الرئيس الأمريكي يهين أوروبا وأوكرانيا ويتودد إلى روسيا. ما هي الأهداف التي يمكن أن توجه السياسة الخارجية للولايات المتحدة مستقبلا؟
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يمطره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه جي دي فانس في المكتب البيضاوي بالاتهاماتصورة من: Andrew Harnik/Getty Images
إعلان
عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض منذ ستة أسابيع. ستة أسابيع حددت بالفعل بوضوح اتجاه السياسة الخارجية للسنوات الأربع المقبلة تقريبًا: في عهد ترامب تعمل الولايات المتحدة على تنشيط علاقاتها مع موسكو على حساب أوكرانيا التي تعرضت لهجوم روسي. وبدلًا من إشراك شركائها الأوروبيين في هذا التغيير في المسار، تؤكد الحكومة الأمريكية على الاختلافات في القيم المشتركة سابقًا. فقد قال ترامب الأربعاء: "لقد تم إنشاء الاتحاد الأوروبي لإفساد الولايات المتحدة". وفي يوم الجمعة المنصرم أثار هو ونائبه جي دي فانس خلافًا مع فولوديمير زيلينسكي أمام الرأي العام العالمي. وكان الرئيس الأوكراني قد جاء بالفعل إلى البيت الأبيض لإبرام اتفاقية مواد خام، وبدلاً من ذلك تعرض للإهانة من قبل ترامب وفانس.
هل سينهي ترامب النظام العالمي الغربي؟
يرى المؤرخ نوربرت فراي الذي يرأس مركز يينا لتاريخ القرن العشرين في جامعة يينا بوسط ألمانيا، أن هذا الأمر يمثل نهاية النظام العالمي الذي كان متوازناً بعد الحرب العالمية الثانية، كما أنه يمثل فاصلة تاريخية على غرار انهيار الاتحاد السوفيتي.
"الهدف واضح: ثلاثي عالمي يضم دونالد ترامب وشي جين بينغ وبوتين"، كما يقول فراي في محطة الإذاعة العامة دويتشلاندفونك. "ما يرفض ترامب الآن الاعتراف به هو أن الولايات المتحدة الأمريكية تقاتل كقوة عالمية متراجعة. وهم الآن يتخلصون من حليفهم الحقيقي الوحيد أي أوروبا. وأوروبا الآن بمفردها تمامًا".
وهذا سبب آخر للمشاورات الدبلوماسية الجارية حاليًا في أوروبا لإيجاد إجابات مشتركة، أولاً في لندن، ثم في قمة خاصة للاتحاد الأوروبي في بروكسل. ويقول ميخائيل أليكسييف، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية سان دييغو في كاليفورنيا، في الفترة التي تسبق المشاورات: "آمل أن يدركوا أننا نشهد تغيرًا واضحًا في اتجاه السياسة العالمية".
فشل الهجوم الدبلوماسي: رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في البيت الأبيض بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرونصورة من: Kevin Lamarque/REUTERS
"لم يكن النقاش في المكتب البيضاوي مجرد جدال بين زعيمين. لقد أشار إلى إعادة توجيه كبير للولايات المتحدة بعيدًا عن أوروبا. لم يعد بإمكاننا أن نعتبر الضمانات الأمنية الأمريكية أمرًا مفروغًا منه، ليس فقط بالنسبة لأوكرانيا، ولكن ربما أيضًا بالنسبة لحلف الناتو"، كما يقول ألكسييف في مقابلة مع DW.
"القطيعة الكاملة غير واضحة المعالم"
قبل عام تساءل ترامب الذي كان لا يزال في حملته الانتخابية آنذاك عن المساعدات العسكرية الأمريكية لأعضاء الناتو الذين كان إنفاقهم الدفاعي أقل من الهدف المشترك للحلف. وقال ترامب في فبراير 2024 خلال ظهوره في ولاية كارولينا الجنوبية إنه "سيشجع روسيا حتى على فعل ما تريده". وفي مكان آخر دعا الأوروبيين إلى استثمار 5% من ناتجهم الاقتصادي في الدفاع في المستقبل.
كما تشير لاورا فون دانييلس، رئيسة مجموعة الأبحاث الأمريكية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP) في برلين إلى حالة عدم اليقين الكبيرة في مجال الأمن. ومع ذلك تقول أيضًا في مقابلة مع DW إنه لا يمكن حاليًا إدراك حدوث قطيعة كاملة في العلاقات عبر الأطلسي.
"أعتقد أنه سيكون وضعًا صعبًا، وأنه مستعد أيضًا للإضرار بمصالح الاتحاد الأوروبي. سواء فيما يتعلق بالسياسة الأمنية أو السياسة الاقتصادية، على سبيل المثال مع الرسوم الجمركية العقابية. هذا كله صحيح. ولكن ليس من مصلحته أيضًا قطع جميع العلاقات مع أوروبا بين عشية وضحاها".
وتشير فون دانييلس إلى خطط ترامب في السياسة الاقتصادية، على سبيل المثال يضع أوروبا نصب عينيه باعتبارها أهم سوق مبيعات للغاز الطبيعي المسال. ولذلك من المرجح أن تزداد الضغوط الاقتصادية: "من المرجح أن يزداد الضغط الاقتصادي: "من المقرر فرض رسوم جمركية على الصلب والألومنيوم في 12 مارس"، كما تقول فون دانييلس. وفي الربيع والصيف، يجب أن تتوقع أوروبا المزيد من التعريفات الجمركية على السيارات، على سبيل المثال.
ويريد ترامب استخدام هذه الإجراءات لمعادلة الميزان التجاري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. فحسب البيانات الأمريكية، اشترت الولايات المتحدة ما يعادل تريليون يورو تقريبًا من السلع والخدمات من أوروبا في عام 2024 أكثر من العكس.
وبشكل عام فإن العلاقة الحالية عبر الأطلسي مفيدة بالتأكيد لترامب، كما تقول الخبيرة فون دانييلس: "السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان سيستمر في تعريفها على أنها تحالف للقيم الغربية".
غابرييل: ترامب يريد إضعاف أوروبا
من وجهة نظر السياسي السابق في الحزب الاشتراكي الديمقراطي زيغمار غابرييل، وزير الخارجية الاتحادي حتى عام 2018 ورئيس الجمعية الألمانية الأمريكية "أتلانتكبروكه"، فإن الحكومة الأمريكية لم تعد ترى أوروبا كحليف لها.
أوكرانيا تقاوم الهجمات الروسية منذ ثلاث سنواتصورة من: STATE EMERGENCY SERVICE OF UKRAINE via REUTERS
وتنقل صحيفة "أوغسبورغر ألغماينه" الصادرة في جنوب شرق ألمانيا عن غابرييل قوله إن ترامب "لا يستطيع أن يفعل أي شيء مع أوروبا، لأن نظرته للعالم هي إلى حد كبير عكس فكرتنا الأوروبية عن التعاون الدولي. أنا متأكد من أنه يريد إضعاف أوروبا أو حتى تدميرها، لأننا رائعون جدًا عندما نكون متحدين معًا. وهذا يزعجه".
وفي ضوء المحادثات المزمع عقدها بين ترامب وبوتين بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، استذكر غابرييل مؤتمر يالطا الذي قررت فيه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وبريطانيا العظمى تقسيم ألمانيا قبل نهاية الحرب في عام 1945 بفترة وجيزة.
إعلان
"الفتيان الأقوياء في السياسة العالمية"
قال غابرييل: "ترامب لديه نوع من "يالطا 2.0" في ذهنه، حيث يقوم "الأولاد الأقوياء" في السياسة العالمية بتحديد مناطق نفوذهم وعلى الصغار أن يروا أين سيبقون".
وتقول الخبيرة لاورا فون دانييلس من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية إنه ليس من الواضح بالنسبة لها ما هو هدف ترامب. لكن الوضع يوم الجمعة أوضح أن أوكرانيا عقبة في طريق المفاوضات المباشرة مع بوتين". وتقول أيضًا إن الاضطراب في المكتب البيضاوي يحمل "سمات ما نعرفه عن رؤساء الدول الاستبدادية".
وفي الوقت نفسه نشر معهد واشنطن لدراسات الحرب تحليلاً يفيد بأن وقف الدعم الأمريكي المحتمل لكييف سيزيد من "احتمال انتصار روسيا" في أوكرانيا. وهذا يمكن أن يعزز هدف بوتين الاستراتيجي المتمثل في المطالبة بمزيد من السيطرة على الجمهوريات السوفيتية السابقة الأخرى، بما في ذلك إستونيا ولاتفيا وليتوانيا الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. ومن ناحية أخرى، ستفقد الولايات المتحدة الأمريكية نفوذها في العالم.
حرب أوكرانيا ـ 3 سنوات من الدمار والقتل والتشريد.. والنتيجة؟
مرّت ثلاث سنوات منذ شنّت روسيا هجومها الشامل على أوكرانيا، مما أسفر عن مقتل الآلاف وتشريد ملايين الأشخاص، بالإضافة إلى دمار واسع النطاق. واليوم، يساور الأوكرانيين القلق بشأن كيفية نهاية هذه الحرب.
صورة من: Serhii Chuzavkov/Avalon/Photoshot/picture alliance
تهديد متزايد
في أواخر 2021، أظهرت صور الأقمار الصناعية تجمع القوات الروسية والأسلحة الثقيلة بالقرب من بلدة يلنيا على حدود بيلاروسيا. وفي 11 نوفمبر من نفس العام، حذر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، الرئيس الروسي بوتن من غزو أوكرانيا. لكن رغم هذا التحذير، قرر بوتن في 24 فبراير 2022 شن غزو واسع النطاق لأوكرانيا
صورة من: Maxar Technologies/AFP
بداية الحربـ هجوم شامل
في 24 فبراير، سقطت صواريخ على عدد من المدن الأوكرانية، مثل كييف وأوديسا وخاركوف. في كييف، أُضرمت النيران في مبنى عسكري أثناء الهجمات. وبدأت الحرب التي أصرت موسكو على تسميتها "عملية خاصة"
صورة من: Efrem Lukatsky/AP Photo/picture alliance
العنف في بوتشا
في غضون أسابيع، تمكّن الأوكرانيون من طرد القوات الروسية من المدن الشمالية. وبعد ذلك، ظهرت جرائم الحرب إلى العلن، وانتشرت صور لمدنيين تعرضوا للتعذيب والقتل في بوتشا، قرب كييف. وأعلنت السلطات أن أكثر من 1100 مدني قُتلوا في المنطقة. وأظهرت تحقيقات استقضائية أن العنف كان ممنهجا ومخططاً.
صورة من: Serhii Nuzhnenko/AP Photo/picture alliance
الحياة وسط الدمار
وفقًا لموسكو، كان من المفترض أن تستمر "العملية الخاصة" في أوكرانيا لمدة ثلاثة أيام فقط. لكن بعد ثلاث سنوات، لا تزال الحرب مستمرة. وتشير أحدث التقارير الصادرة عن معهد دراسات الحرب إلى أن روسيا تسيطر حاليًا على حوالي 20% من الأراضي الأوكرانية، معظمها في الشرق. تم التقاط هذه الصورة في دونيتسك، شرق أوكرانيا، في مايو/أيار 2023.
صورة من: Sofiia Gatilova/REUTERS
ضم مناطق أوكرانية إلى روسيا
في سبتمبر/أيلول 2022، ضمت روسيا أربع مناطق أوكرانية — لوغانسك، ودونيتسك، وزابوروجيا، وخيرسون — بمساحة تقدر بحوالي 90,000 كيلومتر مربع. وبعد عام، إجراء انتخابات في هذه المناطق في تصويت وصف بـ "الانتهاك الصارخ للقانون الدولي". فاز حزب روسيا الموحدة بقيادة بوتين في جميع المناطق بأكثر من 70% من الأصوات.
صورة من: Alexander Ermochenko/REUTERS
فرار الملايين من الحرب
أجبرت الحرب في أوكرانيا الملايين على الفرار، مما أدى إلى موجة هجرة كبيرة لم تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وفقًا للأمم المتحدة، نزح 3.7 مليون شخص داخل أوكرانيا بسبب القتال. وغادر البلاد أكثر من 6 ملايين شخص أوكرانيا وتوجهوا إلى أوروبا، خاصة إلى بولندا وألمانيا.
صورة من: Filip Singer/EPA-EFE
ماريوبول، مدينة المقاومة الأوكرانية
في عام 2022، استمر حصار روسيا لمدينة ماريوبول الجنوبية لمدة 82 يومًا. تعرضت المدينة لقصف كثيف وتحصن آخر المقاتلين الأوكرانيين في مصنع للصلب. وبعد أن قصفت روسيا مستشفى، انتشرت صورة لامرأة حامل يتم إجلاؤها حول العالم. التقط صحفيون أوكرانيون الصورة، وفازوا لاحقًا بجائزة الأوسكار عن فيلمهم الوثائقي "20 يومًا في ماريوبول".
صورة من: Evgeniy Maloletka/AP/dpa/picture alliance
قصف طريق الاتصال الوحيد بشبه جزيرة القرم.
يُعد جسر القرم، الذي يمتد بطول 19 كيلومترًا (حوالي 12 ميلًا)، الأطول في أوروبا، ويربط جنوب روسيا بشبه جزيرة القرم. في أكتوبر\تشرين الأول 2022، تعرض الجسر لأضرار نتيجة قنبلة زرعها الأوكرانيون، مما جعله قابلاً للاستخدام جزئيًا. وفي يوليو/تموز2023، تعرض الجسر لأضرار أخرى بسبب القوات الأوكرانية.
صورة من: Alyona Popova/TASS/dpa/picture alliance
كارثة بيئية
في 6 يونيو/حزيران 2023، أدى انفجار إلى تدمير سد كاخوفكا وتفريغ نهر دنيبرو. وبينما تبادلت أوكرانيا وروسيا الاتهامات بشأن المسؤولية عن الحادث، كانت روسيا تسيطر على السد في ذلك الوقت. أسفر الفيضان الناتج عن الانفجار عن كارثة بيئية واسعة النطاق، دمرت آلاف المنازل وأدت إلى سقوط مئات القتلى.
صورة من: Libkos/AP Photo/picture alliance
استهداف البنية التحتية للطاقة
استهدفت روسيا بشكل منهجي البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا. بعد عام من الغزو، دُمرت 76% من محطات الطاقة الحرارية، وبحلول سبتمبر/أيلول 2024، ارتفع هذا الرقم إلى 95%. أدى ذلك إلى إضعاف شبكة الكهرباء في أوكرانيا، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي وتفاقم الوضع الإنساني، خصوصًا خلال فصل الشتاء.
صورة من: Sergey Bobok/AFP
أوكرانيا تهاجم الأراضي الروسية
في أغسطس/آب 2024، شنت القوات المسلحة الأوكرانية هجومًا على الأراضي الروسية لأول مرة. وفي مواجهة مقاومة ضئيلة على الحدود، تمكنت في البداية من السيطرة على نحو 1400 كيلومتر مربع (حوالي 540 ميلاً مربعاً) في منطقة كورسك. لكنها فقدت منذ ذلك الحين ثلثي الأراضي التي كانت قد احتلتها
صورة من: Roman Pilipey/AFP/Getty Images
حرب الدرون
تستخدم كل من روسيا وأوكرانيا الطائرات بدون طيار للاستطلاع والمراقبة، وكذلك لشن هجمات مستهدفة. ويقول الخبراء إن هناك حوالي 100 نوع مختلف من الطائرات بدون طيار قيد الاستخدام في أوكرانيا. وفي مارس/أذار 2024، قالت أوكرانيا إنها قادرة على تصنيع ما يصل إلى 4 ملايين طائرة بدون طيار سنويًا.
صورة من: Serhii Nuzhnenko/Radio Free Europe/Radio Liberty/REUTERS
تدمير هائل
خلفت ثلاث سنوات من الحرب آثارًا عميقة في أوكرانيا. في الشرق والجنوب، تحولت العديد من البلدات والقرى، التي دمرتها الهجمات الروسية، إلى مدن مهجورة. بلدة بوغوروديتشني في منطقة دونيتسك، التي تعرضت لهجوم مكثف من روسيا في يونيو/حزيران 2022، أصبحت الآن شبه خالية.
صورة من: Mykhaylo Palinchak/SOPA Images/ZUMA Press Wire/picture alliance
الحياة بعيدًا عن القتال
رغم استمرار الحرب، لا تقتصر كافة مناطق أوكرانيا على خط المواجهة، حيث تدور المعارك المباشرة. بعيدًا عن هذه المناطق، تستمر الحياة بشكل طبيعي. المحلات والمقاهي والمطاعم تواصل عملها، فيما يستعد السكان لانقطاع التيار الكهربائي بتركيب مولدات كهربائية.
صورة من: YURIY DYACHYSHYN/AFP
مستقبل مجهول للدعم الأمريكا
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحدث عن رغبته في إنهاء الحرب في أوكرانيا خلال "24 ساعة"، لكنه لم يحقق ذلك بعد. ومع ذلك، تثير علاقته الظاهرة مع روسيا ورغبته في الضغط على أوكرانيا للتنازل عن ثرواتها المعدنية لصالح الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تبادل التصريحات القوية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، القلق في أوكرانيا وبين حلفائها.