Dutschke
٩ أبريل ٢٠٠٨مثل رودي دوتشكه لأتباعه مثلا أعلى ورمزا للأمل، في حين كان مجرد شعبوي بالنسبة لخصومه. كانت الطلقات الثلاث التي أصابت رودي دوتشكه اعتداء على حلمه باشتراكية إنسانية تسود مجموع ألمانيا. أليس هو القائل: "عندنا في البيت لم يكن هناك أي تناقض بين المسيحية والاشتراكية". أما فيما يتعلق باشتراكية ألمانيا الديمقراطية والاتحاد السوفيتي، فقد عبر مرارا عن رفضه لها. فقد دوتشكه القدرة على الكلام لمدة ثلاث سنوات قبل أن يتعلم الكلام من جديد، وغادر برفقة أسرته بعيدا عن ألمانيا بحثا عن وطن جديد، لكنه حيثما حل وارتحل كان شخصية غير مرغوب فيها، ما اضطره إلى العودة إلى برلين من جديد.
محطات في حياة متمرد رؤيوي
ولد دوتشكه في السابع من مارس سنة 1940 في ولاية براندنبورغ، التي كانت تنتمي إلى ألمانيا الشرقية. بعد حصوله على الباكالوريا، رغب دوتشكه بدراسة الصحافة الرياضية، لكنه لم يحصل على مقعد في هذه الشعبة لأنه رفض أداء الخدمة العسكرية، فانتقل دوتشكه للدراسة في برلين، وسنة 1961 لم يستطع دوتشكه العودة إلى أسرته، لأن ألمانيا الشرقية كانت قد بدأت ببناء السور، فسجل في شعبة علم الاجتماع. وسنة 1966، وبسبب ضعف المعارضة البرلمانية، أسس طلبة ومثقفون وفنانون "المعارضة خارج البرلمان" التي كان دوتشكه قائدها الروحي. وهدفت الحركة، عبر ما أسمته "بالنضال الطويل عبر المؤسسات" إلى تغيير البنية السياسية والاجتماعية لألمانيا.
تمتع دوتشكه بقدرة تنظيمية كبيرة، فقد ساهم بقوة في تنظيم المؤتمر العالمي حول فيتنام في برلين الغربية، كما أنه كان وراء تنظيم أنشطة أثارت انتباه الرأي العام، لكن قوته تمثلت خصوصا في قدرته على تحليل الوضع السياسي والتنظير للحركة الجديدة، فقد اهتم دوتشكه بدراسة ماركس ولينين ولوكاتش، ليصبح أهم ممثل لليسار الجديد في ألمانيا.
في الحادي عشر من أبريل سنة 1968 أقدم العامل جوزيف باخمان على إطلاق النار على دوتشكه ليصيبه بجراح بالغة. باخمان، الذي كان محسوبا على اليمين المتطرف، حكم عليه بسبع سنوات سجنا. وبعد أعياد الفصح عرفت ألمانيا الغربية أكبر احتجاجات في تاريخها سواء في برلين أو هامبورغ أو ميونيخ أو إيسن. وأقدم المتظاهرون على رمي زجاجات حارقة على دار النشر الكبيرة سبرينغه فرلاغ، التي اتهموها بتأليب الرأي العام على دوتشكه.
"النضال الطويل عبر المؤسسات"
حكم البعض على دوتشكه على أنه الأب الروحي لمنظمة الجيش الأحمر الإرهابية، لكنه حكم خاطئ وظالم لا ريب، فعدد قليل جدا من حركة 1968 اختار تغيير النظام القائم عبر وسائل الإرهاب. ونظرية دوتشكه عن العنف لا تلتقي مع نهج الجيش الأحمر لأنه كان يعتقد بأن النضال المسلح سيفشل في إسقاط النظام القائم، ولأنه كان يملك مفهوما مختلفا عن الثورة، ولم لا وهو القائل:
"ليست الثورة حدثا طارئا يغير قيادة بقيادة ولكن الثورة صيرورة معقدة تفضي في نهاية المطاف إلى تشكيل إنسان قادر على تغيير العالم وتعويض البيروقراطية بديمقراطية الجماهير". وقد سلطت زوجة دوتشكه في سيرتها عن زوجها التي صدرت سنة 1996 الضوء على علاقة دوتشكه بالعنف، موضحة بأن حديثه عن التمرد لا علاقة له بالعنف.
كان رودي دوتشكه يؤمن بأن التاريخ ليس بقصة تكرر نفسها بشكل مطلق، بل إنه في الإمكان اجتراح عالم جديد لم يسبق له مثيل، عالم بلا حروب ولا جوع في كل أنحاء العالم، عالم يكون الإنسان مركزه، لا الرأسمال أو الدولة.