العنف والمخدرات تقود شبابا عربياً إلى سجون ألمانيا
٢ يوليو ٢٠١٧يقبع أشخاص من أصول عربية في سجون العاصمة الألمانية برلين لأسباب مختلفة منها ما يتعلق بالسرقات والعنف ومنها أيضا ما يتعلق بحيازة المخدرات أو الاتجار فيها مثل الشاب المغربي الذي اختار اسم "سعيد" كاسم مستعار. قال لنا سعيد البالغ من العمر 32 ربيعا، في حوارنا الطويل معه، إنه اختص في بيع المخدرات بمختلف أشكالها وأنواعها في ساحة "كوتبوسر تور"، الواقعة في حي "كرويتسبرغ" في برلين، وأضاف: "صعوبة الحصول على المال هي التي دفعتني للاتجار في المخدرات مع بعض الأصدقاء العرب."
هذه التجارة كانت بالنسبة لسعيد الوسيلة السهلة للحصول على المال؛ لكنه يدفع اليوم ثمن ذلك، حيث يقبع في السجن منذ سنتين، حسب قوله. وأكد سعيد لنا مرارا وتكرارا أنه نادم عما اقترفه، في حق الكثيرين ممن أشتروا منه السموم القاتلة.
في إحدى قاعات سجن "موآبيت" البرليني، التقينا مع "وسيم"، السجين اللبناني الأصل والبالغ من العمر 26 عاما. ويحكي وسيم: "سبب وجودي في هذا السجن يعود إلى الاعتداء بالعنف على صاحب محل حينما كنت بمعية رفاق لي بصدد السطو على متجر ليلي."
لم ينطق القاضي بعد بالعقوبة وما أزال قيد الإيقاف، يقول الشاب اللبناني القصير القامة، ذو الشعر الأسود القصير ويضيف: "قرار القاضي هذه المرة، سيكون صارما وقاسيا فالأمر يتعلق بثلاث قضايا، السرقة وامتلاك سلاح أبيض واستعمال العنف، دون أن أنسى سوابقي العدلية." يقبع وسيم في السجن البرليني منذ ثلاثة أسابيع، وقال لنا: "إنها ليست المرة الأولى التي أقف فيها وراء القضبان، لقد سبق لي أن دخلت السجن بسبب جرائم أخرى جلها تعلقت بالعنف."
برامج للتأهيل والتكوين وخطيب للجمعة
تقدم إدارة السجن للنزلاء خدمات متنوعة تسهل لهم الاندماج مجددا في الحياة الاجتماعية حينما يقضون عقوباتهم وراء القضبان. فالشاب وسيم مثلا يزور بانتظام ورشة النجارة التي اختارها بمحض إرادته. لقد سبق لوسيم أن شرع في تعلمها في مرحلة التكوين المهني ،حينما ترك المدرسة الإعدادية، مفضلا عليها حياة الشارع مع الرفاق. استطرد الشاب اللبناني في كلامه :"بكل سرور أذهب كل صباح مع ثلة من نزلاء السجن إلى ورشة لتعلم المهنة على قواعدها الصحيحة، أريد أن أحصل على الشهادة حتى يتسنى لي مستقبلا دخول سوق الشغل من بابه الواسع وأبدا حياة كريمة بعيدة عن الإجرام." ويحلم الشاب العربي يوما ما بفتح ورشته الخاصة للنجارة، إلا أنه يعتقد بشدة أن المال سيكون عائقا في تحقيق مبتغاه.
ويقول وسيم إن النزلاء العرب يتمتعون بالحرية التامة في القيام بطقوسهم وواجباتهم الدينية، كبقية نزلاء السجن بغض النظر عن انتماءاتهم الثقافية أو الدينية. وهذا ما أكده لنا كذلك الشاب المغربي سعيد الذي بات اليوم يصلي مع ثلة من المسلمين من عرب وأتراك وغيرهم من المسلمين الآخرين، ويقول سعيد: "ليس هنالك من يمنعنا من القيام بالصلاة وليس هنالك من يستفزنا عند أدائنا للصلاة."
يرى سعيد ككثير من المسلمين في الصلاة ملاذاً من الحياة المملة والمقيتة في فضاء السجن، ويوضح: "لقد شعرت بقيمة الحرية هنا في السجن. الحياة هنا مملة جدا واليوم لا حدود له، لذا قررت حضور الصلاة وقراءة القرآن في المسجد الصغير."
المسجد الصغير كما ينعته المصلون هنا هو عبارة عن قاعة صغيرة مفروشة بسجاد أزرق اللون وكتبت على جدران القاعة عبارات الله ومحمد. وفي حديثه معنا يؤكد الموظف "بوك" من إدارة السجن "لدينا في السجن مجموعة من النزلاء العرب والمسلمين. نوفر لهم هذه القاعة الصغيرة حتى يتسنى لهم القيام بطقوسهم الدينية وفي كل يوم جمعة يأتي إمام يلقي عليهم خطبة الجمعة ثم يصلي بهم، كما نقدم للسجناء المسلمين الأكل الحلال إذا ما أرادوا ذلك."
وأضاف بوك في مجرى حديثه، بأن نزلاء السجن ينتمون إلى ما يزيد عن خمسين جنسية، وتحاول إدارة السجن توفير متطلبات ورغبات المساجين سواءً كانت دينية أو ثقافية. وبالنسبة للنزلاء العرب يقول بوك: "هنالك مرشد اجتماعي عربي يأتي هنا لتقديم المساعدة المعنوية .. وتقديم النصيحة حتى يتمكن هؤلاء من العودة إلى المجتمع مجددا بدون صعوبات، قد تجعلهم يعودون إلى الجريمة ثانية، إنها فرصة لهم للدردشة بالعربية، كما يقول بعضهم."
سجناء يرتاحون للعرب وآخرون يرفضونهم
أمَّا فالتر فهو الآخر سجين برليني يتمتع بعلاقة جيدة مع بعض النزلاء العرب، الذين تعرف عليهم في السجن مثل وسيم وسعيد. وحول رفاقه العرب يقول فالتر: "أنا من سكان حي "فيدينغ"، أعرف العرب منذ نعومة أظافري وأجد راحتي بينهم، إنهم كرماء ولا يرفضون الآخر. حتى هنا في فضاء السجن أتمتع بعلاقة جيدة معهم." كان فالتر يتحدث لنا بحماس ثم نظر إلى سعيد قائلا:"إنها الحقيقة يا أهبل وأنت تعرف هذا جيدا." يقبع فالتر في السجن لأنه اعتدى على صديقته بالسكين وكاد يقتلها، لأنها قررت فراقه.
في حديثنا مع السجينين العربيين علمنا أن حياة السجن في ألمانيا ليست كأفلام هوليوود الأمريكية. ويجب أن يتجنب الشخص بعض المجموعات المريبة، والتي بإمكانها أن تكون عنيفة وخطرة. هنالك نازيون يكرهون الأجانب وخاصة العرب، يقول وسيم ويضيف: "منهم من يصفنا بالإرهابيين وينعتنا بداعش ويقولون إن على العرب المسلمين أن يرحلوا من ألمانيا لكن لحسن الحظ لا يمثلون سوى الأقلية."
علمنا من إدارة السجن أن مثل هذه الاستفزازات كانت سببا في التلاسن والصراع أحيانا بين الطرفين. ثم شرع سعيد يضحك بصوت مرتفع وهو يقول:"لا تصدقوا ما ترونه في الأفلام فالواقع يختلف عن الخيال السينمائي، لا شك أن هنالك صراع بين الفينة والأخرى لكنه يظل نادرا."
شكري الشابي - برلين