1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

العاملات الأجنبيات في العراق: معاناة في ظل غياب القانون

مناف الساعدي/ بغداد٢٤ يونيو ٢٠١٣

فتح العراق بعد الحرب الأخيرة ابوابه مجددا أمام العمالة الأجنبية، بعد أن أغلقتها المقاطعة الاقتصادية والعزلة السياسية لأكثر من عقد. لكن العمالة الأجنبية، وخصوصا النساء، تواجه وضعا كارثيا في ظل غياب الحماية القانونية.

صورة من: DW/M. Al Saidy

"لم أكن أعلم بأن عملي في العراق سيعرضني للعنف الجنسي واللفظي المستمرين من قبل رب عملي"، تنساب الكلمات مخلوطة بألم هيلين سهيب (27 عاماً)، وهي عاملة أوغندية الجنسية في العراق، خلال حديثها مع DW عربية. تروي سهيب تفاصيل مجيئها إلى العراق، والتي تعاني عائلتها في بلدها من الحرمان من أبسط مقاومات العيش: "فقري دفعني إلى المجيء مع ابنة خالتي إلى العراق والعمل فيه عن طريق متعهد أوغندي هناك، الذي يتعاون مع أحد مكاتب التوظيف في بغداد".

وتسترسل العاملة الأجنبية بعينين مدمعتين: "عند وصولي إلى العراق طلب مني صاحب مكتب التوظيف أن اترك جوازي معه... لم أكن أعلم حينها أن هذا هو القيد الأول الذي سيكبل يدي". وتضيف العاملة الأوغندية بالقول: "عن طريق هذا المكتب انتقلت للعمل في محافظة الانبار مع عائلة مكونة من ستة أفراد كعاملة خدمة منزلية ومربية أطفال... كنت أتعرض للعنف المستمر كالضرب والعض والإهانة من قبل العائلة، حتى كانوا يصفونني بالكلب الأسود".

سهيب دخلت إلى العراق بتأشيرة سياحية صالحة لمدة 3 أشهر بعد أن عجزت عن الحصول على تأشيرة إقامة أو عمل في مطلع عام 2012. وتشير إلى أنها لجأت إلى إحدى المنظمات الناشطة بحقوق الإنسان بعد قرار فرارها من عملها. طلباً "للفرج من الله" في أن تُحل قضيتها وتعود إلى وطنها وعائلتها، بدأت سهيب ذات الديانة المسلمة صيامها مع بنت خالتها لليوم العاشر. وتقول عن ذلك: "عندما طلبت من صاحب المنزل بأن يكف عن ضربي ومعاملتي بهذا الأسلوب الوحشي، صرخ في وجهي وهددني بالاغتصاب أو الطرد من المنزل".

جاءت إلى العراق من أجل البحث عن لقمة عيش كريمصورة من: DW/M. Al Saidy

وأمام هذه التهديدات لم يبق أمامها سوى "البقاء والتنازل عن حقوقي خوفاً منه، ولكنه وعائلته لم يكفوا عن معاملتي بهذه القسوة"، تؤكد سهيب. لكنها لم تنفذ قراراها في الهروب إلا بعد اغتصابها من قبل صديق رب الأسرة التي تعمل لديها. وتضيف سهيب بصوت طغى عليه الحزن: "بعد هذه الحادثة عدت إلى مكتب التوظيف في بغداد وطالبته بجواز سفري، لكنه رفض وحاول أرضائي بالعمل مع عائلة أخرى بعقد لمدة 6 أشهر... عملت مع هذه الأسرة التي لم تكن قسوتها أقل من سابقتها، وتفاجأت أن العقد أمده سنتين وقررت الهرب مجدداً".

"أحلامي ذهبت أدراج الرياح"

ولم تختلف معاناة ميمونة فريد، وهي ابنة خالة هاجر والتي جاءت معها للعمل في العراق عن طريق مكتب التوظيف ذاته، "تصورت أن عقدي المغري في العراق سوف يغير مجرى حياة عائلتي نحو الأفضل... كل أحلامي ذهبت أدراج الرياح".

وتقول فريد (28 عاماً): "عند وصولي إلى بغداد وقعت عقداً لمدة عام كامل بوظيفة مدبرة منزل لدى امرأة ثلاثينية، وكان من ضمن شروط العقد عدم استغلالي جنسياً وأوقات العمل هي 8 ساعات فقط يومياً". لكن العقد بقي مجرد حبراً على ورق، وعانت فريد من إرسالها المتكرر إلى بيوت صديقات صاحبة المنزل التي تعملها لديها، "حتى بلغت ساعات العمل نحو 15 ساعة يومياً"، بحسب فريد.

وتضيف فريد: "لم تقتصر مهمتي على تنظيف المنزل وإنما تعدت حدودها إلى عمل المساج الجسدي وخلع الملابس الداخلية لرب عملي"، مكملة حديثها، "وهذا كله لم يخلوا من العنف الذي كنت أتلقاه من صاحبة المنزل التي كانت تعاملني بقسوة كبيرة".

"مع مرور الزمن اكتشفت بان المرأة الثلاثينية لديها ميول جنسي اتجاهي وتحاول استغلالي جنسياً، وذلك بعد أن طلبت مني ممارسة الجنس معها". وتضيف وقد علا الخجل محياها: "بعد أن رفضت طلبها هددتني بالطرد من المنزل... كنت قلقة من أن مصيري سيكون كابنة خالتي، عندها قررت الهرب من البيت، ولم أخذ شيئاً من أجوري".

غياب الدور الرقابي

لكن لماذا كل هذه الأقدار المؤلمة، التي تواجه العاملات الأجنبيات في العراق؟ عن ذلك تقول دلال الربيعي، نائبة رئيسة منظمة "حرية المرأة" في بغداد، إن سبب تنامي ظاهرة التعدي على العملات الأجنبيات في العراق بعد عام 2003 يعود إلى جملة من الأسباب، أبرزها "غياب الدور الرقابي من قبل الجهات المختصة بمتابعة تنقلات العمالة الأجنبية داخلياً، فضلاً عن غياب مراقبة عمل شركات التوظيف التي تغري العمالة الأسيوية والأفريقية بالعمل في البلاد". وتضيف الربيعي بالقول: "ناهيك عن فتح الحدود أمام هؤلاء بحجة السياحة".

الناشطة النسائية دلال الربيعيصورة من: DW/M. Al Saidy

وتكشف الربيعي في حوار مع DW عربية، والتي تعتبر منظمتها من المنظمات الوحيدة العاملة في العراق على موضوع مكافحة الاتجار بالبشر، عن توافد العديد من العمالة الأجنبية إلى العراق خلال السنوات القليلة الماضية "وسط غياب أي تشريع قانوني يكفل حقوق هؤلاء".

وتضيف الربيعي أن "منظمتها تعمل بالتنسيق مع منظمة الهجرة الدولية في العراق على الحد من ظاهرة الاتجار بالبشر هنا... تمكنا من استرجاع نحو 18 امرأة عاملة جاءت إلى العراق من دول أسيوية وأفريقية، كالنيبال واغندا وإثيوبيا وكينيا".

وتوضح الربيعي أن أغلب الفتيات تعرضن للعنف والاغتصاب أو استغلالهن لبيع الأعضاء البشرية من قبل أرباب أعمالهن، وأغلبهن يعانين من أثار نفسية جسيمة، كما أن وضعهن ألمعاشي مزري للغاية، منوهة بضرورة تدخل الجهات المعنية للحد من الظاهرة، "كون تفاقمه يعد انتهاكاً صريحاً لحقوق الإنسان".

ماذا يقول القانون؟

وهنا نتساءل أيضاً: أين الدور الرقابي والإجراءات الحكومية الحمائية؟ عن ذلك يوضح المحامي من محكمة قصر العدالة في جانب الرصافة ببغداد، بهاء الدين الربيعي، أن "ظاهرة الاغتصاب تعتبر جريمة يحاسب عليها القانون العراقي"، بحسب المادة (393) من قانون الأحوال الشخصية (111) لسنة 1969، معللاً ذلك بفقدانه ركن التوافق الإيجاب والقبول من كلا الطرفين، "والذي بدونه يصبح الإدخال باطلاً".

وتنص المادة أعلاه "يعاقب بالسجن المؤقت والمؤبد أو قد تصل العقوبة إلى الإعدام وذلك حسب السلطة التقديرية للقاضي، كل من واقع أنثى بغير رضاها أو لاط بذكر أو أنثى بغير رضاه أو رضاها، أما الحالة موضوع البحث يعتبر الفعل ظرفاً مشدداً".

ويضيف الربيعي في حوار مع DW عربية قائلاً: "وكون المجني عليه خادماً عند الجاني، وساهم في ارتكاب الفعل شخص أو أكثر تعاونوا في التغلب على المجني عليه وارتكاب الفعل، تكون الحالة هنا ظرفاً مشدداً".

لكن الربيعي يكشف في الوقت ذاته افتقار قانون العقوبات العراقي النافذ رقم (111) لسنة 1969 إلى مادة قانونية تعاقب المتحرش جنسياً بالمرأة في أوقات العمل، مبيناً "لقد وضعت هذه الجريمة ضمن الجرائم المخلة بالآداب (هتك العرض) التي تكييف على أنها من جرائم التهديد أو القذف أو الاحتيال أو الإيذاء ويخضع تحديد العقوبة إلى السلطة التقديرية لقاضي الموضوع". ورغم هذه التشعبات القانونية، التي لو طبقت فإن من شأنها ربما أن تغير من الواقع المؤلم للعاملات الأجنبيات في العراق، إلا أن أغلب الحالات تبقى بعيداً عن دور القضاء والسلطات.

الافتقار إلى المعلومات

واتجهت DW عربية إلى مديرية مكافحة الاتجار بالبشر، إحدى مديريات وزارة الداخلية العراقية، التي تأسست منتصف عام 2012 على خلفية تشريع البرلمان العراقي لقانون مكافحة الاتجار بالبشر (82) لسنة 2012، حيث التقت مع مديرها اللواء فاضل رداد، الذي كشف من جانبه، بأن دائرته أطلعت على قرابة 18 قضية متعلقة بالاتجار بالبشر. "لكن هذه الحالات تفتقر إلى العديد من المعلومات التي تمكننا من ألقاء القبض على الجهات التي تقوم باستيراد العمالة الأجنبية إلى العراق".

اللواء فاضل رداد، مدير قسم مكافحة الإتجار بالبشر في وزارة الداخلية العراقيةصورة من: DW/M. Al Saidy

ويضيف رداد بالقول:  "أغلب هذه الحالات تتعلق بالبغاء"، موضحاً أن دائرته تفتقر إلى معلومات تدل على تعرض العديد من العاملات الأجنبيات في البلاد إلى معاملات غير إنسانية، وأن مديريته تعمل بالتنسيق مع العديد من المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام في العراق، "من أجل الحصول على معلومات تساعدنا على معاقبة الجناة"، كاشفاً عن زيارة مرتقبة لوفد من البرلمان الأوغندي إلى بغداد، لمناقشة تنامي ظاهرة العمالة الأوغندية غير الشرعية في العراق".

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW