العنف في المدارس العربية.. ظاهرة تستفحل وناقوس خطر يدق!
١٤ مايو ٢٠٢٤
في الآونة الأخيرة، خلق مطلب للنائبة البرلمانية المصرية، آمال عبد الحميد، ضجة في مصر، ويتعلق الأمر باقتراحها خلال جلسة نيابية إعادة النظر في آليات إعادة هيبة المعلم، مطالبة بصلاحيات أوسع في التأديب والعقاب ومنها الضرب بالعصا.
مقترح خلق نقاشا مجتمعيا في مصر، لكن النائبة لم تتراجع عنه وأكدته خلال استضافتها في برامج حوارية تلفزيونية، في وقت تشهد فيه مصر كما الكثير من البلدان في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط استفحال ظاهرة العنف المدرسي بمختلف أشكالها.
وكان قبل تصريحات النائبة البرلمانية، قد انتشر فيديو في مصر لمعلم يضرب طالباً بقسوة وعنف، فانتشرت حالة من الغضب في المجتمع المصري، الذي تحاول سلطاته وقف تفشي الظاهرة عبر تفعيل قوانين جذرية، قرارات وقوانين أيدتها أيضا دار الإفتاء المصرية.
المحامي علاء راعي، عضو المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة، اعتبر في حديثه لـ DW عربية أن سبب العنف الأول ينطلق من الفهم الخاطئ لبعض النصوص التشريعية والتي تنص في بعضها علي "حق الآباء في التأديب الشرعي" للأطفال، الأمر الذي دفع بالمؤسسة الدينية لمحاولة التصدي لهذا الفهم الخاطئ".
واستطرد راعي قائلا "هذا المنطلق انتقل بشكل تلقائي إلى المؤسسات التعليمية، ليصبح الضرب مباحاً من أجل التعلم، واستمر فترة طويلة إلى أن تصدت له وزارة التربية والتعليم حينما صدر قرار وزاري بمنع الضرب في المدارس المصرية".
تقارير محلية ودولية تدق ناقوس الخطر!
الظاهرة التي يقيمها الخبراء على أنها خطيرة ومستفحلة في جل دول العالم العربي، تطرقت لها منظمة هيومن رايتس ووتش في آخر تقاريرها حول العنف ضد الأطفال في العالم، ودعت عبره حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى حظر التأديب العنيف للأطفال.
وكانت الدعوة بمناسبة إطلاق مؤشر يصنف دول المنطقة بناء على قوانينها وسياساتها الخاصة بالعقاب الجسدي. لتسجل المنطقة أعلى معدلات للعقاب العنيف في العالم، بحسب المنظمة، التي أبرزت أن استخدام العنف مع الأطفال يسبب لهم المعاناة، ويضر بنمو الطفل ونجاحه المدرسي.
وأبرزت المنظمة عبر تقريرها أن الأطفال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما زالوا يتعرضون للإيذاء الجسدي في المنزل، والمدرسة، ودعت كل دولة لحماية الأطفال، والحرص على إنهاء استخدام العقاب البدني.
محرز ادريس، دكتور في علوم التربية، وخبير بوزارة التربية التونسية، اعتبر أن الدراسات والتقييمات الدولية تؤكد أن ظاهرة العنف متفشية في الأوساط المدرسية في الدول العربية "وأننا في بلداننا اليوم عوض الاهتمام بجودة التعليم صرنا نركز على مواجهة مثل هذه الظواهر".
وربط المتحدث طريقة اشتغال المؤسسة التعليمية في البلدان العربية بأزمة العنف، معتبراً أنها مازالت تجتر برامج تقليدية وكلاسيكية، لا تلائم حاجيات الطلاب، وقال "ما زلنا في مرحل التلقين واعتبار أن التلميذ ليس فاعلا في بناء الدرس، بقدر ما هو مجرد آلة تستوعب المعرفة، التي يتم استرجاعها في اختبارات، وهذا يجعل المدرسة منفرة، ويفرز ما نعانيه من عنف داخل هذه المؤسسات".
مظاهر عنف متعددة تثير القلق!
ليس العنف الجسدي هو المظهر الوحيد الذي ينتشر في مدارس العالم العربي، بل يعاني الطلاب من العنف النفسي أيضا، وتطور الأمر مؤخرا للعنف السيبراني. كما أن الممارسات العنيفة حسب الملاحظ لم تعد في اتجاه واحد، بل يمارس العنف في المدارس على الطلاب كما على هيئة التدريس، وهو ما يجعل الوضعية مستعصية على إيجاد حل شامل.
في مصر، يعتبر المحامي علاء راعي أن تولي المجلس القومي للطفولة والأمومة حملة "لا للتنمر" بمثابة تجريم صريح للاعتداء النفسي، مبرزاً أنه "لم يسبق في البلد أن صدرت أحكام تعويض عن الإساءة النفسية، فلعلنا نراها قريباً".
واتفق المتدخلان على أن ما تعيشه المجتمعات العربية من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، له أثر على كافة مؤسسات التنشئة الاجتماعية، بما فيها المدرسة، وأن ما يعيشه المجتمع من ظواهر وانحرافات أدى لظهور العنف واستفحاله، سواء كان العنف مادياً أو لفظياً. وأيضا أن دور المؤسسات التعليمية في مواجهة العنف أساسي عبر الاستعانة بالمتخصصين داخل المؤسسات التعليمية.
في بقية الدول العربية كالجزائر والمغرب وتونس والعراق، تعج وسائل التواصل الاجتماعي بين الفينة والأخرى بصور وفيديوهات عنف من داخل المدارس، أيا كان مرتكبه، إلا أنه يحدث نقاشا متكررا حول وضعية التعليم في هذه البلدان. وصار تعرض الأساتذة للتعنيف على يد التلاميذ وأولياء أمورهم، يشغل بال المؤسسات بالحدة نفسها.
حلول ومجهودات.. هل تكفي؟
العنف المستشري في اتجاهات مختلفة، صار يعيق المدرسة عن أداء دورها وينعكس سلباً على مردوديتها حسب محرز، الذي أوضح أن "المدرسة من خلال جمود برامجها من وعدم تطوير أدواتها البيداغوجية، أثرت على الفاعلين في المدرسة، فصار التلميذ ضحية، لا يتم الاهتمام بحاجيات النفسية، كما يدخل المدرس التجربة دون تكوين في مجال التعامل السيكولوجي مع المراهقين".
لكن الانتقادات الموجهة للبلدان العربية، تستحضر جهودا مبذولة على الصعيد الرسمي أيضا، ففي المغرب مثلا، كان رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الحبيب المالكي، قد صرح أن العنف في الوسط المدرسي يمثل ظاهرة مقلقة. وكشفت دراسة أنجزها المجلس بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" عن معطيات صادمة بخصوص تفشي العنف في الوسط المدرسي بالمغرب بجميع أشكاله.
وأبرزت الدراسة تفشي إيذاء الطلاب لبعضهم عن طريق السخرية والتنمر وأشكال مختلفة من العنف اللفظي والجسدي، بالإضافة إلى التحرش والاعتداءات الجنسية في المدارس الابتدائية والثانوية.
لكن وزارة التعليم في البلد، تحاول جاهدة، كما باقي سلطات البلدان العربية الأخرى، أن تجد حلولا فعالة، فقد طورت خارطة الطريق 2022 – 2026، واعتمدت منذ عام 2022 مشروعين تجريبيين للمساهمة في مكافحة "التحرش الإلكتروني" والتنمر في الوسط المدرسي.
هذه المجهودات، يجدها محرز، دليلا على وعي السلطات سواء كان في البلدان المغاربية أو المشرقية، لكنه أعاب كونها "محاولات ومشاريع تكون في أغلبها ظرفية ومناسباتية لا تتسم بالديمومة"، وقال "يجب أن تكون الخطة مرتبطة بنظرة إصلاحية للمنظومة التربوية والتعليمية عموماً".
وأضاف المتحدث "هناك محاولات متعثرة في أغلب البلدان العربية، المشاريع الإصلاحية غالبا ما ترتبط بوزراء، بينما إصلاح منظومة التعليم مسؤولية المجتمع ككل، يعني يجب أن يكون المشروع التربوي مشروعا وطنيا، ومن الضروري أن يتم إشراك الجميع في الحوار وبلورة التصورات والمقترحات لإصلاح المنظومة التعليمية".