1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تداعيات الصراع الإسلامي-المدني على الحريات والسياسة بالعراق

أمل صقر - بغداد
٢٦ نوفمبر ٢٠٢٥

يقف العراق أمام مفترق طرق سياسي واجتماعي؛ فنتائج الانتخابات الأخيرة أعادت الصراع بين الهوية الإسلامية والنهج المدني، وامتد الجدل إلى تفاصيل الحياة اليومية، مثلما كشف حفل الناصرية الذي أثار غضب رجال دين.

صور الدعاية لمرشحي الانتخابات البرلمانية العراقية في شوارع بغداد (12/10/2025)
قالت الناشطة المدنية العراقية منى النغماش لـ DW إنّ "نتائج الانتخابات انعكست سريعًا على الواقع الاجتماعي، وأعتقد أن ذلك يعود إلى خوف الأحزاب الإسلامية من ثورة جديدة ضدهم..".صورة من: Amal Sqer/DW

ما إن أُعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية التي انعقدت في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وتفوّقت أغلب القوائم  والقوى السياسية ذات الطابع الإسلامي مقارنة بالقوى المدنية، حتى طفا على السطح الصراع الإسلامي–المدني، وهذه المرة كان واضحًا وصريحًا؛ إذ انبرى عدد ليس بالقليل من شيوخ الدين الشيعة لإعلان رفضهم التام لإقامة حفل فني في مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار جنوب العراق، مدّعين أن ذلك لا يتماشى مع طبيعة المدينة الدينية الشيعية الحسينية وعاداتها الاجتماعية، وعدّه بعضهم انفتاحًا مدنيًا غير مقبول ومخالفًا للشريعة والدين.

على الرغم من ذلك، أُقيم الحفل وشهد حضورًا منقطع النظير لعدد كبير من عوائل مدينة الناصرية، مما دفع أولئك الشيوخ إلى الهجوم على كل من حضر الحفل؛ حيث صرّح الشيخ نور الساعدي في أكثر من برنامج حواري تلفزيوني بأن النساء اللاتي حضرن الحفل "ارتكبن فعلًا آثمًا"، وأنهن "آثمات".

الناشطة النسوية من مدينة الناصرية أمل عقيل حضرت الحفل الفني للمطرب محمد عبد الجبار، وقالت لـ DW: "نرفض تقييد مدينة الناصرية وفرض السيطرة عليها من قبل من يُعرفون بالولائيين. حضرتُ الحفل وكان حفلاً عائليًا ضم مجموعة من الفعاليات والأنشطة الفنية، وكان رائعًا، وأرجو أن تستمر مثل هذه الأنشطة والحفلات الفنية في مدينتي".

مدينة الناصرية كانت عام 2019 الركيزة الثانية بعد  العاصمة بغداد في "ثورة تشرين"، التي اندلعت للوقوف بوجه جميع  القوى السياسية المتنفذة والإسلامية الموالية لإيران بشكل خاص. وكانت الشعارات التي يرددها المعتصمون حينها تدل على ذلك بشكل واضح، كما أنهم أغلقوا وأحرقوا جميع مقرات الأحزاب المتواجدة فيها وطردوا السياسيين الى خارج المدينة.

تُظهر الصورة جانبا من المظاهرة التي طالبت بحظر الحفل الموسيقي في مدينة الناصرية. ويأتي ذلك على خلفية تهميش المجتمع المدني وإعادة تشكيل المشهد السياسي العراقي من قبل الإسلاميين. (20/11/2025)صورة من: Amal Saqr/DW

الموسوي: تحميل المرأة وحدها المسؤولية ظلم وتمييز

بينما انتقدت الإعلامية رويدة الموسوي، العاملة في إحدى القنوات الإسلامية في مدينة الناصرية، ردود فعل شيوخ الدين، وبشكل خاص مهاجمتهم للنساء اللاتي حضرن الحفل، حيث قالت لـ DW: "للأسف، هذا الطرح يمسّ المرأة بشكل مباشر ويحملها مسؤولية مضاعفة عن فعل اجتماعي تشترك فيه فئات مختلفة". وتابعت الموسوى: "من وجهة نظري، تحميل المرأة وحدها وزر المشاركة في نشاط عام يحضره زوجها أو ابنها أو والدها هو ظلم وتمييز آخر بحق المرأة. فهذه الأحكام القيمية القاسية لا تساعد على بناء مجتمع متوازن، ولم تعد تناسب وعي الجيل الجديد وقيمه".

وردًا على سؤال من DW حول رأيها في الحفل الفني الذي أُقيم ومستوى الحضور، قالت الموسوى: "كشف لنا الحفل أن هناك شريحة واسعة من أهالي محافظة ذي قار، وخصوصًا الشباب والعوائل، تبحث عن مساحة للتعبير والترفيه. الحضور الكبير يدل على وجود طلب حقيقي على هذا النوع من الأنشطة، بغض النظر عن الموقف الرافض لبعض الجهات والأشخاص محدودي العدد أمام هذا الجمهور الكبير. المدينة عاشت ليلة استثنائية لم تشهدها من قبل، ويأمل أهلها تكرار مثل هذه النشاطات والفعاليات مستقبلًا".

وتواصلت DW مع عدد من الإعلاميين والصحفيين الذين تواجدوا في الحفل، وقال بعضهم إنهم لم يغطّوا الحفل واكتفوا بتغطية المؤتمر الصحفي للإعلان عن فتح مبيعات المجمع السكني الذي أقام الحفل، "لأننا خشينا التعرض للتهديد أو التهجم علينا أو على قنواتنا".

وعبّر بعضهم عن مخاوفهم من تقويض حرية الصحافة والإعلام والحريات العامة، خاصة مع استمرار ذات القوى في تولي زمام العملية السياسية وتراجع فرص القوى المدنية بشكل كبير.

تظاهرة ثقافية وسط توترات سياسية، تظهر الصورة مشهدا من الحدث الفني في مدينة الناصرية. (20/11/2025)صورة من: Amal Saqr/DW

شروق العبايجي: المجتمع سيدفع ثمن صراع الهويات السياسية

أفرزت نتائج الانتخابات حتى الآن اتحاد القوى والأحزاب الشيعية معًا ليعلنوا تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان المقبل، وأبرزها ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة محمد شياع السوداني، الذي تصدّر نتائج الانتخابات بحصوله على 46 مقعدًا، ويمثل الامتداد الحكومي الحالي، ويُعتبر العمود الفقري للكتلة الأكبر. يليه ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، إذ حصل على 29 مقعدًا، ويُعد من أبرز مكونات الإطار التنسيقي، ويمثل التيار التقليدي داخل القوى الشيعية. يأتي بعده في الترتيب كتلة صادقون بزعامة قيس الخزعلي، إذ حصلت على 28 مقعدًا، وتمثل الجناح السياسي لعصائب أهل الحق، وهي من أبرز الفصائل المرتبطة بإيران.

إضافةً إلى قوى شيعية أخرى ضمن الإطار التنسيقي، اجتمعت بعد الانتخابات لتوحيد صفوفها وإعلان الكتلة الأكبر خلال الجلسة الافتتاحية للبرلمان، ما يعكس استمرار هيمنة القوى الإسلامية الشيعية على المشهد السياسي. وبالرغم من ذلك، فإن الوقت ما زال مبكرًا للحديث عن الكتلة الأكبر، إذ ما زالت المفاوضات قائمة داخل القوى السنية والكردية التي لم تعلن حتى الآن عن أية تحالفات.

وهنا لا تُخفي السياسية العراقية والعضوة السابقة في مجلس النواب العراقي شروق العبايجي مخاوفها من أن المجتمع سيدفع ثمن الصراع بين القوى المدنية والإسلامية، والذي رأت أنه سيأخذ أشكالًا متعددة في المرحلة المقبلة. وقالت لـ DW: "أعتقد أن المشهد القادم سيكون مشهدًا ضبابيًا للهويات السياسية، وسيختلط فيه الحابل بالنابل. ولابد من القول إن القوى الإسلامية ذاتها وصلت في مرحلة ما إلى قناعة بأنها لا تستطيع الاستمرار بالهوية الإسلامية، وأن عليها أن تتكيف مع حاجة المجتمع، ولكن بما يضمن مصالحها".

وأوضحت العبايجي: "هنا يكمن الخلط في  العملية السياسية الحالية؛ إذ إن القوى السياسية الفائزة لن تكون بهوية إسلامية واضحة ولا مدنية واضحة، وطبيعة الصراع على المصالح الاقتصادية والسياسية هي التي ستحدد الموقف إزاء القضايا المستقبلية أيًّا كانت طبيعتها".

تتبنى العبايجي الخط المدني، وكانت من أبرز المعارضين لإقرار تعديل قانون الأحوال الشخصية "الجعفري".

وتوضح العضوة السابقة في مجلس النواب العراقي في حديثها قائلة: "أرى أن الصراع على السلطة سيكون المشهد السائد في المرحلة المقبلة على حساب تشريع قوانين فاعلة". إضافة إلى ذلك فإن "البرلمان المقبل سيأخذ وقتًا طويلًا جدًا حتى يعمل على تشريع القوانين، لأن البيئة التشريعية لا تحتوي على تناسق قوى واضحة، ولأن النواب الذين فازوا بمقاعد برلمانية تحت مظلة القوى السياسية المتنفذة ليس لديهم الخبرة الكافية لتشريع القوانين، كونهم أعضاء للمرة الأولى". وتؤكد العبايجي أنه "بغض النظر عن تأثير كتلهم، فإن كل ذلك سيكون على حساب المجتمع ومصالحه". 

مخاوف من تراجع الحريات وسط هيمنة القوى الإسلامية

وعبّر عدد ليس بالقليل من الناشطين، من خلال منصات التواصل الاجتماعي، عن مخاوفهم من تراجع مستوى الحريات، ومن بينهم الناشطة المدنية منى النغماش التي قالت لـ DW إنّ "نتائج الانتخابات انعكست سريعًا على الواقع الاجتماعي، وأعتقد أن ذلك يعود إلى خوف الأحزاب الإسلامية من ثورة جديدة ضدهم، لذلك أجد أنهم عملوا على إعادة حساباتهم بصورة تضمن لهم الاستمرارية، ودون أن تكون هناك معارضة فعلية من قبل الشارع العراقي".

وأضافت منى النغماش: "مع الأسف، القوى المدنية التي تشكّلت في أعقاب ثورة تشرين ونجحت في الوصول إلى قبة البرلمان لم تكن بالمستوى المطلوب، ولم يكن لها تأثير حقيقي. وما زاد من قلّة الثقة بتلك القوى هو تحالف بعضهم مع قوى سياسية خرج شباب تشرين لإنهاء نفوذها وسيطرتها. وبالتالي فإن ذلك شجّع القوى السياسية، خاصة الإسلامية منها، على الهجوم على مفهوم المدنية وكل ما يرتبط بهذا العنوان".

وبالعودة الى  نتائج الانتخابات البرلمانية نجد أن هيمنة القوى الإسلامية وتراجع حضور القوى المدنية، يضع العراق أمام مرحلة سياسية معقدة تتسم بالمساومات والتحالفات الهشة، وبينما تسعى الكتل الكبرى إلى تثبيت نفوذها، يبقى المجتمع العراقي في مواجهة تحديات حقيقية تتعلق بالحريات العامة والحقوق المدنية.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW