العنصرية في ملاعب كرة القدم الأوروبية
٩ مارس ٢٠١٣ يعتقد السويسري سيب بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) أن التخلص بشكل نهائي من العنصرية في كرة القدم يعد أمراً مستحيلاً، فالمشكلة لها جذور اجتماعية في الأساس. وكان كيفن برينس بواتينغ المنحدر من غانا قد غادر مع فريقه ميلانو الملعب أثناء مباراة ودية في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي أمام فريق برو باتريا، وهو فريق الدرجة الرابعة، بعد قيام الجماهير بمحاكاة أصوات القردة وتوجيه إهانات للاعبين من أصحاب البشرة السمراء.
وأثار الحدث اهتمام الاتحاد الإيطالي لكرة القدم الذي قال رئيسه جان كارلو أبيتي: "واضح أن الملعب تحول للأسف في حاضرنا إلى منصة كبيرة لاستعراض سلوكيات معوجة وإطلاق رسائل سلبية. الكثيرون يرتادون الملعب ليس لأنهم مشجعون، بل لأنهم يعتبرونه كمكبر صوت لتصرفات عنصرية غير مقبولة".
اعتراف متأخر
هذا التصريح لا يعكس حقيقة جديدة، بل اعترافاً متأخراً فقط بما هو عليه الواقع. وهذا ما يؤكده ماورو فاليري، الخبير في علم الاجتماع، الذي يقول: "في إيطاليا كان اتحاد كرة القدم يردد قبل سنوات بأنه لا وجود للعنصرية في الملاعب، معلناً أن الأمر يرتبط فقط ببعض الحالات المتفرقة. لكنني عبرت عن احتجاجي وقلت بأن المشكلة منتشرة بشكل أوسع".
ماورو فاليري يعمل منذ 13 عاماً على دراسة مضمون الأحكام الصادرة عن اللجنة التأديبية لاتحاد كرة القدم الإيطالية بالإضافة إلى البيانات الصحفية لتقييم حجم التجاوزات العنصرية داخل الملاعب ويصدر إحصائيات كشفت عن وجود مستوى ثابت لحوادث عنصرية في كرة القدم الإيطالية.
العنصرية في ملاعب كرة القدم "مشكلة اجتماعية"
وقال سيب بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم إن "العنصرية والتمييز موجودان في كرة القدم، لكنهما لا ينبعان من كرة القدم. إنهما نتاج مجتمعنا. المسألة تتعلق بمستوى التعليم والتآخي بين البشر". واعترف بلاتر أن تراجع مستوى التعليم يعني أن القضاء على آفة العنصرية في ملاعب كرة القدم يواجه مشكلات. وأضاف رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم بالقول: "كي أكون منصفاً لا يمكنك تعليم الجميع. من السهل جداً أن أقول إن كرة القدم هي الانضباط والاحترام واللعب النظيف. هذا أمر يسهل قوله لكن يصعب تطبيقه".
وساند بلاتر اتخاذ خطوات صارمة ضد العنصرية في كرة القدم، مشيراً إلى أن العقوبات قد تتضمن خصم نقاط أو الهبوط. وكتب بلاتر عبر حسابه الشخصي على شبكة التواصل الاجتماعي "تويتر" أن العقوبات المالية ليست كافية لمكافحة العنصرية. وأضاف بالقول: "خصم النقاط والهبوط وفرض العقوبات المالية ليست مؤثرة، وإن إقامة المباريات بدون جمهور ليس حلاً جيداً".
وأعلنت حكومتا صربيا وكرواتيا في الـ26 من فبراير/ شباط الماضي أن ميشيل بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم وجه رسالة تحذيرية للدولتين قبل لقاءاتهما ضمن التصفيات الأوروبية المؤهلة لبطولة كأس العالم 2014 في البرازيل، وطالبهما بحل مشاكلهما المستمرة مع العنف المتعلق بكرة القدم.
وفي رسالتين متماثلتين إلى رئيسي الوزراء الصربي والكرواتي، ايفيكا داسيتش وزوران ميلانوفيتش، أكد رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم أن مستقبل البلدين الكروي "يعتمد إلى حد كبير" على القضاء على الشغب الجماهيري. وأوضح بلاتيني أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم قلق أيضاً من مستوى العنف غير المقبول في مباريات كرة القدم التي تضم فرقاً من صربيا، مشيراً إلى أنه يتوقع أن يقوم السياسيون "بالتعامل مع هذه المسألة بالغة الحساسية بأعلى درجات الاهتمام".
وتلتقي صربيا وكرواتيا، اللتان تشتهران بتاريخ طويل مع أعمال العنف المرتبطة بالتظاهرات الرياضية في 22 آذار/ مارس المقبل بزغرب ضمن تصفيات كأس العالم.
المطالبة بإجراءات ردع قوية
وتعرض مسؤولو كرة القدم لانتقادات لاذعة لعدم التعامل بشكل فعال مع العنصرية، وتعرض بلاتر نفسه للهجوم لتعليقه الصادر منه في أعقاب قرار كيفين برنس بواتينغ بالانسحاب من المباراة الودية لفريقه ميلان الإيطالي بسبب استهدافه عنصرياً. وكان بلاتر قد قال إنه لا يشعر بأن الحل أن يفر اللاعبون من الإساءة العنصرية، ولكنه أشاد في وقت لاحق ببواتينغ، غير أنه قال إن خروجه من الملعب لا يمكن أن يكون حلاً على المدى البعيد.
من جانبه يشير خبير علم الاجتماع ماورو فاليري إلى أن حوادث التمييز والهتافات العنصرية داخل الملاعب الإيطالية والأوروبية كانت موجودة حتى قبل التحاق لاعبين سمر البشرة بالفرق المحترفة، إذ أن الأرضية لتلك الأعمال كانت توفرها الجماعات المتعاطفة مع المد اليميني المتطرف التي لا توفر جهداً في التأثير على باقي الجمهور من خلال الهتافات والشعارات المعادية للاعبين ذوي البشرة السمراء.
وعلى هذا الأساس تشكلت أيضاً مجموعات مشجعين معارضة لما يردده المشجعون من اليمين المتطرف من هتافات داخل الملاعب. ولدعم هذا التطور يدعو الكثير من المراقبين لهذه الظاهرة إلى تقديم المساندة للمشجعين الذين يواجهون أشكال العنصرية والتمييز وسط صفوف جماهير الملاعب، وتوطيد تربية معاداة العنصرية داخل نوادي كرة القدم الأوروبية، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن هذه الإجراءات تحتاج إلى وقت طويل لتأتي بالثمار المنشودة.