يقترب الخيال من الحقيقة، وهو ما يمكن مشاهدته في النزاعات الداخلية لهذا الحزب الشعبوي، بالرغم من أنه حاول، ومنذ تأسيسه في سنة 2013، إخفاء صراعاته الداخلية لكي لا يتمكن الرأي العام الألماني من ملاحظتها.
وفي خلفيات الانتخابات الداخلية المرتقبة في مؤتمر حزب "البديل" الشعبوي نهاية هذا الأسبوع في مدينة كولونيا (كولن) قدم الحزب نصوصا درامية جديدة ومثيرة. إذ أعلنت فراوكه بيتري، رئيسة حزب "البديل من أجل ألمانيا"، عزمها عدم الترشح على رأس قائمة مرشحي حزبها في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وتم تداول معلومات قبل الانتخابات الحزبية الداخلية تفيد بأن بيتري ترغب بأن تكون المرشحة الأولى والوحيدة على رأس قائمة الحزب في الانتخابات التشريعية القادمة في ألمانيا، والتي ستجري في شهر أيلول/سبتمبر القادم، على الرغم من أن قيادة الحزب كانت قد اعترضت على ذلك، بالإضافة إلى أن عددا من أعضاء الحزب كانوا قد أعربوا في استفتاء داخلي عن رغبتهم بأن تكون هناك قيادة جماعية لقائمة مرشحي الحزب في الانتخابات المقبلة وألا تقتصر على رئيسة الحزب.
مظاهر متعددة للتطرف في شرق ألمانيا
رغم أن اليمين المتطرف ظاهرة لا تقتصر على بلد معين، إلا أن الحكومة الألمانية أعربت مؤخرا عن قلقها من تنامي كراهية الأجانب ومعاداة الإسلام في الولايات الألمانية الشرقية. جولة مصورة في مظاهر التطرف اليميني بشرق ألمانيا.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Michael
أعربت الحكومة الألمانية عن قلقها إزاء تنامي كراهية الأجانب والتشدد اليميني في شرق ألمانيا، محذرة من أنهما يشكلان تهديدا على السلم الاجتماعي وينفر المستثمرين الأجانب. الإحصائيات الأخيرة تؤكد هذه المخاوف: ففي عام 2014 مثلا سجل 47 من الاعتداءات ذات الدوافع العنصرية في شرقي ألمانيا، على الرغم من عدد السكان فيها لا يشكل سوى 17 بالمائة من إجمالي سكان البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Balk
فمثلا، على الرغم من أن نشاط النازيين الجدد لا يقتصر على ألمانيا فحسب، بل سجل في عدد مناطق من العالم على غرار أمريكا والنرويج، إلا أن حزبهم "حزب ألمانيا القومي الديمقراطي" لم ينجح حتى الآن في الدخول إلى البرلمانات المحلية والمجالس المحلية إلا في شرقي ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Bimmer
شكلت مدينة دريسدن، بولاية سكسونيا شرقي ألمانيا، مهد ومعقل حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) التي تتظاهر منذ أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2014 ضد الإسلام والمسلمين وتواجد الأجانب في ألمانيا. وقد بلغت هذه الاحتجاجات ذروتها مع تدفق سيل اللاجئين، وأغلبيتهم من سوريا، على ألمانيا العام الماضي.
صورة من: picture-alliance/dpa/J. Stratenschulte
خلال احتجاجاتهم الليلية التي تنظمها حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) لم يتوان اليمينيون المتطرفون عن التعبير عن رفضهم لقدوم اللاجئين إلى ألمانيا. في إحدى المظاهرات حمل أحدهم لافتة تصور أناسا في قطار – وذلك في إشارة إلى أن أغلبية اللاجئين قدموا إلى ألمانيا في القطارات انطلاقا من المجر والنمسا – وقد كتب عليها بالإنجليزية: "اللاجئون غير مرحب بهم، عودوا بعائلاتكم إلى أوطانكم".
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Schutt
اليمين المتطرف يرفضو أيضا التعددية الثقافية في إشارة إلى المهاجرين، الذين يعيشون في ألمانيا منذ عقود، ويعتبرونها دخيلة على الثقافة الألمانية. في الصورة أحد المتظاهرين في احتجاجات نظمتها حركة بيغيدا في مدينة دريسدن وهو يحمل لافتة كتب عليها "يجب وقف التعددية الثقافية. وطني (يجب) أن يبقى ألمانيّا".
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Burgi
كثيرا ما شهدت مدن شرق ألمانيا احتجاجات متكررة ضد اللاجئين وتنديدات بالمستشارة ميركل التي يتهمونها بفتح الأبواب على مصراعيها أمام "من هب ودب" دون أن تعير اهتماما لمخاوفهم ومشاكلهم. وفي الواقع، فقد شهد حزب المستشارة، الحزب الديمقراطي المسيحي، تراجعا في الانتخابات البرلمانية المحلية لعدد من الولايات الألمانية، وليس في شرق ألمانيا فقط.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Meyer
إضرام الحرائق في مآوي اللاجئين أو في البنايات المخصصة لإيواء اللاجئين أحداث - وإن لم تقتصر على ولايات شرق ألمانيا - تحسب على اليمين المتطرف وعلى كارهي الأجانب بصفة عامة واللاجئين بصفة خاصة. الصورة تظهر بناية خصصت لإيواء اللاجئين في بلدة باوتسن وهي تحترق. كما أظهرت التحقيقات فيما بعد أن الحريق كان بفعل إجرامي.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Löb
بعدما سمع اليمنيون المتطرفيو أن طائفة الأحمدية تريد أن تبني مسجدا بمنطقة نائية في إيرفورت بولاية تورينغن، شرقي ألمانيا، حتى سارعوا للاحتجاج رغم أن الأمر لم يتعد طور التخطيط. ورغم أن هذا المسجد الذي لايزال مجرد حبر على ورق هو الأول من نوعه في الولاية بأسرها والثالث في شرقي ألمانيا (باسثناء برلين)، إلا أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي يرى فيه مشروعا بعيد المدى لأسلمة ألمانيا.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Michael
الاحتجاج على بناء المساجد من قبل البعض في ألمانيا ليس بالأمر الجديد. بيد أن البعض استخدم وسائل أخرى للتعبير عن احتجاجه: ففي عام 2013 ومع انطلاق أشغال بناء أول مسجد في مدينة لايبتسغ وثاني مسجد على الإطلاق في شرق ألمانيا (باستثناء برلين) قام مجهولون بوضع رؤوس خنازير دامية على أرضية المبنى. حادث مماثل تكرر بعدها بثلاث سنوات عندما وضع مجهولون خنزيرا صغيرا ميتا أمام مسجد في المدينة ذاتها.
صورة من: picture-alliance/dpa
لأكثر من 10 سنوات ويمنيون متطرفون، ينشطون في إطار ما يسمي بالخلية النازية السرية انطلاقا من مدينة تسفيكاو بشرق ألمانيا، يقتلون أناسا في مختلف أنحاء ألمانيا. والمتهمون هم أوفه موندلوز، أوفه بونهارت (في الصورة – في الوسط) وبيآته تشيبه. ضحاياهم: ثمانية أتراك ويوناني وشرطية. دافعهم في ذلك هو كراهيتهم للأجانب. وإلى حدود عام 2011 كان الرأي العام يجهل هوية هؤلاء وأن القتلة هم من اليمينيين المتطرفين.
صورة من: privat/dapd
10 صورة1 | 10
هل يواجه حزب "البديل" انقساما جديدا؟
وكانت بيتري قد قدمت "طلبا يبحث مستقبل الحزب" طالبت فيه بتغير استراتيجي في اتجاه الحزب. وواجه الطلب انتقادات من جميع التيارات في الحزب، وخاصة أن بيتري عدت الاصطفاف في الحزب بين تيار "الواقعية السياسية" والتيار "الأصولي المعارض" في الحزب، بأنها انقسامات مصطنعة. بالإضافة إلى أن الكثيرين من أعضاء الحزب يتساءلون عن الأسباب التي تدعو بيتري إلى تهييج الاضطرابات في وقت ينبغي فيه أن يدخل الحزب الحملة الانتخابية موحدا.
وكان نقاش مماثل قد سبب في انقسام كبير في الحزب في وقت سابق، وذلك عندما أراد مؤسس الحزب وزعيمه السابق بيرند لوكه سلك هذا المسار. وهو ما أدى إلى خروج لوكه من الحزب بعد "انقلاب" بيتري عليه وجمعها لأغلبية في الحزب تعارض توجهاته.
وأرادت بيتري في طلبها المقدم في اجتماع الحزب بأن تضرب عدة عصافير بحجر واحد، إذ أرادت أن يحمل الحزب صورة "نظيفة" وأن يظهر كحزب يمثل المزيد من قطاعات الشعب وأن تتوسع قاعدته وتزداد قوته الناخبة. ومن جهة أخرى أرادت بيتري أن توجه ضربة للرجل الذي يمثل الجناح المتشدد في الحزب، وهو بيورن هوكه رئيس الحزب في ولاية تورنغن.
وقدمت بيتري قبل أسابيع طلبا لإقالة هوكه من الحزب، وذلك على خلفيات تصريحاته المثيرة للجدل حول نصب لضحايا الهولوكست في برلين. ويعد هوكه أحد أكبر المعارضين لسياسات بيتري والمنافس الأقوى لها في داخل الحزب، وهي تعي ذلك تماما.
وحذر الصحفي ميشائيل كلونوفسكي، وهو أحد العاملين سابقا مع بيتري، في رسالة نشرت له قبل أيام من بيتري ومن زوجها ماركوس بريتسيل الذي يتزعم الحزب في ولاية شمال الراين ويستفاليا. وقال كلونوفسكي أن بيتري وزوجها يريدان تدمير الحزب عبر إدخاله في صراعات داخلية لا تنتهي.
وبيتري عرفت أنها لا تملك أغلبية كافية داخل الحزب لتنفيذ مشروعها. وقررت الانسحاب التكتيكي قبل اجتماع الحزب. وقررت عدم الترشح على رأس قائمة الحزب للانتخابات التشريعية القادمة، كما بينت ذلك في خطاب على صفحتها في فيسبوك، قوبل باهتمام شديد من قبل وسائل الأعلام الألمانية. والجدير بالذكر أن بيتري تنتظر مولودها الخامس في مطلع الصيف القادم، وكان عليها فعليا أن تأخذ إجازة أمومة أولا بعد الولادة.
مناقشة البرنامج الانتخابي على خلفية الخلافات الداخلية
لكن مؤتمر الحزب المرتقب ينتظر تحديات أخرى، مثل الحشود الكبيرة المعارضة لسياسات الحزب والتظاهرات المناوئة له التي ينتظر أن يشارك فيها نحو 50 ألف شخص. بالإضافة إلى مشاركة 4000 شرطي لحماية المؤتمر وإغلاق الكثير من المحال التجارية وسط مدينة كولونيا، حيث يعقد المؤتمر.
أما مؤتمر الحزب فينتظر أن يحضره نحو 600 عضوا يناقشون برنامجه الانتخابي للانتخابات التشريعية القادمة. وقٌدم مشروع البرنامج لقيادة الحزب قبل الاجتماع بأسابيع. ويتضمن البرنامج بعض التعبيرات مثل الديمقراطية المباشرة أي السماح بإجراء استفتاءات شعبية مباشرة كالنموذج السويسري.
علاوة على ذلك يطالب البرنامج بإغلاق الحدود والالتزام بطرد نسبة معينة من اللاجئين والمهاجرين. وكذلك اعتماد الثقافة الألمانية كثقافة سائدة في المجتمع، ومنع الحجاب وإجبار الأئمة على استخدام اللغة الألمانية في خطبهم ودروسهم في المساجد.
والسؤال كيف سيتسنى لأعضاء المؤتمر مناقشة كل الموضوعات بصورة تفصيلية في ضوء خلفيات الخلافات الداخلية الشخصية بين أعضائه وقياداته؟