العقوبات الأوروبية.. هل تردع بيلاروسيا عن استغلال المهاجرين؟
١٠ نوفمبر ٢٠٢١يعتزم الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة على بيلاروسيا في إطار الرد على الأزمة الحدودية مع بولندا، إذ يتهم المسؤولون الأوروبيون حكومة بيلاروسيا بدفع المهاجرين صوب حدود بلدان التكتل الأوروبي.
وعقب تصاعد الأزمة الحدودية بين بولندا وبيلاروسيا مؤخرا، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إنه "يتعين على السلطات في بيلاروسيا استيعاب أن ممارسة الضغوط على الاتحاد الأوروبي عن طريق استغلال المهاجرين لن يساعدها على تحقيق أهدافها". بيد أن هذا الأمر يثير تساؤلات حيال الإجراءات التي قد يُقدم الاتحاد الأوروبي على اتخاذها للرد على بيلاروسيا.
الرد الأوروبي " بطيء وغير حاسم"
تبنت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حتى هذه اللحظة "نهجا تدريجيا" لزيادة الضغوط على رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو وحكومته، لكن دون التسبب في أعمال فوضى قد ترتبك حياة عامة الشعب في هذا البلد. وقد اشتمل رد الاتحاد الأوروبي حتى الآن على فرض أربع حزم من العقوبات استهدفت 166 شخصا و15 كيانا على صلة بالنظام في بيلاروسيا، لكن مع تصاعد التوتر وعدم سير الأمور في طريق الحل، تعالت الأصوات التي تؤكد أن هذه الطريقة أثبتت عدم فعاليتها. وتقول جودي ديمبسي، الباحثة في مركز كارنيغي أوروبا للأبحاث، إن رد "الاتحاد الأوروبي بطيء وغير حازم".
وتضيف في مقابلة مع DW بأن "لوكاشينكو يستخدم، بدعم من (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين على الأرجح، قضية الهجرة لمعاقبة بروكسل على فرض عقوبات على نظامه. وتدرك موسكو ومينسك بأن قضية الهجرة هي إحدى أكبر نقاط ضعف الاتحاد الأوروبي".
إصرار أوروبي على نجاح نهجه مع بيلاروسيا!
في المقابل، شدد المتحدث باسم المفوضية الأوروبية بيتر ستانو للصحافيين على نجاح نهج الاتحاد الأوروبي ضد بيلاروسيا، متسائلا "لماذ يساورنا الاعتقاد بأن العقوبات مؤلمة؟" ويرد ستانو على تساؤله بالقول: "لأن نظام لوكاشينكو يبدأ في التصرف كزعيم عصابة ولأن العقوبات تلحق الضرر بهذا النظام، فهو لا يعرف كيف يتصرف سوى عن طريق استغلال (قضية المهاجرين)".
ويتهم الاتحاد الأوروبي بيلاروسيا بمحاولة زعزعة استقراره من خلال الدفع بالمهاجرين وتشجيعهم على عبور حدود بيلاروسيا صوب بولندا وليتوانيا في محاولة للرد على العقوبات الأوروبية.
فرض المزيد من العقوبات
ويبدو أن الاتحاد الأوروبي ماض قدما في نهج العقوبات ضد بيلاروسيا، إذ حثت فون دير لاين الدول الأعضاء في التكتل على "الموافقة النهائية" على فرض سلسلة من العقوبات تتم مناقشتها داخل أروقة المفوضية الأوروبية. وفي هذا السياق، قال دبلوماسي أوروبي، طلب عدم الإفصاح عن هويته، إن الحديث حاليا يدور حول "توسيع نطاق العقوبات الجديدة لتشمل الاتجار بالبشر". ومن شأن هذه الخطوة أن تعزز قوة الاتحاد الأوروبي في استهداف الأشخاص الذين يقومون بتسهيل طرق الهجرة التي يقول الاتحاد إن بيلاروسيا تستخدمها لنقل المهاجرين إلى الحدود الأوروبية.
وأضاف الدبلوماسي الأوروبي بأن حزمة العقوبات الجديدة قد تشمل أيضا فرض إجراءات ضد شركة خطوط الجوية البيلاروسية "بيلافيا" وأيضا الشركات التي تؤجرها طائرات.
وترجح مصادر دبلوماسية دعم سفراء الاتحاد الأوروبي بشكل أولى لمعايير العقوبات الجديدة خلال اجتماعهم اليوم الثلاثاء (10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021) ما يمهد الطريق أمام الموافقة النهائية من قبل وزراء خارجية الاتحاد يوم الإثنين المقبل.
ولا يتوقف الأمر عند خطوط بيلافيا، إذ يدرس الاتحاد الأوروبي أيضا اتخاذ إجراءات جديدة ضد شركات طيران يُعتقد أنها "نشطة في الاتجار بالبشر" أي متورطة في نقل المهاجرين إلى بيلاروسيا. وفي ذلك، أفاد دبلوماسي من بولندا بأن عدد الرحلات الجوية إلى بيلاروسيا قد تضاعف أكثر من 50 مرة أسبوعيا منذ بداية الأزمة الحدودية.
وفي مقابلة مع DW، أكد المتحدث باسم المفوضية الأوروبية بيتر ستانو أن المفوضية تراقب تنظيم الرحلات الجوية المتجهة إلى عاصمة بيلاروسيا مينسك من حوالي اثنتي عشرة دولة بما في ذلك إيران وسوريا وقطر والهند وجنوب إفريقيا وروسيا.
العمل مع دول عبور وانطلاق المهاجرين
كذلك يعتزم الاتحاد الأوروبي استعراض عضلاته الدبلوماسية في الأيام المقبلة للضغط على الدول التي يعتبرها دول انطلاق وعبور المهاجرين إلى بيلاروسيا. وفي هذا الصدد، سيتم إيفاد مسؤولي الشؤون الخارجية والهجرة في الاتحاد الأوروبي إلى هذه الدول، إذ شدد المتحدث باسم الاتحاد على أن "بروكسل تأمل في أن تضمن هذه الاجتماعات قيام هذه [الدول] بمنع مواطنيها من الوقوع في فخ بيلاروسيا".
يأتي ذلك بالتزامن مع الضغط الأوروبي على الحكومات الأجنبية لتنسيق عودة رعاياها بشكل أفضل وقد يشمل الأمر النظر في تعليق الرحلات الجوية إلى مينسك. ورغم ذلك، لا تتوقع جودي ديمبسي، الباحثة في مركز "كارنيغي أوروبا" اتخاذ تدابير سريعة وفعالة من قبل الاتحاد الأوروبي ضد بيلاروسيا، وتضيف بأنها لا تتوقع "أي قرارات سريعة".
بولندا ترفض المساعدة الأوروبية!
وفي إطار الرد الأوروبي على بيلاروسيا، تجدر الإشارة إلى أن التدابير القانونية للاتحاد الأوروبي محدودة. إذ يساوره الكثير من الإحباط عقب رفض بولندا تقديم طلب للاتحاد الأوروبي لمساعدتها في ضبط ومعالجة أزمة الحدود.
ففي الوقت الذي رفضت فيه بولندا الحصول على دعم من الاتحاد الأوروبي، قامت ليتوانيا المتاخمة لبيلاروسيا وبولندا بتقديم طلب المساعدة من وكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس" ووكالة الشرطة التابعة للاتحاد الأوروبي "يوروبول" والمكتب الأوروبي لدعم اللجوء.
وقد عزت جوانا هوزا، المسؤولة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ذلك إلى الخلاف بين بولندا والاتحاد الأوروبي حول قضية "سيادة القانون". وفي مقابلة مع DW قالت "لهذا السبب، تحاول بولندا إظهار أنه بإمكانها إدارة المشكلة بمفردها. لن يكون بالسهل على الحكومة البولندية طلب المساعدة من الاتحاد الأوروبي".
يشار إلى أن بولندا قد انخرطت في مواجهة مع الاتحاد الأوروبي حول استقلالية القضاء وسيادة قانون الاتحاد الأوروبي، إذ فرضت محكمة العدل الأوروبية غرامة قدرها مليون يورو (1.2 مليون دولار) يوميا على بولندا لجعل نظامها القضائي يتماشى مع معايير الاتحاد الأوروبي.
ورغم ذلك، ترى هوزا أنه في حالة تصاعد التوتر حيال أزمة اللاجئين على حدود بولندا، فإنه من المحتمل أن تدرك وارسو أنه يتعين عليها "طلب العون". وتضيف بأنه "سيتعين على الاتحاد الأوروبي إقناع بولندا بأن هذا الأمر لن يكون مرتبطا بالخلاف حول سيادة القانون. إذا كانت بولندا تريد التعاون مع الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، فيجب فصل القضيتين عن بعضهما".
من جانبه، شدد دبلوماسي بولندي على أن وارسو تتعاون مع وكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس" وتطلعها وتطلع الاتحاد الأوروبي على مستجدات الأزمة الحدودية، بيد أن الدبلوماسي أكد أن إدارة وضبط الحدود تقع "ضمن الاختصاص القانوني للحكومات وليست من اختصاص الاتحاد الأوروبي."
مخاوف من حدوث أزمة إنسانية
وبعيدا عن الصخب السياسي، أثارت أزمة اللاجئين على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا المخاوف من حدوث أزمة إنسانية خاصة بعد وفاة عدد من المهاجرين العالقين على الحدود. ولا يُسمح لمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام بدخول منطقة حددتها بولندا على طول حدودها مع بيلاروسيا بالتزامن مع رفض وارسو أيضا مساعي الاتحاد الأوروبي لإرسال وفد لتفقد الأوضاع على الأرض. وفي هذا الصدد، حذرت إيف غيدي، مديرة مكتب منظمة العفو الدولية في الاتحاد الأوروبي، من تفاقم الوضع عند الحدود، وقالت إن "الأمور تسير من سيء إلى أسوأ."
روزي بيرشارد / م.ع