العملاق الصيني والانحناء أمام شباب "ثورة المظلات"
٣٠ سبتمبر ٢٠١٤ تتواصل الاحتجاجات التي تجتاح قلب مدينة هونغ كونغ بشكل متصاعد ويرى مراقبون أنها تشكل التحدي الأكبر لسلطات بكين منذ استعادتها للمدينة عام 1997من بريطانيا. واستمر المتظاهرون المطالبون بالديمقراطية يحشدون أعداداً كبيرة في هونغ كونغ الثلاثاء (30 أيلول/ سبتمبر 2014) عشية العيد الوطني الصيني متجاهلين الدعوات المتكررة لرئيس الحكومة بالعودة إلى منازلهم.
ووصل آلاف منهم مع حلول الظلام إلى سنترال وادميرالتي، الرئة المالية للمدينة، قرب مقر الحكومة وذلك قبل يومي عطلة إحياء لنصر الشيوعيين على الوطنيين وإعلان جمهورية الصين الشعبية في 1949.
وحصلت الحركة الاحتجاجية على تأييد دولي، من لندن التي دعت إلى فتح مفاوضات "بناءة" في هونغ كونغ، فيما دعت واشنطن التي تخوض حرباً تجارية وسياسية ودبلوماسية مع بكين في آسيا، السلطات والمتظاهرين إلى ضبط النفس. وقد ردت بكين بالتحذير مما اعتبرته "تدخلاً في الشؤون الداخلية".
يوشا الشاب المزعج لسلطات بكين
هذا التظاهرات أُطلق عليها مستخدمو الشبكات الاجتماعية "ثورة المظلات"، وتعد حركة "اكوباي سنترال" إحدى أبرز المجموعات ضمن الحركة الاحتجاجية التي تتصدرها مطالب إحلال الديمقراطية واعتماد الانتخاب الحر المباشر للحكومة المحلية في الانتخابات المقبلة عام 2017 بالإضافة إلى الدعوة لاستقالة رئيس الحكومة لونغ شون ينغ. وتستقطب الحركة الاحتجاجية فئات شبابية من طلاب وتلاميذ، وتقودها وجوه شابة، ومن أبرزها يوشا وونغ ذو الـ 17 عاماً.
ويرى محللون في هيمنة الشبان اليافعين على الحركة أحد المعطيات التي تضاعف من خطورة الحركة على النظام، وتجعل مهمة السيطرة عليها صعبة للغاية. وقد كتب موقع مجلة "دير شبيغل" الألمانية عنه بأن "سيرته مثيرة للإعجاب وأنه يمثل قدوة لجليه من اليافعين، وكان قد أسس في مسقط رأسه هونغ كونغ عام 2011 حركة أُطلق عليها "النزعة المدرسية" وتهدف لإصلاح نظام المدارس واستبعاد الدعاية الصينية من برامجها. وانضم إليها زهاء 120 ألف بين تلاميذ وأوليائهم ومدرسين. ويعتبر يوشا من أبرز قادة الحركة الاحتجاجية التي استطاعت في الأيام الأخيرة تحريك الآلاف في شوارع هونغ كونغ.
ومنذ استلامه السلطة، أوقف الحزب الشيوعي أعداداً كبيرة من الناشطين والصحافيين والأكاديميين والمحامين وغيرهم ممن يعتبرهم يشكلون خطراً على حكمه، الأمر الذي اعتبرته منظمات حقوقية من بين أقسى الحملات خلال عقود من الزمن. وأبلغت السلطات الصينية مواقع الإنترنت الاثنين بضرورة إزالة أي معلومات تتعلق باحتجاجات هونغ كوتغ "على الفور"، وفقاً لما أعلنه الموقع الأميركي تشاينا ديجيتال تايمز الذي يراقب الدعاية الصينية.
ومع ذلك تضع الاحتجاجات الصين في موقف صعب. وقال الناشط الصيني البارز والفنان اي واي واي لقناة سي أن أن الاثنين إن "ما يحدث هناك لا يتعلق بمستقبل هونغ كونغ فقط، إنما يعكس مستقبل الصين أيضاً"، مشيراً إلى "لحظة حرجة".
التحدي الأكبر لبكين
وأعلنت الصين التي لا يعتقد المراقبون أنها ستلين موقفها وبلا مفاجأة، أنها تدعم بالكامل رئيس حكومة هونغ كونغ في إدارة أزمة التظاهرات "غير المشروعة" في المستعمرة البريطانية السابقة. وقد شدد الرئيس الصيني شي جين بينغ الضغط على التمرد في هونغ كونغ منذ نحو عامين وهو يسعى بكل الوسائل إلى التوقي من العدوى الديمقراطية. وكتبت صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحية الثلاثاء "من الصعب عدم الخشية من حدوث تكرار للقمع الدامي قبل 25 عاماً لتظاهرات تيان انمان".
لكن مايكل كوغلمان المتخصص في آسيا في المركز الدولي للباحثين وودرو ويلسون، يرى أن هذا أمر غير وارد. ويضيف بالقول إن الصين تطمح إلى أن "تكون لاعباً مسؤولاً على المستوى الدولي وهذا ما لم تكن الحال عليه في 1989".
كما أن اتساع استخدام نشطاء الاحتجاجات لمواقع التواصل الاجتماعي، أعطى لتحركاتهم زخماً كبيراً، يجعل أيدي السلطات الصينية مكبلة في محاولاتها السيطرة عليها أو التعتيم عليها على غرار تجاربها السابقة إبان الاحتجاجات الديمقراطية التي شهدتها البلاد سنة 1989.
ومن المنتظر أن يشكل هذا الملف موضوعاً أساسياً لاجتماع موسع للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني من 20 إلى 23 تشرين الأول/ أكتوبر ويتمحور حول "سلطة القانون". وحسب وكالة الأنباء الصينية فإن الاجتماع سيرأسه تشي جين بينغ الامين العام للحزب ورئيس الجمهورية. ويعقد الاجتماع فيما يتعرض الحزب الشيوعي الصيني الذي يواجه احتجاجات حادة تطالب بالديمقراطية في هونغ كونغ، لحملة واسعة لمكافحة الفساد أطلقها تشي جين بينغ بعد المؤتمر، وسقط خلالها عدد من كبار مسؤولي النظام، منهم زهو يونغكانغ المسؤول السابق الواسع النفوذ عن الأجهزة الأمنية من 2002 حتى 2012.
ويذكر أن تان زهو يونغكانع هو أول مسؤول سابق في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني - "قدس أقداس" السلطة الصينية- يخضع للتحقيق بتهمة الفساد، وقد أُعلن التدبير هذا الصيف. ويقول الخبراء إن الاجتماع الموسع سيناقش حصيلة هذه الحملة التي شملت عشرات آلاف الأعضاء في الحزب الشيوعي الصيني على مختلف المستويات والتصديق على الإقالات الرفيعة المستوى.
هل بات مركز هونغ كونغ المالي مهدداً؟
وعلى المستوى الاقتصادي، أدت الاحتجاجات إلى تداعيات سريعة، بحكم الموقع الاقتصادي للميز للجيرة باعتبارها قاعدة مالية عالمية، وبالإضافة إلى تراجع مؤشرات الأسهم في بورصة هونغ كونغ لليوم الرابع، فقد هبط مؤشر "هانغ سينغ" بمعدل 1.3 في المائة كما انخفض سهم"الصين لمواد الطاقة" بنسبة 4.3 في المائة في أدنى تراجع لها وبعدها سهم "الصين للموبايل" ثم "يونيكوم الصين" بنسبة 2.9 في المائة. وقررت شركة لوريال أكبر الشركات العالمية في مجال مواد التجميل، تعليق رحلات الأعمال التي يقوم بها المتعاونون معها إلى هونغ كونغ حتى 6 تشرين الأول/ أكتوبر بسبب الأوضاع.
ويحذر محللون من محاولة تفريق المتظاهرين بالقوة لأنها ستؤدي إلى إلحاق ضرر فادح بصورة هونغ كونغ كمركز مالي مهم في آسيا. وقد بنت المدينة موقعها كأحد أبرز مراكز الرأسمالية في العالم نظراً للشفافية وسهولة القيام بأعمال تجارية وحكم القانون.
وفي حين يشكل اقتصادها جزءا بسيطاً مقارنة بحجم الاقتصاد الصيني، خلافاً لما كانت عليه أثناء إعادتها للصين عام 1997، إلا أن المدينة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي ما تزال الوجهة المفضلة للعديد من رجال الأعمال. وتابع كوغلمان في هذا السياق "ما تزال السلطات في بكين تفكر بشكل استراتيجي بهونغ كونغ كونها ما تزال مركزاً مالياً مهماً وبالتالي من المستبعد أن تعتبرها الصين أمراً يمكن إقصاؤه جانبا". من ناحيتهم، يطالب رجال الأعمال بشكل متكرر بالحوار لأنهاء المأزق.
م.س/ ع.غ ( وكالات، DW)