1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

العراق ينظر إلى الربيع العربي في سورية

١٥ مارس ٢٠١٢

يميّز رياض البغدادي بين موقفي الشاعر العراقي، والنخبة السياسية في هذا البلد تجاه ما يجري في سوريا، ويذهب الى جذور شكل العلاقة بين البلدين التي بقيت على مدى الزمن تدور في مستويي الخاص الرسمي، والعام الشعبي.

صورة من: picture-alliance/dpa

تاريخ

قدم النظام في سورية للمعارضة العراقية في عهد المقبور صدام ما لم تقدمه أية دولة عربية أخرى ، حيث وفر النظام السوري للمعارضين الفارين من ظلم البعث بكل تصنيفاتهم السياسية بدءً من البعثيين اليساريين إلى الشيوعيين إلى الإسلاميين إلى الكرد وغيرهم المأوى الآمن وفسحة من الحرية في العمل والإقامة والدراسة وغيرها من تسهيلات ، وبالرغم من هذا الدعم إلا انه لم يرتفع الى مستوى التعاطي الإيراني مع من تواجد على أراضي إيران من فصائل المعارضة العراقية ، والاختلاف الجوهري في القضية هو فتح الحدود الإيرانية أمام العمل العسكري ضد نظام صدام حسين ، مع دعم وإسناد مالي ولوجستي كبير وفرته الحكومة الإيرانية لفصائل المجلس الأعلى وحزب الدعوة في الجنوب وللفصائل الكردية في الشمال إضافة إلى وحدات فيلق بدر التابعة للمجلس الأعلى في كل مناطق الحدود المشتركة للجارة إيران مع العراق ، في حين أقتصر الدعم السوري لفصائل المعارضة على توفير المناخ الآمن لتواجدهم وفسحة من الحرية في الإقامة والتنقل وبعض النشاطات الإعلامية والثقافية ، لذلك صارت سورية بالنسبة لقوى المعارضة هي مكان الراحة للمعارضين الذين اعتزلوا العمل المسلح ورغبوا في الدعة والهدوء ، حيث ان السوريين لم يسمحوا للمعارضة ان تقوم بأي نشاط عسكري عبر حدودهم مع العراق ، وبقي الحال على ما هو عليه حتى سقوط البعث العراقي ولجوء صدام إلى جحر الدور ومن ثم القبض عليه و محاكمته وإعدامه .

التعاطي السوري مع التغيير الديمقراطي في العراق

بعد دخول القوات الأمريكية إلى العراق وسقوط نظام صدام، اتسم الموقف السوري بنوع من الريبة والخوف والتحفظ الشديد في التعامل مع الوضع الجديد ، خاصة بعد ان تعالت أصوات في الولايات المتحدة تطالب بالتعامل مع سورية بنفس طريقة التعامل مع النظام البعثي في العراق ، على اعتبار أن سورية واحدة من الدول التي صنفها الرئيس الامريكي السابق بوش بدول محور الشر ، ومن المفارقات السورية أنها لم تعترف بمجلس الحكم العراقي الذي كان جل قادته يصنفون على أنهم قريبون من النظام السوري وأقام بعضهم لسنين طويلة على الأراضي السورية أيام المعارضة ، ولم تكتفِ سورية بهذا التحفظ بل تطور الأمر حتى صارت سورية المأوى الآمن للبعثيين الهاربين ومنتسبي الأجهزة القمعية وكبار المجرمين ممن بطشوا بالأبرياء من أبناء الشعب العراقي ، إضافة الى كبار المسؤولين الذين حملوا معهم مئات الملايين من أموال الشعب العراقي التي كانت تحت تصرفهم بحكم مسؤولياتهم الإدارية والسياسية ، ويوما بعد آخر تحول المأوى الآمن للبعثيين في سورية إلى معسكرات تدريب وإسناد ودعم سياسي ولوجستي عسكري وفتحت الحكومة السورية الحدود أمام أتباع النظام البائد لينفذوا من خلالها عمليات القتل وإرهاب المواطنين الآمنين في مدن العراق وقصبات .

وبعد قرار تنظيم القاعدة الانضمام إلى معسكر البعثيين المعارضين ، صارت سورية هي المنفذ الرئيس لدخول (مقاتلي القاعدة ) إلى العراق والخوض بدماء الناس وهتك أعراضهم ونهب أموالهم ولطالما شكا رؤساء الحكومات العراقية المتعاقبة والوزراء الامنيون من الدعم الذي توفره سورية للإرهاب ، وآخرها قرار رئيس الوزراء السيد نوري المالكي باللجوء إلى المحاكم الدولية لتجريم سورية ومنعها من دعم الإرهاب في العراق ، مشيرا بالحرف الواحد في احدي تصريحاته انه يملك من الأدلة القانونية التي لا تقبل الشك ما يثبت تورط النظام السوري في أكثر من 90 %من عمليات الإرهاب في العراق ، واستمر الوضع إلى يومنا هذا حيث يتواجد على الأراضي السورية الكثير من المجرمين المطلوبين الى القضاء العراقي إضافة إلى مكاتب بقايا حزب البعث العراقي الموجودة في دمشق والتي توفر لها الحكومة السورية كل ما يلزمها لإدامة عملها المعارض للوضع الجديد في العراق ، اما الدعم السوري السياسي فلم يكن موجودا إلا بالمقدار الذي يوفره السوريون للخط السياسي المصنف على انه متعاطف مع نظام البعث الصدامي وأتباعه ، ممن انضموا الى العملية السياسية بعد التغيير ، حتى المصالحة التي عملت بعض البلدان العربية على استضافة مؤتمراتها ، لم يكن لسورية أي تحرك لدعم نشاطات المصالحة التي تطمح الحكومة العراقية من خلالها جر من لم تتلطخ أياديه بدماء الأبرياء الى العملية السياسية .

موقف الشعب العراقي من النظام السوري

للأسف لم يكن الموقف الجماهيري في العراق من سورية موقفا واضحا كوضوح موقفهم من الثورة على نظام الرئيس حسني مبارك ، فقد اتسم بتابعيته للموقف الرسمي العراقي ، والجماهير تصنف سورية على أنها داعم للإرهاب ، عندما تصنفها الحكومة في بغداد بذلك وتخف حدة اللهجة الجماهيرية تجاه سورية عندما تخف حدة الإعلام الحكومي الموجه ضدها ، وبين هذا وذاك ، يبرز الصوت الخجول الذي لا يريد ان يعكر صفو علاقته وينسى فضل من وفر له الملجأ الآمن في يوم من الأيام ، كشعور طبيعي من شعب طيب لا ينكر الجميل في وقت تكالبت عليه كل قوى الشر ولم يكن في جانبه غير سورية وإيران ، وكثيرا ما تبرر الأفعال السورية على إنها موجهة ضد الولايات المتحدة وليست ضد الشعب العراقي وان كان الضحايا أبرياء من طلاب المدارس والعمال والمتدينين من مرتادي المساجد والمزارات ، واليوم ونحن نرى صور القتل في سورية والماكينة العسكرية التي تسحق الشعب السوري المطالب بحريته تعاد إلى أذهاننا صور الانتفاضة الشعبانية التي اندلعت في العراق عام 1991 ضد البعث العراقي ، حتى أن الكثير من الصور في سوريا تؤكد بإشارات واضحة إلى أن ثقافة القتل والأجرام البعثية هي نفسها في العراق وسورية ، فصور القتل تتشابه الى درجة كبيرة ، والأعلام البعثي السوري أيضا لا يختلف عن الإعلام البعثي العراقي ، كل هذا والشعب العراقي خائف من ان يكون له موقف واضح يتسم بالحياد بعيدا عن التوجه الحكومي .

السياسة الحكومية في العراق تجاه سورية أخذت منحى بعيداً كل البعد عن واقع الدم والقتل وانتهاك الكرامة ، فأصطفّت إلى جانب الحكومة السورية في حالة غريبة جدا لم تراع فيها مصلحة الشعب السوري فضلا عن مصلحة العراق السياسية ، فنحن اليوم بحاجة الى الدعم الدولي والإقليمي وفي حالة اشد ما نكون فيها الى إظهار حسن نوايانا ووضوح طريقنا والاستفادة من تجربتنا الديمقراطية أمام العالم تلك التجربة التي تحمّل لأجل نجاحها الشعب العراقي الكثير من التضحيات ، خاصة وان سنن التأريخ تؤكد حتمية سقوط النظام في سورية إضافة إلى أن العالم بأسره وقف مع الشعب السوري إلا إيران التي لم تجد في قيادة المعارضة السورية من يضمن لها مصالحها في صراعها مع إسرائيل إضافة إلى أن الإيرانيين لا يعطون المواقف بالمجان فلكل شيء ثمنه ولابد أن تدفع أمريكا ودول المنطقة ثمن الموقف الإيراني وأيضا لديهم ما يبرر رفضهم الانضمام إلى التحالف الدولي المساند لثوار سوريا في الوقت الذي يرزح الشعب البحريني بكل ألم تحت نير الجبروت الخليجي الذي لا يريد لهذا الشعب المسكين أن يتنفس هواء الحرية ، ولا عبرة بمواقف الداعمين للموقف السوري من بقايا الدكتاتوريات فهم لا يمثلون شيئا في عالم اليوم الذي سيكتسح كل عفن الماضي .

المد السلفي وحقيقة حجمه

كثيرا ما نسمع تبريرات المساندين إلى سورية تلك التبريرات المبنية على الخوف من المد السلفي الذي يفترضون انه سيملأ فراغ غياب النظام البعثي في سورية ، وعلى هذا الافتراض يبنون أفكارهم ، وما ستؤول إليه الأمور في المنطقة وخطورة ذلك على الوضع الأمني في العراقي .

لا يمكننا تجاهل المد الإسلامي السلفي وخطورته على العراق ، والشعب العراقي له تجربة مريرة مع التنظيمات الإسلامية السنية التي تحالفت مع بقايا البعثيين ضد التجربة العراقية الديمقراطية ، خاصة، وقد نجحت تلك التنظيمات في الانتخابات المصرية والتونسية وقويّ صوتهم في ليبيا واليمن ونجاحهم في المغرب أيضا ، لكننا أيضا يجب أن لا ننكر أن المد الإسلامي السياسي الذي نجح في مصر وتونس والمغرب هو الإسلامي الوسطي ومنهم الأخوان المعروفون بالعقلانية والمرونة والبعيدين كل البعد عن التشدد الذي يتسم به الإسلامي التكفيري من السلفيين ذلك الذي يثير مخاوفنا في العراق ، مفارقة مهمة لم ينتبه إليها المثقفون العراقيون وكذلك السياسي منهم ، أن الوعي الذي جعلك أن تتخوف من السلفية لا يقتصر عليك فقط ، بل أن الكثير من الشعوب وصل إليها الوعي لخطورة السلفية قبلنا بزمن طويل ويجب أن نعترف أنّ الكثير من مواقفنا لم تتسم بالوعي ولا حتى الشعور بالمصلحة تجاه التعامل معهم سابقا ، الم نكن مساندين إلى ابن لادن وفعله الإجرامي في هجمات نيويورك ؟ الم نتعاطف معهم في حربهم الضروس مع الولايات المتحدة ؟ الم نحتفل بانتصاراتهم في القتل والترهيب في بالي وتنزانيا وكينيا ؟

لماذا لم يكن لدينا ما يكفي من الوعي لنرى حقيقة هذه السلفية التي صنفها الغرب على أنها العدو الحقيقي للعالم ؟ لماذا لم نرَ حقيقة إجرامهم ؟ وهل سيغفر لنا التأريخ هذه المواقف الجاهلة ؟

اليوم بعد ان وصلت نيرانهم إلى مساجدنا وحسينياتنا وأسواقنا عرفنا أنهم مجرمون ؟ أي وعي هذا الذي لا يصل إلى أدمغتنا إلا بأصوات القنابل ورائحة الدم ومنظر تطاير الأشلاء ؟

يجب أن نعرف أن الشعب في سورية شعب متدين ويميل إلى المرونة والعقلانية وبعيد كل البعد عن التطرف والتشدد ، وفي غالبيته مؤيد للأخوان ولا علاقة له بالسلفية التي تفتقر إلى الأجواء المناسبة لانتشارها في سورية والتي يشكل الجهل احد أهم أسباب انتشارها وكلنا يعلم المستوى التعليمي والثقافي للشعب السوري .... فلماذا الخوف أيها العراقي الواعي من زوال الظلم ؟ أم انك لا تريد أن ينعم غيرك بالحرية والديمقراطية التي دفعت ثمنها الغالي من دماء أبنائك ، وهل دماء السوريين قليل ثمنها آم أن الظلم البعثي في سورية اقل !؟ والبعث هو البعث والقتل هو القتل لا يختلفان ؟

الدعم المفترض وزرع العداء والمخاوف

كلنا يعلم مدى التعاطف الذي قرّب الشعوب العربية فيما بينها في أيام انتفاضات الربيع العربي ، إلى الدرجة التي صار بها التحرك الجماهيري المصري ضد نظام الرئيس حسني مبارك محط متابعة دقيقة تعطلت فيها الأعمال في كثير من البلدان العربية ومنها العراق الذي أصبح غالبية شعبه لا يفارق التلفزيون لكي لا تفوته رؤية تفاصيل التحرك في ساحة التحرير المصرية التي تبعد عن بغداد آلاف الكيلو مترات وهذا عينه حصل في متابعة الثورة اليمنية والتحرك الجماهيري في البحرين وفي ليبيا وغيرها من البلدان ، هذا التقارب الذي حصل كفيل بأن يجعل من تلك البلدان بعد نيل حريتنا كتلة متوافقة المواقف ومتقاربة الآراء قد تتطور لتكوين قطبية جديدة في الجامعة العربية وقد حصل شبيه ذلك في المغرب العربي وإذا ما انتقلت الحالة إلى الشرق الأوسط حتما ستثير مخاوف بعض البلدان العربية الأخرى ومنها المملكة السعودية والأردن ومملكة المغرب وبعض الممالك العربية في منطقة الخليج ، لذلك سعت البلدان التي ستتضرر من ذلك التقارب إلى إيجاد شروخ في جدار التقارب الشعبي العربي وتلاحمهم العاطفي الذي لم يحصل منذ أيام الثورة العربية في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي فكان مما فعلته العربية السعودية ومن يسير في فلكها أن صادرت جهود الثوار في اليمن وأبرمت صفقة مع الرئيس صالح لتقليل ضرر زواله والحيلولة دون تحقيق مطالب الشعب اليمني كاملة ، وأيضا حاولت أن تفرض صوتا إعلاميا غير حقيقي يصوّر الثورة في سورية على أنها ثورة إسلامية سلفية للضغط على إيران وتوفير مناخ عدائي من جهة العراق ضد الثوار في سورية فزجت ببعض الأسماء التافهة وهيأت لها إعلاما موجها يصورها وكأنها هي من تقوم بتوجيه الثوار في سورية لخلق حالة إرباك تفسد على العراقيين فرحتهم من قرب زوال نظام بعثي آخر يعتبر آخر معاقل البعثيين واهم داعم لهم ضد التغيير في العراق وقد أكلت الشعوب الطعم وساهمت الحكومات القليلة الخبرة في نجاح تلك المخططات الشيطانية واليوم نحن نرى عداءً واضحا للثورة في سورية رغم اعترافنا بظلم وبجبروت النظام البعثي ودوره الكبير في دعم الإرهاب في العراق وهذا ما حصل في البحرين حيث بنت الحكومات الخليجية جدارا من الشكوك لدى المواطن الخليجي ضد إخوانه في البحرين على أنهم أتباع ولاية الفقيه وأنهم روافض يريدون تحطيم المنظومة الخليجية وزرع الفتن (المجوسية ) فيها وبذلك أطبقت عليهم حصارا لا يمكن لهم الخروج منه وهو كفيل بمصادرة ثورتهم وإنهاء جذوة انتشارها في باقي دول الخليج بحسب ما يخططون له .

رياض البغدادي

مراجعة ملهم الملائكة

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW