1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

العنف ضد النساء في الأردن.. "عالمٌ من الصمت"

٢٥ نوفمبر ٢٠١٦

تنحو النساء لعدم التحدث عن العنف الذي يلمّ بهن إن لم تكن الحالة مستعصية، من هنا لا تزال الأمم المتحدة تعتبر المعنفات "عالماً من الصمت".. حالات في الأردن تعكس هذا الواقع المرير.

Jordanien Screenshot Kampagne gegen Gewalt an Frauen

تجلس آمال وحيدة في المنزل بعد خروج أطفالها إلى المدرسة، تتحسس أثر ضربات ألمّت بها بعد "نقاش حادّ" مع زوجها قبل يومين. كتفها الأيمن لا يزال ضعيفاً وبدأت بعض العلامات على يديها بالتحوّل لبقع زرقاء.

"النقاش ما كان ليتطور للضرب لولا أني سألته.. كان عليّ ألا أفعل فهو متعب من العمل"، قالت آمال لـ DW ذلك وهي تشكر ربّها على أنها "ضُرِبت دون أن تتأذى" كما حصل لجارة لها كسر زوجها أحد أضلعها قبل سنوات.

آمال، والاسم مستعار بطلب من صاحبته، تحيا مع زوجها منذ أكثر من  10 سنوات ولديها منه 3 أبناء، والضرب إحدى صيغ تعامله معها منذ فترة الزواج الأولى كما أنه في كثير من الأحيان لغته في التعامل مع الأطفال، إلا أنها تصرّ على التأكيد أنه "ليس سيئاً وطيب القلب" كلما حاول أحد انتقاده.

السيدة آمال ليست وحيدة بكل الأحوال، كما أن حالتها ما هي إلا حالة بسيطة مقارنة بحوادث هزّت المجتمع الأردني في الشهرين الأخيرين لعلّ أبشعها قتل ابن لوالدته بقطع رأسها وفقء عينيها مع بداية نوفمبر/ تشرين ثاني الجاري.

الحادثة الأخيرة أحدثت نوعاً من التحرك في المجتمع، وغطّاها الإعلام بشكل كبير، كما تفاعل معها المجتمع الأردني متعاطفاً مع السيدة، رغم أن التعاطف بالعادة لا تجده النساء.

وتنحو النساء لعدم التحدث عن العنف الذي يلمّ بهن إن لم تكن الحالة مستعصية، الأمر الذي تحدثت عنه لـ DW رئيسة الجمعية الأردنية لعلم الاجتماع الدكتورة عبلة وشاح باعتباره جزء من العنف الثقافي في المجتمع ضد المرأة.

"الرجل تتم تربيته منذ الطفولة بتمايز مع شقيقاته، ما يعود للذكورية في المجتمع، كما تربّيه والدته على أنه صاحب كلمة ومسؤول ما يجعله لاحقاً يتصرّف مع شقيقته وزوجته وأحياناً أمه ذاتها على ذات الأساس"، تقول الدكتورة وشاح.

 

حوادث متسارعة..

قبيل حادثة قتل الشاب لوالدته بأيام، كان "معهد تضامن النساء الأردني"، وهو جمعية غير ربحية تعنى بحقوق المرأة وتمكينها، قد أصدر بياناً صريحاً استنكر فيه على الإعلام المحلي عدم التناول الجاد لأربعة جرائم حصلت في أسبوع واحد بحق نساء أردنيات، إحداهن  زوجة ثلاثينية وأم لطفلين تعرضت للاعتداء من قبل زوجها ضرباً ورفساً بالأقدام مما سبب لها نزيف داخلي نقلت إثره إلى المستشفى إلا أنها فارقت الحياة.

خلال ثلاثة أيام لاحقة حصلت ثلاث جرائم كانت ضحاياها من النساء، إذ قتلت سيدة ثلاثينية وهي أم لثلاثة أطفال خنقاً في منزلها واكتشفت الشرطة  وجود آثار كدمات وضرب على جسدها، ثم تناقل الإعلام أن منفذ الجريمة هو طليقها. في اليوم التالي، قتل شقيق شقيقته مطلقاً أربعة رصاصات على رأسها وهي نائمة، بسبب حيازتها لهاتف خلوي ورؤيتها تتحدث به، وأفاد الجاني بأنه أرتكب جريمته “تطهيراً لشرف العائلة”. في اليوم اللاحق مباشرة،  أقدم شاب عشريني على قتل شقيقته العشرينية طعناً باستخدام سكين في الشارع العام.

كل الجرائم المذكورة، حدثت في الأردن خلال أقل من شهر، ما جعل عنوان الحملة السنوية لوقف العنف المبني على النوع الاجتماعي في الأردن تحمل عنوان "أوقفوا جرائم قتل النساء والفتيات"، والتي تبدأ الجمعة "25 تشرين ثاني/نوفمبر" وتستمر لـ 16 يوماً.

وأطلقت الحملة اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة وشبكة مناهضة العنف ضد المرأة "شمعة"، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، في مؤتمر صحفي حصلت DW على محضر فعالياته.

وتتزامن الحملة التي حملت وسم 16DaysJo# مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، والذي بدأ العالم بالاحتفال به منذ عام 1999.

وتقوم منظمات المجتمع المدني في الأردن بمجوعة أنشطة متزامنة من بينها نشر الملصقات التوعوية وإضاءة الأماكن الأثرية باللون البرتقالي الذي يرمز  لمناهضة العنف ضد المرأة.

 

ما قبل القتل.. عنفٌ خفي..

ولا يوجد أي احصاءات عن أرقام المعنفات في المنازل، تبعاً لقرار الأخيرات التزام الصمت في أغلب الأحيان، الأمر الذي لا يعود للثقافة وحسب، بل يتعدى ذلك لاشكالات قانونية واجرائية تتعرض لها المرأة في حال قررت اللجوء للسلطات في الدولة. إذ تشكو النساء المعنفات من عدم وجود ملجأ حقيقي لهن، وأن دور الرعاية التي توفّرها الدولة، لا تتم المتابعة معهن بعد دخولها، الأمر الذي يجعل معظم المعنفات تتعرضن لعنفٍ مضاعف بمجرد توقيع "المعتدي" إقراراً بعدم تكرار الاعتداء.

وتجلس الثلاثينية مها حبيسة منزلها منذ عادت من دار الرعاية، إذ منعها شقيقها حتى من ارتياد عملها، باعتبار الذهاب للعمل هو ما وفّر لها فرصة لتقديم شكوى ضد عنفه معها.

وتقول صديقة مها، أن شقيق السيدة الثلاثينية يصغرها بأربعة أعوام الأمر الذي لم يمنعه من الاعتداء عليها بالضرب، والسيطرة على دخلها والتحكم بها، مشيرة إلى أنه يمنعها حتى من استقبال صديقاتها في المنزل.

وتطالب المنظمات النسوية التي وحّدت جهودها هذه المرة خلال الحملة سالفة الذكر، بتعديل قانون الحماية من العنف الأسري، بحيث يتضمن تدابير إجرائية تكفل للضحايا الوصول الآمن والسريع لآلية طلب الحماية وتضمن لهنّ السلامة الكاملة بعد ذلك من خلال برامج المتابعة الحثيثة وفرض العقوبات الرادعة على كل فعل مبعثه الانتقام منهنّ بسبب طلبهنّ الحماية من مؤسسات الدولة.

 

"الشرف" عذر مخفّف للقتل..

ورغم أن الدكتورة وشاح أكدت لـ DW أنها لا ترى في القتل "عنفاً" وأن الجرائم المختلفة، بما فيها الذي يعرف بجريمة الشرف، تتجاوز كل العنف بمراحل، إلا أنها عدّت الأساس التربوي أيضاً مشكلة فيما يتعلق بالقتل على أساس الشرف، الأمر الذي يسانده "ضعف" التشريعات الرادعة في مثل هذه الحالة.

وتعد الجرائم تحت ذريعة الشرف من أشهر الجرائم المرتكبة بحق النساء في الأردن، إذ يقتل الأب أو الأخ غالباً الفتاة دون الحاجة لأدلة أنها على علاقة مع رجل من غير أقاربها.

وتؤكد حملة " أين نقف" المختصة بجرائم الشرف أن القانون الأردني يحمي مرتكب الجرائم المذكورة عبر الاعذار المخففة في قانون العقوبات، الأمر الذي تطالب في سياقه العريضة الأخيرة بتعديل نص المادة (98) من قانون العقوبات والتي تعتبر "الغضب" عذراً مخفّفاً للجريمة، بحيث تستثنى جرائم الإيذاء والقتل المرتكبة ضدّ النساء بداعي "الشرف" أو "المحافظة على السمعة" من تطبيقات العذر المخفف المنصوص عليه في هذه المادة التي أظهر الواقع العملي أنها تشكل أساس "مشروعية" قتل النساء.

وتطالب العريضة  التي أصدرتها حملة مناهضة العنف ضد المرأة، وبدأت بجمع التواقيع عليها بوقف اعتبار "إسقاط الحق الشخصي" عذراً مخفّفاً، مؤكدة أن النساء في الغالب يرغمن على استخدامه.

الاعتداء الجنسي.. لا يأتي فرداً..

وقتلت 37 امرأة منذ بداية عام 2016 ولغاية بداية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، وفق إحصاءات محكمة الجنايات الكبرى الأردنية، كان منهن 8 ضحايا فيما يعرف بجرائم الشرف، بينما سجلت المحكمة 168 حالة  اغتصاب للنساء، و483 قضية هتك عرض، إلى جانب 27 قضية خطف، و 19 قضية شروع بالقتل واقعة على المرأة.

ويؤكد الخبراء أن النساء لا يتحدثن في الأغلب ليس عن العنف الجسدي فقط، وإنما حتى عن الاغتصاب والتحرش، ما يجعل الأرقام التي وصلت محكمة الجنايات الكبرى لا تمثل المجني عليهن فعلا.

وتؤكد الدكتورة وشاح أن العنف الجنسي والذي يصل للاغتصاب، يكون أيضاً مترافقاً مع نظيره الجسدي في معظم الأحوال، مشيرة إلى أثر مثل هذا الاعتداء الكبير على نفسية المرأة في كل الأحوال.

وتقول الخبيرة في علم الاجتماع الدكتورة وشاح أن حتى أسباب الاعتداء الجنسي أحياناً تكون ضعف الرجل، مستذكرة أنها التقت الكثير من الحالات التي كان الرجال فيها يعبرون عن ضعفهم الجنسي أو الجسدي أو حتى الاقتصادي بطريقة عدوانية تستهدف المرأة غالباً.

ويأتي حديث وشاح متماشيا مع ما قاله ممثل منظمة الأمم المتحدة للمرأة زياد الشيخ في الأردن إن المرأة في كل العالم وبنسبة 35% إما تعرضت لعنفٍ جسدي أو جنسي أو كليهما من شريكها، بينما ما يقارب 70% تعرضن لعنف جسدي أو جنسي أو كليهما.

وأكد الشيخ أن الأردن كباقي البلدان تعيش فيه الناجيات من العنف "عالماً من الصمت"، مضيفاً أن على الحملات التوعوية أن تذكر النساء بحقوقهن وأهمية أن يخرجن من صمتهن.

الكاتبة: فرح مرقه

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW