الشيباني يزور بيروت .. ما مصير السجناء السوريين في لبنان؟
محي الدين حسين د ب أ، أ ف ب
١٠ أكتوبر ٢٠٢٥
في أول زيارة لمسؤول سوري بارز إلى لبنان بعد سقوط الأسد، أكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني رغبة دمشق في "تجاوز عقبات الماضي" متعهدًا بـ"احترام سيادة لبنان"، في خطوة رحب بها نظيره اللبناني.
البلدان أكدا رغبتهما في فتح صفحة جديدةصورة من: Lebanese Presidency Press Office/AP Photo/picture alliance
إعلان
بدأ وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني زيارة لبيروت هي الأولى لمسؤول رسمي بعد سقوط حكم بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، في ظل تأكيد البلدين عزمهما على فتح صفحة جديدة في علاقتهما. وقال الشيباني لصحافيين بعد لقائه نظيره اللبناني يوسف رجّي إن الزيارة التي وصفها بـ"التاريخية"، "تعبّر عن توجه سوريا الجديد تجاه لبنان". وأكد أن السلطات الحالية في سوريا "تحترم سيادة لبنان" ومبدأ "عدم التدخل في شؤونه الداخلية".
وفرضت سوريا خلال حكم الأسد وصاية سياسية على لبنان دامت ثلاثة عقود، ووُجّهت إليها مرارًا أصابع الاتهام باغتيال مسؤولين لبنانيين ومصادرة القرار اللبناني في ظل انتشار قواتها العسكرية فيه. وأضاف الشيباني "نريد أن نتجاوز مع لبنان عقبات الماضي"، مشيرًا إلى رغبة دمشق في بناء علاقة سياسية واقتصادية متطورة بين البلدين.
معالجة كل الأمور العالقة
من جهته، قال رجي إنه اتفق مع الشيباني "على إقامة لجان لمعالجة كل الأمور العالقة". وأشار إلى أن "هناك حسن نية من الجهتين، وهناك التزام من الإدارة الجديدة في سوريا باحترام دولة لبنان واستقلاله وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، وهو أمر جديد وإيجابي ويلقى ترحيبًا من الشعب اللبناني". وقال: "تبلغنا رسميًا اليوم من الحكومة السورية تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني السوري، والعلاقات بين الدولتين اللبنانية والسورية، وبين الحكومتين، أصبحت مباشرة عبر الوسائل الدبلوماسية".
وتأسس المجلس في عام 1991، وكان يجسد نفوذ سوريا في لبنان، بيد أن دوره قد تراجع بعد انسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005، واغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وافتتاح السفارة السورية في بيروت عام 2008، وهو الحدث الذي مثل أول اعتراف رسمي من سوريا بسيادة لبنان كدولة مستقلة منذ نيله الاستقلال عن فرنسا عام 1943، حسبما ذكرت وكالة أسوشيتد برس (أ ب).
إعلان
ملفات على الطاولة
ويرافق الشيباني وفد يضمّ عددًا من المسؤولين من بينهم وزير العدل مظهر الويس، ومن أبرز المواضيع التي تتناولها المحادثات مسألة السجناء السوريين في لبنان الذين تطالب دمشق باستردادهم. وقال مسؤول قضائي لوكالة فرانس برس إن "نحو 2250 سوريًا محتجزون في السجون اللبنانية، ويشكّلون نحو ثلث إجمالي السجناء"، مضيفًا أن "نحو 700 منهم يستوفون شروط التسليم لكن الأمر يتطلب اتفاقية جديدة بين البلدين".
ومن بين السجناء السوريين في لبنان، مئات موقوفون بتهم "إرهاب" والانتماء إلى تنظيمات جهادية وفصائل مسلحة، وأحيلوا على المحكمة العسكرية، وآخرون متهمون بشنّ هجمات ضدّ الجيش اللبناني في مناطق حدودية في ذروة النزاع السوري الدامي الذي اندلع بعد قمع السلطات احتجاجات شعبية مناهضة لها في العام 2011. كذلك يبحث الطرفان في ترسيم الحدود الممتدة على مسافة 330 كيلومترًا بينهما ومكافحة التهريب عبرها.
وبعد سقوط بشار الأسد، قُطعت طرق إمداد حزب الله الموالي لإيران وحليف السلطات السورية السابقة، وأُحبطت محاولات لتهريب الأسلحة إلى لبنان، وفقا للسلطات السورية. وزار رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام سوريا في نيسان/أبريل، والتقى الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع الذي وعد بأن دمشق لن تمارس على لبنان بعد اليوم "تأثيرًا سلبيًا".
ويوجد في لبنان نحو 1,3 مليون لاجئ سوري، غالبيتهم نزحوا من سوريا بعد الحرب الأهلية. وأفادت الأمم المتحدة بأن نحو 294 ألف لاجئ سوري عادوا إلى بلدهم منذ سقوط الأسد. وشكر الشيباني لبنان على استضافته للسوريين في الفترة السابقة، وقال: "نشكره على تحمل هذا الضغط، رغم صعوبة الأوضاع الاقتصادية في لبنان، ونتأمل أن يتم حل هذا الموضوع في القريب العاجل، ليكون عربون أخوة وصداقة يحمله الشعب السوري في ذاكرته".
تحرير: ف.ي
"سوا ربِينا".. قرن على علاقات معقدة بين لبنان وسوريا!
أدت إرهاصات نشوء وتأسيس الدولتين السورية واللبنانية بعد انهيار الحكم الفيصلي في 1920 إلى علاقة بين البلدين شابها الكثير من التعقيد وعدم الارتياح والتوتر أحيانا، وهو أمر غذته الطبيعة المختلفة للنظامين وعوامل خارجية.
صورة من: AP Photo/picture alliance
ولادات قيصرية
ولدت سوريا بعد تفاهمات دولية أهمها اتفاقية سايكس-بيكو، أما "لبنان الكبير" فقد ولد عام 1920 بقرار من الجنرال الفرنسي هنري غورو بضم أربعة أقضية غالبية سكانها من المسلمين والتي كانت تتبع للداخل السوري وتشكل ثلثي مساحة لبنان الحالي إلى متصرفية جبل لبنان وبيروت. بعد نيل البلدين استقلالهما في الأربعينات انفصلت عرى العلاقات الاقتصادية المتشابكة بينهما وسط عدم ارتياح، ودون فتح سفارات أو ترسيم للحدود.
صورة من: picture-alliance/United Archives/TopFoto
بين الشرق والغرب
بعد الاستقلال سلك كل من البلدين طريقه الخاص سواء في السياسات الداخلية، الاقتصادية والاجتماعية، أو حتى في التحالفات الدولية: اقترب لبنان من حلف بغداد والمحور الغربي، أما دمشق فقد وقعت ضحية سلسلة انقلابات وخطت طريقها باتجاه المحور السوفياتي وصولاً للوحدة مع "زعيم القومية العربية" جمال عبد الناصر في شباط من عام 1958.
صورة من: Mario Torrisi /ASSOCIATED PRESS/picture alliance
"مبدأ أيزنهاور"
بعد الوحدة السورية المصرية ازداد الاستقطاب في الداخل اللبناني نتيجة تطلع المسلمين للانضمام للوحدة وعوامل أخرى ساهمت في اندلاع أزمة صيف 1958. دعمت دولة الوحدة المحور المناوئ للرئيس كميل شمعون ما نتج عنه نزول قوات المارينز الأمريكية في لبنان وفقاً لـ "مبدأ أيزنهاور": تدخل الولايات المتحدة في الدول المهددة بالخطر الشيوعي. (في صور جنود أمريكيون في سطح إحدى عمارات بيروت).
صورة من: Keystone Pictures USA/ZUMAPRESS/picture alliance
قمة رئاسية في "خيمة شتورا"
انتهت الأزمة اللبنانية بانتخاب فؤاد شهاب رئيساً توافقياً حاز قبول عبد الناصر والغرب. واتسمت السنوات اللاحقة ببعض الدفء وتجسدت بلقاء "خيمة شتورا" على الحدود بين الرئيسين جمال عبد الناصر وفؤاد شهاب في بداية عام 1959. في الستينات أخذت عمليات منظمة التحرير تستهدف إسرائيل بالتزايد. وحظي الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان بدعم من سوريا.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Tödt
"سوريا الأسد" تدخل لبنان
دخل الجيش السوري إلى لبنان لدعم الجبهة اللبنانية (تحالف من الأحزاب اليمينية المسيحية) في وجه تقدم قوى اليسار بزعامة كمال جنبلاط ومن منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات. بيد أن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بدل تحالفاته عدة مرات في الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990) واصطدام بمعظم الأطراف. انتهت الحرب الأهلية باتفاق الطائف عام 1989 الذي غيّر موازين المعادلة الطائفية للحكم في لبنان.
صورة من: KEVIN FRAYER/AP Photo/picture alliance
"عهد الوصاية"
استغل حافظ الأسد الغزو العراقي للكويت وتأييده للتحالف الدولي ضد صدام حسين وقام بطرد الجنرال ميشيل عون من قصر بعبدا الرئاسي في بيروت وليكرس نفسه "وصياً" على لبنان، الأمر الذي تجسد بما عرف بـ "معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق". وأصبحت "الشقيقة الكبيرة" هي المتحكمة بمفاصل الدولة اللبنانية الداخلية وحتى بسياسته الخارجية.
(في الصورة الرئيس إلياس الهراوي ثاني رئيس لبناني منتخب بعد الطائف مع الأسد).
صورة من: AFP via Getty Images
اغتيال الحريري وانسحاب الجيش السوري
أدى الضغط الدولي بعد اتهام النظام السوري وحلفائه بتدبير اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وشخصيات لبنانية رفيعة إلى اندلاع "ثورة الأرز" وهو ما أجبر النظام السوري على سحب قواته من لبنان عام 2005. نتج عن ذلك تعاظم نفوذ حزب الله وإيران. وبعد الانسحاب بثلاثة أعوام قرر البلدان إقامة علاقات دبلوماسية بينهما لأول مرة في تاريخهما وفتح السفارات.
صورة من: Balkis Press/ABACA/picture alliance
حزب الله يتدخل في سوريا لدعم الأسد
مع اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011 وتحول الثورة السلمية للعمل العسكري تدخل حزب الله في الصراع السوري إلى جانب النظام بقيادة بشار الأسد. ساهم الحزب وإيران وروسيا وعوامل أخرى في إبقاء النظام السوري على قيد الحياة في مواجهة المعارضة المسلحة. ونتج عن هذا التدخل انقلاب التأييد للحزب في وسط الكثير من السوريين إلى غضب وعداوة.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/H. Malla
سقوط "الأسدية"
أدت الضربات الموجعة التي تلقاها حزب الله في لبنان وسوريا وانشغال الحزب بما أسماها "معركة إسناد غزة" إلى إضعاف حضور الحزب وحلفائه في سوريا. وفي الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024 سقط نظام الأسد، وبذلك فقد حزب الله الرئة التي يتنفس منها وخط إمداده من إيران. كما نتج عنه انهيار ما يسمى بـ "محور المقاومة" ومشروعها لـ "تصدير الثورة"، وهو المحور الذي استثمرت فيه طهران على مدار عقود.
صورة من: Lebanese Presidency press office/AP/picture alliance
اشتباكات حدودية
تصاعد التوتر على الحدود الجبلية منذ تولي المعارضة الحكم. وفي آذار/مارس 2025 أعلنت الدولتان عن مقتل ثلاثة جنود سوريين الجديد وسبعة لبنانيين في اشتباكات على الحدود. دمشق اتهمت حزب الله بالمسؤولية عما وقع لجنودها، الأمر الذي نفاه الحزب "بشكل قاطع". وفيما يسود هدوء حذر عند الحدود اللبنانية السورية بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، خرجت أصوات تطالب بضرورة ترسيم الحدود. أعد ألبوم الصور: خالد سلامة.