1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

Sklaverei in Mauritanien

١٤ يوليو ٢٠٠٩

رغم القوانين التي حرمتها منذ أوائل ثمانيات القرن الماضي، ما تزال العبودية في موريتانيا تُمارس بأشكال بشعة. أما تطبيق القوانين فما يزال قاصرا بسبب سيطرة الأسياد وحلفائهم على مراكز اتخاذ القرار.

النساء وأطفالهن في مقدمة ضحايا العبودية التي ما تزال تُمارس في موريتانياصورة من: Mohamed Mahmoud Abo Al Maali

"حنة بنت مارية" فتاة في ربيعها الثالث عشر، كانت تعيش مع إحدى الأسر في حي "تيارت" شمال العاصمة الموريتانية نواكشوط، حنة تحولت فجأة من خادمة صغيرة في بيت متواضع، إلى بطلة قصة جديدة من قصص العبودية في موريتانيا، وفجرت أزمة جديدة بين القضاة ورجال الشرطة من جهة، والحقوقيين من جهة أخرى.

تعود بداية القصة إلى 22 إبريل/ نيسان الماضي، عندما تلقت "منظمة نجدة العبيد" التي تنشط في مجال محاربة العبودية في موريتانيا، بلاغا بوجود فتاة قاصر تعمل لدى إحدى الأسر دون أجر في نواكشوط، وتقوم بأعمال شاقة لا تتناسب مع عمرها، وفورا قامت المنظمة بتقديم شكوى إلى السلطات المحلية، التي سارعت إلى اعتقال والد الأسرة المذكورة ووالدتها، وتوقيف حنة بعد إشعار النائب العام بالقضية، إلا أن منظمة "نجدة العبيد" تتهم الشرطة بالتواطؤ مع الأسياد، وتقول إنها أبقت على الفتاة محتجزة مع أسيادها، الذين تمكنوا من تلقينها أجوبة تبرؤهم من استعبادها. ويقول رئيس منظمة نجدية العبيد الناشط الحقوقي ببكر ولد مسعود إنه التقى بوكيل النيابة قبل أن يحال إليه ملف الفتاة، وشرح له القصة كاملة، وأبلغه أن ألأمر يتعلق بحالة عبودية بالنسب والتوارث، وأن والدة الفتاة وأخواتها يعانين من نفس الممارسة،

شهادات لصالح الأسياد رغم الاستغلال البشع

الطفلة الموريتانية حنة بنت مارية التي فجر استعبادها أزمة بين القضاء والشرطةصورة من: Mohamed Mahmoud Abo Al Maali

وأضاف ولد مسعود "أكدت للنائب العام أن والدة الفتاة قد تدعم أقوال أسيادها الذين يزعمون أن الفتاة تركتها أمها طواعية عندهم لتعليمها وتربيتها، لأنها لا تملك من المال ما يمكنها من تربيتها، مؤكدا أن العبيد في الغالب يدلون بشهادات لصالح أسيادهم إما تواطئا أو خوفا من المستقبل المجهول، لأنهم لا يعرفون كيف يعيشون إذا افترقوا عن أسيادهم. وكما توقع رئيس منظمة نجدة العبيد فعند استدعاء والدة الفتاة التي تقيم في الريف الموريتاني صرحت أمام النائب العام أنها هي من سلمت ابنتها للأسرة المذكورة طواعية طالبة منهم تعليمها والإنفاق عليها، بحجة صلة القرابة بينها وبينهم، وهي القرابة التي يقول رئيس "نجدة العبيد" إنها علاقة استعباد توارثها الآباء عن الأجداد، وقد سارع النائب العام إلى إنهاء القضية وسلم البنت لوالدتها، معلنا أن ألأمر لا يتعلق بحالة عبودية كما تزعم منظمة نجدة العبيد، وأن الأم هي من سلمت الفتاة للأسرة المكورة لتربيتها وتعليمها، الأمر الذي اعتبرته منظمة نجدة العبيد تواطئا مكشوفا للقضاء مع الأسياد.

استغلال جنسي

لكن القصة التي هزت المجتمع الموريتاني تلك التي روتها "أم الخيري" وكانت ابنتها "زينب" البالغة من العمر 21 سنة ضحية لها، فقد أخذها سيدها منهم، وقال إنه يريدها أن تخدمه لفترة محدودة، ووعدنا ـ تقول أم الخيري ـ بأن ندخل الجنة ويغفر الله لنا إذا ما أطعناه، وأن تنزل بنا مصيبة في الدنيا وندخل النار ونعذب في الآخرة إذا منعناه من الذهاب بها، وقد وافقته ذهاب ابنتي معه على أن يحررها بعد خمس سنوات من خدمتها له، لكنه بعد فترة قصيرة من ذهابه بها بدأ يستغلها جنسيا، بحجة أنها ملك يمينه، وله الحق في الدخول عليها متى شاء واتخاذها جارية، وكان يعدها بالجنة والمغفرة إذا مكنته من نفسها، ولما بدا عليها الحمل طردها من بيته ونفى أن يكون قد دخل عليها أو استغلها جنسيا، وهي الآن في ورطة ولا تدري كيف تتعامل مع ابنها الذي سيولد بعد شهرين، وبما ذا ستجيبه لو سأل عن والده.

عقدة متجذرة

أم موريتانية وطفلتها من طبقة العبيد التي تعاني من قسوة الفقر والحرمانصورة من: Mohamed Mahmoud Abo Al Maali

حالة حنة وزينب مجرد حالتين من عشرات الحالات التي يتم الكشف عنها من حين لآخر في موريتانيا، وهذا ما تؤكده دراسة أعدتها منظمة "نجدة العبيد" مؤخرا. ومما جاء في الدراسة أن الملفات الخاصة بحالات العبودية غالبا ما تنتهي بإغلاقها قضائيا بحجة أن الأمر يتعلق بعلاقات شخصية وأخرى غير عبودية. وتعيد هذه الحادثة إلى الأذهان الجدل حول موضوع العبودية التي ظلت عقدة مستعصية على الحل في المجتمع الموريتاني، رغم القوانين التي تصدر تباعا بتحريمها ومعاقبة ممارسيها، إلا أنه لم يحاكم حتى الآن أي سيد بتهمة ممارسة العبودية، مما دفع نشطاء حقوق الإنسان إلى القول إنه ما دامت القوانين التي تحرم العبودية مجرد حبر على ورق، والأسياد في منأى عن العقاب فإن العبودية ستبقى قائمة في المجتمع. وقد تحولت العبودية في موريتانيا من ظاهرة اجتماعية تجذرت في مجتمع بدوي صحراوي عبر قرون عديدة إلى كرة جمر تتقاذفها الأطراف السياسية، وتستغلها كل حسب مصالحه وأهوائه.

قوانين على الورق

وفيما يتعلق بالقوانين فقد أصدر الرئيس الأسبق محمد خونا ولد هيدالة سنة 1981 قانونين أحدهما يحرم العبودية ويعاقب ممارسيها، وآخر عرف بقانون الإصلاح العقاري، يهدف إلى محاولة حماية العبيد السابقين من استغلال أسيادهم للأراضي، وتمكينهم من ملكيتها، إلا أن المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان تؤكد أن تطبيق القانون ظل قاصرا وتعترضه عقبات أهمها نفوذ الأسياد، وتقول منظمة نجدة العبيد إن سيطرة أبناء الأسياد السابقين على مفاصل الدولة وأجهزتها، مكنهم من الاحتيال على القانون، وظلم العبيد ومنعهم من حقوقهم، وخلال فترة الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، كان الخطاب السائد لدى النظام، هو أن العبودية لم تعد قائمة كواقع ممارس، وأن ما يوجد منها هو مجرد مخلفات ستختفي مع مرور الزمن، وهو نفس التوجه الذي عبر عن رئيس المجلس العسكري الأسبق العقيد اعل ولد محمد فال الذي وصف المدافعين عن قضايا العبودية بأنهم أشخاص يتاجرون بسمعة البلد ويستغلون قضايا حقوق الإنسان لأغراض سياسية ومآرب شخصية. لكن بعد وصول الرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله إلى سدة الحكم، تغيرت نظرة الدولة إلى قضية العبودية، وأصدر البرلمان قانونا يقر بوجود الظاهرة ويعرفها شكلها وممارسة، ويعاقب ممارسيها بالسجن لفترة تصل إلى عشر سنوات. لكن سيطرة الأسياد وحلفائهم والمقربين منهم على مراكز اتخاذ القرار ما تزال تقف عائقا أمام منع جميع أشكال العبودية في موريتانيا.

الكاتب: محمد محمود أبو المعالي- نواكشوط

مراجعة: ابراهيم محمد

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW