العراق: صراع حول أبو غريب - آخر قلعة في الأنبار
١٦ نوفمبر ٢٠١٤لا يزال ذكر اسم "أبو غريب" يثير حالة من الصدمة والإشمئزاز لدى العراقيين، فصور تعذيب المساجين العراقيين على يد جنود أمريكيين في سجن أبو غريب لا تزال محفورة في ذاكرة 33 مليون شخص في بلاد الرافدين. وعلى الرغم من أن أبو غريب نفسه قد استخدم في عهد صدام حسين كمعتقل للتعذيب، إلا أن العراقيين لم يكونوا – إلى حين نشر صور المساجين العراقيين المعذبين عام 2004 - ليتصورا أن الأمريكيين سيتسخدمون الأساليب نفسها. أبو غريب يشكل وصمة عار على الاجتياح الأمريكي للعراق. وبداية من ذلك الحدث، أصبح عدد العراقيين الذين يلتحقون بصفوف تنظيم القاعدة في تزايد والمقاومة العراقية تتلاحم بشكل أكبر مع الإرهاب الدولي. والعدو المشترك هو القوات الأمريكية التي يُنظر إليها من قبل هؤلاء على أنها قوات احتلال للعراق.
الصراع من أجل بغداد
المدينة التي أعطت السجن الشهير اسمه لا تبعد عن بغداد سوى بضعة كليومترات. فقط بعض نقاط التفتيش توحي للمسافر بأنه قد غادر العاصمة وفي طريقه إلى محافظة الأنبار، أكبر المحافظات العراقية الثمانية عشر من حيث المساحة. وفي الأنبار بالتحديد تدور معارك ضارية من شأنها أن تحدد مصير البلاد والمنطقة بأسرها. ذلك أن مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" يسعون إلى بسط نفوذهم على المحافظة بأسرها. وفي حال نجحوا في ذلك، فإنهم سيكونون على بعد ثمانية كليومترات فقط من بغداد.
وإذا ما سقطت الأنبار في أيدي تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى جانب المناطق المحاذية لها في سوريا، فستصبح مساحة المناطق التي يسيطر هذا التنظيم الإرهابي أكبر من مساحة هولندا. وعليه، سيتعين إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد. ووفقا لبعض التقديرات، فإن 80 بالمائة من محافظة الأنبار أصبحت تحت سيطرة "الدولة الإسلامية".ويمر الخط الفاصل بين الجبهات بين أبو غريب والفلوجة.
ولزيارة جاسر محسن لا بد من ترك الطريق الرئيسي زيتون وأخذ منعطف جانبي في منطقة ريفية. وفي إحدى المزارع تقف عدة مقطورات إلى جانب بعضها البعض على شكل نصف دائري. عام 1984 انتقلت عائلة جاسر من بغداد للعيش هنا. "منذ ذلك التاريخ ولم يقم أحد بشيء لمساعدتنا"، كما يقول جاسر لتبرير ظروف عيشه البسيطة. ويضيف بأن والده كان يعمل في إحدى المصالح البلدية وأن الحكومة قد أرسلته إلى هذه المنطقة بالذات.
وبعد الاجتياح الأمريكي للعراق بشهرين توفي والد جاسر، فيما قتل صهره بعيد السيطرة على بغداد في التاسع من أبريل/نيسان عام 2003 على يد جنود أمريكيين، لأنه قاوم الاحتلال. وبعد تلك الحادثة بأربع سنوات اقتحمت القوات الأمريكية بيوت عائلة محسن في أبو غريب، معتقدين بأنهم ينتمون لتنظيم القاعدة.
أبو غريب – آخر قلعة على أبواب بغداد
وفي الأنبار واجه الأمريكيون أشرس مقاومة وأمرَ هزيمة وأكبر الخسائر. ويروي جاسر بأن القاعدة حاولت إقناعهم بالمشاركة في القتال، تماما مثلما يحاول في الوقت الراهن تنظيم "الدولة الإسلامية". لكنه وأسرته من الشيعة الذين يشكلون نحو 20 بالمائة من سكان أبو غريب البالغ عددهم 50 ألف نسمة. "أن يشارك شيعي في القتال مع جهاديين سنة، فهذا أمر غير مقبول"، يوضح جاسر ذو الثلاثين عاما:"إنهم يصفننا بالكفار".
وعندما اقتحم مسلحون متطرفون السجن المركزي – الإسم الجديد لسجن أبو غريب- في نهاية يوليو/ تموز من العام الماضي، فرّ 500 سجين ومن بينهم أيضا عناصر من تنظيم القاعدة. "البعض اُعتقل مرة أخرى"، يقول جاسر، و"لكن الأغلبية لا يزالون طلقاء." حينها أعلنت وزارة الداخلية العراقية بأن لديها معلومات مفادها بأن عناصر القاعدة الذين تم إطلاق سراحهم بعد اقتحام السجن قد فروا إلى سوريا. بيد أن جاسر يقول إن العديد منهم بقوا في المحافظة، حيث يدعمون تنظيم "الدولة الإسلامية" في المنطقة.
وبعد تلك الحادثة بعام تقريبا، وبالتحديد في يونيو/ حزيران الماضي حاول ما كان يسمى سابقا ب"داعش" ("الدولة الإسلامية" فيما بعد) اقتحام السجن مرة أخرى، ولكن الحكومة العراقية قامت باتخاذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب، حيث قامت بنقل المعتقلين إلى جنوب العراق. وعند وصول مقاتلي "داعش" إلى السجن، وجدوه فارغا.
ميليشيات تثير الرعب والهلع في قلوب الناس
وفجأة تبدأ ابنة جاسر ذات التسع شهور بالبكاء دون أي سبب واضح. جدتها ناهيدة تقول: "إنها خائفة"، وتشير بأن الطفلة كثيرا ما تسمع أصوات إطلاق النار وصراخا وأصوات أناس غرباء عن المدينة. وتضيف بأن "هؤلاء ليسوا بمقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" وإنما ميليشيات شيعية تتعلل بحمايتنا." الميليشيات منتشرة في كل مكان في المنطقة. كما أن عناصرها يطلقون النار أحيانا دون أي سبب، يختطفون الناس ويطالبون بفدية مقابل إطلاق سراحهم.
ففي إحدى المرات قاموا باقتحام متجر لبيع الهاوتف الجوالة يوقاموا بمصادرة كل الهواتف(الجوالة) واختطفوا صاحب المتجر، مطالبين بـ 600 ألف دولار كفدية لإطلاق سراحه. ويقول جاسر "الميليشيات الشيعية تشكل مشكلة بالنسبة لنا." ويضيف قائلا: "لانعرف في أحيان كثيرة لمن ينتمي هؤلاء الرجال الذين يثيرون الخوف والهلع في قلوب الناس هنا."
وبعد أن فر العديد من الجنود من الجيش العراقي وتركوا كل شيء، قام المرجع الشيعي علي السيستاني بالدعوة إلى الدفاع عن البلاد. وقد استجاب لدعوته الكثير من المتطوعين الشيعة الذين قدموا من المدن الشيعية في جنوب العراق، حيث تلقوا تدريبا لحمل السلاح لمدة أسبوعين قبل الالتحاق برفاقهم لمحاربة "الدولة الإسلامية". ولحماية بغداد تم تخصيص خمسة ألوية تتكون في أغلبها من متطوعين. وهاهي مدينة أبو غريب كآخر مدينة في محافظة الأنبار على أبواب بغداد تشد الأنظار إليها لتثير القلق مرة أخرى.