يترقب العراقيون خلال ساعات تطورات سياسية وقضائية بالغة الأهمية من المتوقع أن تحلحل الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد والانسداد السياسي الذي رافق إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة قبل عشرة أشهر.
إعلان
ينتظر وصول رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني إلى بغداد خلال الساعات المقبلة حاملا معه ملف مبادرة سياسية باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني لحل الأزمة السياسية، مبادرة سيطرحها على القادة السياسيين في اجتماع بالقصر الحكومي ومن ثم التوجه إلى حي الحنانة بالنجف للإجتماع بالزعيم الشيعي مقتدى الصدر. وذكر عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم في تصريح لصحيفة "الزمان" الصادرة اليوم (الإثنين 29 أغسطس / آب 2022) أن رئيس إقليم كردستان سيزور بغداد وسيطرح مبادرة سياسية على القوى السياسية ومن ثم الذهاب بمخرجاتها إلى الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في منزله بالحنانه. وأضاف عبد الكريم "نعول كثيرا على هذه المبادرة للخروج من الانسداد السياسي وأن بعثة الأمم المتحدة في العراق ستدخل كطرف ضامن للاتفاق بين القوى السياسية".
وتأتي خطوة الحزب الديمقراطي الكردستاني مع دعوة أطلقها الزعيم الشيعي للقوى السياسية في البلاد ينتهي موعدها يوم غد الثلاثاء تقضي بالتوقيع على اتفاقية تتضمن عدم اشتراك جميع الأحزاب والشخصيات السياسية التي شاركت بالعملية السياسية منذ 2003 وحتى الآن بما فيهم التيار الصدري في الانتخابات البرلمانية المقبلة. ولم تلق هذه المبادرة ردود أفعال من الأطراف السياسية كونها جاءت من صالح محمد العراقي المتحدث باسم الزعيم الشيعي مقتدى الصدر وليس من الصدر شخصيا.
من التدخل العسكري إلى الاكتفاء بالتدريب.. مسار القوات الغربية في العراق
يطوي العراق صفحة القوات الغربية الأجنبية المقاتلة في بلده بتحولها إلى التدريب والاستشارة. لكن ما تحقق منذ أحتلال الولايات المتحدة للبلد عام 2003 لم يحقق الكثير ممّا وعد به جورج بوش، خصوصا على الجانبين الأمني والاقتصادي.
صورة من: Maj. Charlie Dietz/Planetpix/ZumaPress/picture-alliance
نهاية رسمية للمهام القتالية
تنتهي "المهام القتالية" لقوات التحالف الدولي في العراق في آخر يوم من عام 2021، حسب ما أعلنت حكومة هذا الأخير. لكن ذلك لا يعني رحيلها، بل ستصبح مهامها محصورة على التدريب والاستشارة، وهي المهمة التي بدأت فيها رسمياً منذ صيف 2020، كما أنها ستقوم بـ "الدفاع عن نفسها في حال أي هجوم ضدها"، حسب بيان للتحالف.
صورة من: Jewel Samad/AFP/Getty Images
هل تحقق هدف القضاء على "داعش"؟
ركزت قوات التحالف الدولي على مواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي، خصوصاً بعد سقوط الموصل في أيادي مقاتليه عام 2014. وأعلن العراق ومعه قوات التحالف النصر على التنظيم الإرهابي عام 2017، لكن الأوضاع الأمنية في البلد لم تتحسن كثيراً، فبعد فترة من الهدوء، عاد التنظيم مؤخراً لشن عمليات انتحارية. ومع ذلك، فقوات التحالف لا ترغب في مزيد من القتال، ويصل عددها إلى 3500 مقاتل، بينهم 2500 أمريكي.
صورة من: Abdullah Rashid/REUTERS
إخلاء للساحة أمام إيران؟
غير أن التهديد الأكبر لقوات التحالف لا يأتي من "داعش" وحده، بل من فصائل مقاتلة موالية لإيران إلى جانب فصائل سياسية، خصوصاً فصائل الحشد الشعبي التي تضغط لرحيل كامل لكل القوات الأجنبية. ويثير متابعون مخاوف من سقوط العراق في دائرة النفوذ الإيراني، إذ تحولت طهران إلى اللاعب الإقليمي الأول في البلد، ولم ينجح كثيراً الحراك الشعبي الذي انطلق عام 2019 في إنهاء هذا التدخل.
صورة من: Khalid Mohammed/picture alliance
أوباما أول من بدأ الانسحاب
الانسحاب الأمريكي من العراق ليس جديداً، فقد بدأ في عهد باراك أوباما، وفق خطة هدفت إلى سحب جلّ القوات بحدود نهاية 2011 مع الإبقاء على قوة لا تزيد عن 50 ألف جندي. غير أن ظهور "داعش" دفع أوباما إلى إعادة إرسال قوات جديدة عام 2014 تحت مظلة التحالف الدولي. أراد أوباما التخلص من التركة الثقيلة لسلفه جورج بوش في الشرق الأوسط، لكن قراره أثار كذلك انتقادات بتركه البلد مفتوحا أمام النفوذ الإيراني.
صورة من: Alex Edelman/AFP/Getty Images
ترامب والانسحاب الجزئي
على العكس من سياسة الجمهوريين، ذهب دونالد ترامب نحو تخفيض قوات بلاده في الشرق الأوسط ومن ذلك العراق في إطار سياسته "أمريكا أولاً". لم يكن متحمساً لسحب شامل للقوات من العراق بسبب عدائه الكبير لإيران واستمرار تهديدات "داعش"، كما أشرف على عملية نوعية باغتيال الإيراني قاسم سليماني، لكن في نهاية ولايته أمر بسحب جزئي للقوات، كما اعتبر أن "غزو العراق" كان خطأ كبيراً.
صورة من: Nicholas Kamm/AFP
بايدن يغلق القوس
لم يتراجع الرئيس جو بايدن عن سياسة سلفه دونالد ترامب في العراق رغم تباين وجهات نظرهما في ملفات كثيرة، ولم يلغ سحب القوات. تظهر السياسة الأمريكية متسقة في السنوات الأخيرة بتقليل القوات العسكرية في مناطق النزاع، وهو ما حدث كذلك في أفغانستان. لكن بايدن لا يريد إخلاء تاماً للساحة العراقية خصوصاً بعد الفوضى التي وقعت في كابول، وعبر مهام التدريب والاستشارة، يريد الحفاظ على حضور أمريكي في البلد.
صورة من: Carolyn Kaster/AP Photo/picture alliance
بوش- مهندس احتلال العراق
كانت واشنطن تنظر إلى العراق كأحد محاور الشر في عهد جورج بوش، وبعد سنوات من الحصار الاقتصادي، قرّر بوش اجتياح البلد عسكرياً وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003 تحت ذريعة وجود أسلحة الدمار الشامل، وهو ما لم يتأكد بشكل مستقل. أرسل بوش أكثر من مئة ألف جندي أمريكي، وكان يخطط لـ "عراق ديمقراطي" حسب قوله، لكن القرار حظيت بانتقادات محلية ودولية، خصوصا من الأمم المتحدة.
صورة من: picture-alliance/dpa
مستنقع الموت
لم تنجح سياسة بوش في خلق الاستقرار بالبلد التي تحوّل إلى بؤرة لا استقرار وساحة من القتل. تجاوزت حصيلة القتلى العراقيين حتى عام 2010 أكثر من 100 ألف، ووصلت بين الجنود الأمريكيين إجمالاً إلى حدود 5 آلاف فضلاً عن آلاف المصابين. زيادة على مهاجمة الأهداف الامريكية، عاش العراق عنفاً طائفياً خطيراً بين فصائل شيعية وأخرى سنية، كما تدهور الاقتصاد أكثر، ما انعكس على أعداد الفارين من البلد.
صورة من: Nabil al-Jurani/AP/picture alliance
8 صورة1 | 8
ويزداد ترقب الشارع ما سيقضي به القضاء العراقي، حيث ستعقد المحكمة الاتحادية العليا يوم غد الثلاثاء جلسة للنظر في الدعوى التي تقدم بها التيار الصدري وشخصيات مستقلة للنظر بعدم الالتزام بالتوقيتات الدستورية لاستكمال العملية السياسية، في ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في العراق في العاشر من تشرين الأول / أكتوبر من عام 2021. وكان رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، القاضي فائق زيدان، قد دعا في الثاني والعشرين من الشهر الجاري خلال اجتماعه بنقيب الصحفيين العراقيين مؤيد اللامي إلى "اعتماد السياقات الدستورية والقانونية لحلحلة الأزمة السياسية الحالية وأن القضاء يقف على مسافة واحدة من الجميع ويحكم باسم الشعب، ويطبق القانون بحسب الدستور والتشريعات النافذة اعتمادا على ما يتوفر من أدلة ووقائع لا على ما يطلق من شائعات وأقاويل".
وتعهد بأن "الحملات الإعلامية ضد القضاء والضغوطات السياسية لن تثني القضاة عن مواصلة عملهم في إحقاق الحق ووفق ما تفرضه القوانين". فيما شدد مجلس القضاء الأعلى في العراق على أنه" ماضٍ باتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من يخالف القانون ويعطل المؤسسات العامة"، وذلك بعد ساعات من قيام أتباع الزعيم الشيعي مقتدى بالاعتصام خارج أسوار مجلس القضاء الأعلى في الثالث والعشرين من الشهر الجاري للمطالبة بحلّ البرلمان العراقي.
ويرابط أتباع الزعيم الشيعي مقتدى للأسبوع الخامس على التوالي أمام مقر البرلمان العراقي في المنطقة الخضراء، فيما يقف جمهور الإطار التنسيقي الشيعي في البوابة الجنوبية في حركة اعتصام للمطالبة بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة واستئناف عمل البرلمان العراقي.
ويرى سياسيون ومحللون عراقيون أن مخرجات الحوارات السياسية والقرار المرتقب من القضاء العراقي خلال الأسبوع الحالي ربما سيحسم جدلية الخروج من الأزمة السياسية الخانقة وعودة البرلمان العراقي إلى الإنعقاد لاستكمال بناء أركان العملية السياسية بانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة خاصة وأن غالبية الأطراف السياسية تدعم إجراء انتخابات برلمانية مبكرة بقانون انتخابي جديد ومفوضية جديدة لإدارة الانتخابات البرلمانية المقبلة.